خبث السياسة و التجرد من الأخلاق الاجتماعية
تتفرد مهنة السياسة بقدرتها على توفير أدلة براءة المتهم وتجريمه في آن واحد لعدم ايمانها بصداقات ولا عداوات دائمة ولا تمنح الأصدقاء ثقتها وتتربص بالأعداء وتفرض قيمها الأخلاقية على ممتهنيها وتجردهم من أخلاقهم الاجتماعية، وتشترط إتقان أساليب الخداع، والمراوغة، والكذب، والغدر، والشك لاحتراف العمل السياسي يقول مكيافلي”على الامير أن يتصرف كالحيوان عليه أن يقلد الثعلب والاسد في نفس الان”. بدليل ازدواجية أخلاق السياسي فمن جهة يوحي التزامه بقيم المجتمع الأخلاقية ومن جهة أخرى سلوكه يعكس قيم السياسة الأخلاقية، ففي الأولى يكسب ولاء المغفلين والسذج وفي الثانية يخدع أقرانه السياسيين لتحقيق أهدافه الخفية.
يقول فولتير : ” أن الرغبة الملحة بالإدانة، تختلق أدلة التجريم “.
تتوافر مهنة السياسة على الامكانات المادية والاعلامية لرفع شأن الحثالة من قاع المجتمع إلى قمته وتعتمد كل السبل غير الأخلاقية لتشوية سمعة شخص نبيل لاسقاطه سياسياً واجتماعياً لتحقيق أجندتها الخفية(التعديل الحكومي الاخير نموذجا)، ويجري شراء الذمم وتنفيذ المؤامرات السياسية بالمال، ويلفق الأعلام التهم غير الأخلاقية ضد المنافسين لقسرهم اعتزال العمل السياسي والاجتماعي.
لذلك يتعين في العمل السياسي التحقق من صدقية الأخبار والاشاعات وتتبع مصادرها وصلات مروجيها لتحديد دوافعهم الخفية، لارتباط صدقية الخبر بشخصية ناقله وأخلاقياته ومصداقية جهة التحقق فإن كان ناقله كاذباً وجهة التحقق غير موثوق بها فقد الخبر صدقيته(الحقائب الوزارية والشخصيات المحتملة…)
لا يصح في العمل السياسي الوثوق على نحو كلي بصدقية الأخبار والاشاعات والأشخاص لأن مهنة السياسة قائمة على الشك بالاصدقاء والحذر من الحلفاء والتربص بالأعداء لتباين المصالح الخفية فمن دون توافر وسائل فعالة تردع الأصدقاء والحلفاء وترعب الأعداء صعباً تحقيق الأهداف الستراتيجية الخفية، وفي المقابل يتوافر جميع المنافسين على وسائل مضادة لتحقيق أهدافهم الخفية.
إن ساحة العمل السياسي لا تقل خطورة عن ساحة الحرب فمن يكسب معاركه السياسية على نحو سابق يحقق انتصاراً سهلاً في حربه العسكرية، ومن يتوافر على سلاح نوعي ويجيد استخدامه بكفاءة عالية يتحكم بالساحة السياسية وأزماته(المفاوضات مع مزوار نموذجا).
إن احتراف العمل السياسي يتطلب إجادة استخدام السياسة الناعمة لتحقيق الأهداف الصعبة بعيداً عن لغة التهديدات الفارغة بعودة الربيع العربي، لأنه من وسائل السياسة الخشنة الممهدة للحروب الكلامية ، فالعمل التفاوضي وسيلة سياسية ناعمة ليس بعده لغة تنازل عن مصالح وإنما لغة مساومة لتحقيق المصالح لا تشترط تقاسمها على نحو عادل. تستخدم الدبلوماسية الناعمة مع الحلفاء لأن مفرداتها ودية ووسائلها مخادعة وأساليبها مراوغة لتحقيق الأهداف الخفية، على خلافه مفردات السياسة الخشنة عدائية ووسائلها تهديدية وأساليبها قسرية لتحقيق الأهداف المعلنة. قول هلاري كلنتون ” أن الدبلوماسية عملية مراوغة مشروعة في العمل السياسي حتى مع الحلفاء “.
يتطلب العمل السياسي المحترف اجادة استخدام أساليب التضليل، والشك، والغدر، والخداع، والمراوغة لتحقيق الأهداف الستراتيجية المتباينة،السياسة مسار خفي لتمرير الأفكار الملتبسة التي تحاكي عواطف المجتمع وتضعف صلاته وتحتقر تاريخه وتصفه بالمتخلف لتغرس مكانه واقع مغاير تعده متطوراً فيصاب المجتمع بحالة اغتراب عن واقعه، وخطورتها تكمن في قدرتها هدم قناعات المجتمع على نحو تدريجي فيرفض الفرد على نحو لاواعي محيطه الاجتماعي وينتمي لجماعة مروجة للأفكار الملتبسة، وبتعددها تنهار الصلات الاجتماعية وتتفتت وحدة المجتمع ويفقد الثقة في السياسة و ألسياسيين فالأفكار الملتبسة وتباين غايات مناصريها تزيد حدة التناحر الفكري في المجتمع ليتحول مع الزمن إلى صراع عنفي يقسر الآخر التخلي عن أفكاره وقناعاته المغايرة.