تأملات في نفاق حكومة العدالة و التنمية : محضر 20 يوليوز نموذجا

0 577

الكل يجمع أن حزب العدالة و التنمية كان من ضمن لائحة الأحزاب السياسية التي عقد عليها المغاربة أملا كبيرا ، فهو الحزب الذي صنف أنه شد انتباه معظم المواطنين في الانتخابات التشريعية الأخيرة ، و صوتوا لصالحه في ظروف وصفت بالحرجة ، ووسط سخط عارم و غليان شعبي شديد طالب بمحاربة الفساد و الاستبداد . وهي ثقة كان منطلقها الرئيسي فيما كان ينشده هذا الحزب و يعد به المواطنين و المعطلين و الأجراء عندما كان في صف المعارضة، من شغل و صحة و تعليم و سكن و محاربة للفساد و اهتمام بالطبقات الشعبية… بل إنه الحزب الذي أخد شعار حركة 20 فبراير و طمأن الجميع بأنه لن يدير ظهره لمطالب الحراك الاجتماعي في الحرية و الكرامة و العدالة الاجتماعية .
لكن بقدرة قادر ، تغير سريع للأفكار و المرجعيات و القناعات و المبادئ تحت ذريعة أن ( أخوك مكره لا بطل – الإصلاح ليس بالسهولة التي نتوقعها – الاستقرار أولا … ) و غيرها من العبارات الفضفاضة التي ترتب عنها نفور و غياب الثقة في السياسة و السياسيين على مختلف انتماءاتهم ،و خصوصا بعد التراجع الغير المفهوم عن تنفيذ العديد من الالتزامات الاجتماعية ، و على رأسها التزام ملف المعطلين المعروف بقضية محضر 20 يوليوز 2011 الموقع مع تنسيقيات المحضر المذكور ( الأولى – الوطنية – الموحدة – المرابطة) باعتبارها دفعة ثانية للمرسوم الوزاري الاستثنائي 2.11.100 و دلك من أجل إدماج أكثر من 3000 إطار في أسلاك الوظيفة العمومية بناء على المناصب المالية المدرجة في قانون المالية لسنة 2012 .
فكما يعلم الجميع أن التوقيع و المصادقة على المرسوم رقم 2.11.100 تمت بالمجلس الوزاري المنعقد يوم الخميس فاتح أبريل 2011 برئاسة صاحب الجلالة و الذي جاء في غمرة ما سمي بالربيع العربي ، و الذي يؤذن بموجبه بصفة استثنائية و انتقالية إلى غاية 31 دجنبر 2011, للإدارات العمومية و الجماعات الترابية بتوظيف حاملي الشهادات العليا في الأطر و الدرجات ذات الترتيب الاستدلالي المطابق لسلم الأجور رقم 11 مباشرة دون الحاجة إلى تنظيم مباريات . هذا المرسوم قال عنه بن كيران و وريث سره عبد الله باها ما لم يقله مالك في الخمر ، بأنه مرسوم باطل و أكبر خطأ ارتكبته الدولة في شخص صاحب الجلالة ، بل إن الدولة نصبت على أبناء الشعب بهذا المرسوم الملكي الاستثنائي ، انتهى كلام بن كيران و صحبه .
لم يتوقف الأمر عند هذا الحد ، بل تمت عملية تمديد فترة المرسوم بإجراء انتقالي قانوني و لبه اجتماعي إنه محضر 20 يوليوز 2011 ، الذي تم بدوره توقيعه بإرادة من صاحب الجلالة من أجل الطي النهائي لهذا الملف ، كما صرح بذلك العامل السابق الملحق بوزارة الداخلية السيد محمد ركراكة إبان التوقيع .
و لن أعود إلى تصريحات الوزراء بهذا الخصوص ، سواء لحزب العدالة و التنمية أو الأحزاب الأخرى المشكلة للإتلاف الحكومي ، و التي عبرت عن إلتزامها بتنفيذ التزامات الدولة و دلك احتراما لمبدأ استمرارية المرفق العام ، بحيث يكمن فقط كتابة محضر 20 يوليوز على الموقع الاجتماعي ” فيسبوك او يوتوب أو تويتر ” لتكتشفوا مدى زيف التصريحات التي أطلقت على عنانها و أبرزت من خلالها نفاق و انتهازية السياسي في تعامله مع الملفات الاجتماعية الإنسانية .
فولاية الحكومة الحالية بقيادة حزب العدالة و التنمية ، لم يرى فيها معطلو قضية محضر 20 يوليوز رغم عدالة قضيتهم و خصوصا بعد أن أصدرت المحكمة الإدارية بالرباط أكثر من 1000 حكم لصالح تسوية وضعيتهم الإدارية و المالية و دلك بإدماجهم في أسلاك الوظيفة ، لم يشاهدوا من هذه الحكومة سوى مزيدا من نفاق التصريحات اللامسؤولة و التعنيف غير المبرر و تدخلات أمنية تذكرنا بسنوات الجمر و الرصاص ، وذلك من اجل كبح أشكالهم النضالية و إصرارهم عن الدفاع عن ملفهم الذي أصبح قضية حياة أو موت .
لم يكتفي رئيس الحكومة برفض تفعيل مقتضيات محضر 20 يوليوز ، بل تمادى في تعنته حتى في تنفيذ الأحكام القضائية المؤكدة لشرعية هذا الالتزام الاجتماعي ، مفضلا الاتجاه عكس ذلك بممارسة تأثير غير مشروع على المسار القضائي للملف المعروض الآن على أنظار قضاة محكمة الاستئناف الإدارية و الذي يرجح أن جلسة المداولة و النطق بالحكم ستكون في الأيام القليلة القادمة .
لكل ما سبق ذكره جاز لنا أن نطرح سؤالا عريضا :
هل بعد هذا النفاق السياسي و العناد غير المفهوم و الأذان الصماء و سحل المعطلين في شوارع الرباط و قهر المواطنين بالزيادات في الأسعار ، هل يمكننا الحديث عن ثقة في الأحزاب السياسية و العمل السياسي برمته؟
إن الحصيلة الإجمالية لحكومة العدالة و التنمية فيما يخص تدبير ملف المعطلين ، تعطي انطباعا باديا للعيان تؤكد من خلاله فشل برامج التشغيل ( تأطير – إدماج – مبادرة ) و تمادي في صراعها الشخصي مع اطر عليا درست و اجتهدت ، فاكتشفت أن لها شواهد عوض أن تخولهم الشغل و الكرامة منحتهم البطالة المستدامة في بلد لا يعير اهتماما للرأس مال البشري .
إن جل التقارير الوطنية و الدولية و مطالب الفئات الاجتماعية و الهيئات السياسية ، من معطلين و أحزاب و صحافيين و نقابات و جمعيات حقوقية و مختلف الهيئات ، كلها الآن تطالب الحكومة بالرحيل أو إيقاف نزيف الارتجالية في تدبير الشأن العام و سياسات الاإجتماعية و السبب بسيط ، إنه أخلف بما وعد و ” قلب الفيستة ” و أصبح همه الوحيد هو التمسك بكرسي رئاسة الحكومة و لو كان المنقذ اليوم هو عدو الأمس .
يجب على حكومة العدالة و التنمية أن تعلم جيدا أن سياسة العناد التي تمارسها اتجاه ملف المعطلين لن تزيد الأمر إلا تعقيدا و تكريسا لوضع أكثر احتقانا ، و ما شهده بحر هذا الأسبوع بمناسبة إيقاف القطار المتوجه إلى مدينة القنيطرة من قبل جمعية المكفوفين المعطلين ، ليس سوى نقطة في بحر من المعاناة ، التي يجب على هذه الحكومة أن تجد لها حلا عاجلا عوض استهلاك الوقت في الصراعات الدونكيشوتية التي لا تغني و لا تسمن من جوع .
لقد نفذ صبر المواطنين إزاء حكومة لا تعرف من أمور تدبير الشأن العام سوى الزيادة في أسعار المواد الأساسية و تقليص فرص الشغل، و إغراق كائل الدولة و المواطنين بمديونية خارجية فاقت كل التوقعات.
إن استمرار الحال على الوضعية الراهنة التي تسير نحو المجهول ، فإننا يمكن القول انطلاقا مما سبق ذكره أن منسوب الثقة في التجربة الحكومية لحزب العدالة و التنمية ستتساقط مثل أوراق الخريف ، بحيث لم يعد مقبولا من السلطة التنفيذية أن تتهم الآخرين بأنهم نزعوا عنها رداء الثقة .
لكن لنكن أكثر صراحة وواقعية ، من يزرع الريح و الوهم لا يحصد غير ما يشابهه ، فإذا عدنا قليلا إلى الوراء ، سنرى كيف أهدر حزب السيد رئيس الحكومة كل الفرص التي كانت متاحة أمامه مباشرة من أجل رفع منسوب الثقة ، و لاسيما ثقة فئة الشباب من حاملي الشواهد العليا ، لأنه اهتم بشيء واحد هو العناد و الكلام المباح على عواهنه ، و من يتكلم كثيرا لا يفعل إلا القليل .
تأملات في نفاق حكومة العدالة و التنمية  محضر 20 يوليوز نموذجا

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.