إدارة تصلي، أم صلاة على إدارتنا ؟

0 411

[box type=”shadow” align=”alignright” width=”95%” ]

Zagora Press – سعيـد بوخليـط [باحث مغربي ][/box]

منذ قرون،جاءت الرؤية الثاقبة لماركس واضحة،لا لبس فيها :الدين أفيون الشعوب.على الأقل،بغير الفهم الميكانيكي، الآلي، التبسيطي للخلاصة الماركسية.كما حاول أعداؤها، التلويح بنوع من المدرسية الساذجة.فالمقصود هنا،التوظيف التضليلي الإكليروسي،الذي ينتقل معه الدين من ممارسة محض ذاتية،تستلهم بالمطلق الحرية الفردية اعتقادا،فهما،تأويلا ثم ممارسة،إلى مؤسسة كهنوتية موضوعية تتوخى التبرير والتدجين والتكريس والتنميط.
لازال الدين داخل المجتمعات المتخلفة، اللا-مدنية و اللا-ديمقراطية،يجد ضالته المنشودة لدى الدولة والحزب والجمعية والمنظمة…،كل من موقعه يوظفه لأهداف لا-دينية وفق حسابات الظروف والدواعي والمقتضيات والأهداف التوتاليتارية.فيكون الدين مرجعية هنا،وتهمة هناك.حداثة هنا،ورجعية هناك.تعضيدا هنا،وتلفيقا هناك ….
تطرف الدين،أو بالأحرى فوبيا الخوف من الموت والسلطة والمرض والفقر والطارئ،تزداد كلما تغوّل الوقع الموضوعي وتشعبت مفاصله،فاستعصى عن الفهم والتملّك.ثم العكس صحيح،كلما ساد الفرد واقعه ماديا ورمزيا،مستوعبا حيثياته،كانت الاستجابة والتفاعل أقوى،فيستعيد الدين بكيفية مرنة وضعه الطبيعي،المفترض به أن يكون حوارا باطنيا بين الشخص ونفسه.
لمّا تجف منابع الديمقراطية،ويستشري رعب الديكتاتورية في كل مكان،يكون الدين ملاذا وخلاصا للمعذبين،ثم التطرف، فالإرهاب الأعمى، إلخ. إنه، أداة شحن هائلة.في المقابل،عندما يهيمن مناخ الحرية،ويرتقي السلوك المجتمعي عقلا وقلبا،فيسود الاحترام المتبادل بين مكونات الفضاء العام،ثم يسير المشروع المجتمعي إلى جانب الفردي،وفق خطين متوازيين، متكاملين.لحظتها،يغدو العقل عقيدة للدين،والأخير، عقيدة لسكينة الذات.
بناء على لعبة تسييس المقدس،إذا تصادف وكنت في حاجة ماسة إلى وثيقة من وثائق الإدارة المغربية، بالأخص يوم الجمعة،فاستحضر بكل الصلوات صبر النبي أيوب كي تبقي على توازنك النفسي.ثم،يصبح الأمر،أكثر رهافة من شعرة معاوية،إذا تحتم عليك لظرف من الظروف،الحضور بعد الظهيرة،مع أن القانون يسمح لك بذلك،مادام توقيت العمل يستمر حتى الساعة الرابعة والنصف.لكن أشياء، كالعادة والعرف و”التعبد” و”الصلاة” و”الخوف من الله” و”السلوك الإيماني”،أوقفت العمل يوم الجمعة،في الغالب الأعم،بشكل عفوي لدى الجميع ربما،عند الساعة الثانية زوالا في أفضل الأحوال.
هكذا باسم الواجب الديني،تبتلع من حق المواطنين،بغير وجه حق، أربع ساعات ونصف،فتبلغ زمنية صلاة الجمعة،التي يفترض عدم تجاوزها نصف ساعة كأبعد تقدير،إلى زمان مفتوح على الاحتمال والإرجاء.تصير،الكلمة السحرية،التي تلقى ببساطة في وجه كل صاحب حاجة :((راه اليوم الجمعة والصلاة،ميعاد الله ألْخّوتْ، نْهارْالاثنين)).أما،إن كنت على عجلة من أمرك،جراء جبرية قرار إداري آخر يلزمك بالإسراع،فاضرب رأسك مع الحائط . إنها،مدينة الرب والصلاة والقائمين بأمر الرب وعباد التوقيع والبيروقراطية المتعفنة.بالتالي،دعونا نتخشع في صمت كي نرسم الأقدار مثلما وردت في عهود الأقدمين.
إجمالا،تشتغل إدارة الجمعة،من خلال السيناريو التالي :تلج المرفق المقصود،وأنت متلهف للحصول على تأشير أو توقيع،لكنه توقيع يتضخم إلى أن يصير قضية موت.تجد المكان، شبه فارغ إلا من هذا المنتظر أو ذاك.فالناس، امتثلت حسب تواتر العادة،إلى كون عطلة آخر الأسبوع،تبدأ من الحادية عشر صباح الجمعة،لذا لا داعي للانتظار بل والقدوم أصلا.
المكتب الأول،مضاء لكنه مقفل تماما.الثاني،منفرج قليلا لكن لاأحد في الداخل.الثالث،مغلق تلفه ظلمة دامسة.تشرئب،بعنقك يمينا ويسارا،تحاول الاستفسار عن مبررات هذا السكون الثقيل؟تستعيد،يوميات “أعيادنا” التي لا تعد ولا تحصى، فتتأكد بالذكر والذاكرة أن اليوم بالفعل ، يوم عمل.تعاود النظر إلى ساعتك، تكتشف بأنه لاتزال ساعتان على موعد الانتهاء .تتكئ على حائط. بعد لحظات، ظهر أحد الأعوان.تبادره، بالسؤال. يرد عليك بالجواب-النمط:((لقد ذهبوا إلى الصلاة)).تزم، شفتاك.تحاول، أن تعقب.يلتقط ردة فعلك،فيستتبع كلامه السابق بجواب ثان، كليشه :((أصبر،حتى تقضي حاجتك)).تنتظر،ساعة ثم ساعتين.يأتي الطاقم أم لاياتي؟.أنت وحظك،وردي أم رمادي؟.إنها الإدارة المغربية،الذائعة الصيت بماراطونات الزحف على البطون، حيث توقيع يلقي بك صوب كومة لانهائية من التوقيعات، ثم تكتشف عند نهاية المطاف،أنها جميعا مجرد عقدة سادية، تضمر مرضا مستعصيا ينخر جسم إدارتنا،هي سلسلة طويلة وعريضة من المتاهات والأطياف،يستنسخ بعضها البعض بطريقة غبية،ومسالخ لا تنتهي من هدر للطاقات والزمان والمكان،وتعليب للذكاء وتخشب للحواس البشرية.
كل الإدارة تصلي،بل جحافل الشعب تصلي جمعة وغير جمعة،فهل تتغير حقا نفوسنا نحو السلم والسلام؟كما يتوخى في الجوهر النزوع الإيماني. إن أبسط درس للصلاة،بالنسبة لكل الديانات سواء كانت إلهية أم وضعية :المحبة ثم الواجب، يؤطرهما العمل كقوام لجميع العبادات وسيدها. إنه باب الإيمان الأول،بحيث تستنكر كل التشريعات السماوية والأرضية،تبرير الهروب من أداء الواجب على الوجه الأكمل،باسم صلاة،جدير بها،التسامي بمسافات مهمة عن طقوس شكلية والادعاء بلباس أبيض وسبحة،ومايدخل في طياتهما.الصلاة فلسفة وجود متكاملة،تتوخى مصالحة الفرد مع نفسه والآخر.
إذن،كم نحن في حاجة إلى مختلف الصلوات،بكل اللغات، رحمة بالوضع البئيس جدا الذي تنغمس فيه مختلف دهاليز إدارتنا المغربية؟؟

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.