تعليق على الفصلين الاول و الثاني من كتاب (هكذا تكلمت درعة)

0 599

هل هكذا تكلمت درعة؟

سعدت كثيرا و انا اتملى بانبهار و حبور ما كتب على غلاف كتاب (هكذا تكلمت درعة) و من الدواعي الاساسية لهذه السعادة تصوري ان حلما قديما كنا نتهيب ملامسته نحن ابناء جيل ما بعد الاستقلال نظرا لما يتطلبه (توثيق التراث الامادي بواحات وادي درعة) من خبرة و موهبة و حسن تمثل لهذا التراث, كما ان توثيق هذا التراث لا يعني التمكن من ادوات البحث العلمي وفقط بل يعني ايضا الانتماء الى مبدعي هذا التراث بالنسب لان لغة الابداع داخل النوع الواحد (الرسمة كنموذج) و خصوصياته تختلف حسب القبيلة و الجيل و موطن الابداع.
هذا وقد تعمق تفاؤلي بما قد يعرضه الكتاب من وثائق بعد ان وجدت ان المشرف عليه مبدع اقدره و افخر به لانه جعل لدرعة مساهمتها الوطنية المتميزة في مجال الرواية و القصة, ذاك هو السيد عبد العزيز الراشدي المحترم.
و مما عمق لدي الامل في الظفر بذخيرة طال انتظارها ان العمل مؤطر بفريقين الاول لجنة علمية تمثل ثلة من الاساتذة الاجلاء اعتبرهم من الاضافات النوعية التي قدمتها درعة للوطن في مجال تخصصاتهم.
و لعل الاخوة اعضاء فريق البحث الميداني هم الذين تحملوا مسؤولية التنقيب و انتقاء المصادر و بالتالي فعملهم الميداني هو الذي سيعطي للمشروع قيمته فيجعله خطوة نوعية الى الامام او العكس لا قدر الله.

ان قارئ عنوان الكتاب و طبيعة المشروع يستشعر صعوبة المهمة التي انتدب الاخوان انفسهم لها اذ سيجدون امامهم زخما اثنيا تثاقف على امتداد قرون. كما ان اغلب (كلام) درعة تحول من التعبير عن حياة البداوة و الترحال الى التعبير عن حياة الزراعة و الاستقرار مما جعل قاموس الابداع الشعري يعرف انزياحات يصعب معها الفهم و التعليق و التوثيق. و مع ما تقدم خاض الاخوة المغامرة بمالها و ما عليها و ليستسمحوني ان اخوضها معهم و اسجل مجموعة من الملاحظات اشكرهم لان كتاب (هكذا تكلمت درعة) اتاح لي فرصة استعراض هذه الملاحظات مقتصرا على الفصلين الاول و الثاني: الرسمة و الركبة.

الفصل الاول : الرسمة

1) ان المستعرض لقصائد الرسمة الواردة في مشروع التوثيق يستغرب كيف لم يقع الاتصال بكبار شعراء الرسمة عند قبائل:نشاشدة-المهازيل-الروحا-اخشاع-ولاد شعوف-ولاد جلال و غيرهم كثير اذ هناك عائلات توارثت الابداع في فن الرسمة ابا عن جد و منها عائلات:السلامي-الحسناوي-الزوين… و من الشعراء من لازال شامخا الى اليوم كالشيخ عبد العزيز المهزولي الذي لم توثق له ولو قصيدة واحدة , كما ان هناك رواة مشهود لهم بالحنكة و الحفظ كمحمد لعكيدي النشادي و غيره كثير لم اذكرهم لاعتقادي ان الامر يتطلب الاستشارة و اغلبهم يفضلون الابتعاد عن الاضواء.
2) ان القصائد الواردة في الكتاب موجهة للقارئ المحلي و غيره فحبذا لو قدم لكل نوع من انواع الابداع او كل فصل كما اسميتموه بمقدمة تقربه من القارئ. فتوثيق (كلام) الرسمة يقتضي الاشارة الى: القبائل التي تشتهر بالرسمة:موطنها اهم شيوخها ,اهم رواتها. الاغراض التي تناولتها قصيدة الرسمة, بنية القصيدة , الظروف الاحتفالية التي تنشد فيها… لتتوالى قصائد الكتاب وفق تراتبية يحددها: الاغراض او الشيوخ او كرونولوجيا الزمن.
3) ان الكثير من قصائد الرسمة الواردة في الكتاب منسوبة الى راو او جامع بغير داع , فبقليل من السؤال ولا اقول البحث يمكن الوصول الى اصحابها لشهرتها و كثرة تداولها و هذه ارقام بعض القصائد الواردة في الكتاب غير منسوبة لاصحابها الحقيقيين مع تصحيح نسبتها:
القصيدة 9: صاحبها الحقيقي: الحسين بن مبارك الحسناوي
القصيدة 15: // // : بلال الكرزابي
القصيدة 27: // // : الحسين بن مبارك المهزولي
القصيدة 30: // // : محمد السلامي
القصيدة 31: // // :محمد بن امحمد السلامي
القصيدة 32: // // : علي بن الحسين الحسناوي
القصيدة 40: // // : بلعيد بن سالم المهزولي
القصيدة 49: // // : امحمد بن علي الحسناوي
هذه نماذج من القصائد التي تفتقر الى اهم شروط التوثيق وهو نسبتها الى مبدعها و اغلب قصائد الفصل الاول كدلك.

4)ان الكثير من وثائق الفصل الاول -الرسمة- بعيدة عن التحري الدقيق و الامانة العلمية, فاذا كانت القصائد الواردة في هذا الفصل لا يؤطرها التقديم ولا الشرح ولا التعليق فان ما تبقى لها كمبرر وجود هو: صحة المتن. و مع الاسف الشديد فان هذا الاخير قد غاب هو الاخر عن الكثير من الوثائق ,وبما ان الحيز لا يسعف فانني ساكتفي باعادة كتابة جزء من وثيقة واحدة نقلا عن تسجيل موثق لصاحبها للمقارنة بينهاو بين الوثيقة الواردة في الكتاب, و قبل ذلك ساسرد ارقام بعض القصائد بادئا باكثرها ابتعاذا عن النص الاصلي و هي :(31-40-30-32-37-49-51-08-09) و ما تبقى من قصائد هذا الفصل ينقسم الى قسمين:
_قسم منقول بامانة يستحق ناقله التنويه
_قسم لا تتوفر فيه ضوابط الرسمة و اهمها صحة الوزن او (الماية) ولو توفرت الخبرة و القليل من (لولاعة) ما وجدت هذه القصائد طريقها الى كتاب (هكذا تكلمت درعة) .
و في ما يلي الجزء من الوثيقة الذي اريد ان اعرضه على القارئ من القصيدة 30 للشاعر محمد السلامي و مطلعها :
نوصيك يالي ما حسنت الوالدين ضيعت حق ربي فيهم
و نظرا لطول القصيدة ساكتفي بهذا الجزء ص 104
سول و سال عل لحباب و رد لوجاب–في الوقت لا دير احساب مع لوالدين
اللي بغاه ربي تاب و جا لصواب——–ودى مزيتو ماخاب من الصالحين
و فالرزق مايسد الباب وربي كتاب——هو لي يدير سباب اجيبو منين
شمت يا الباخل فيهم

لو كانك بكيت بعينك طول السنين—–ما نفعك ندام عليهم
كالو قبايل قبلنا ولقينا اخرين———ضيعت حق ربي فيهم
ضيعت حق بالتحقيق رجع للطريق—-نوصيك يا الغافل فيق الى الله توب
دارو ليمعاك يليق فشغل لعتيق—–لازم تعزهم و التيق و ربي ينوب
ماكان كيفهم صديق و لا لك رفيق—صبرو عليك يوم الضيق و ماهو كدوب
فرحوا منين زدت عليهم

حرصوا عليك و عطاو العاهذ كاملين——- بلمال واخا يغنيهم
شي حد خير منك ماتختارو العين——ضيعت حق ربي فيهم

5) لماذا هذه القصيدة الجنحة: الوثيقة 6

الوثيقة 6 عبارة عن هجاء مقدع استغربت كثيرا لادراجها في كتاب (هكذا تكلمت درعة) لانها تخالف ضوابط الهجاء عند الشعراء الشعبيين بدرعة
واهم هذه الضوابط :
ا) الهجاء ينصب عادة على الصفات المعنوية كالبخل, الجبن,الغدر و الخروج عن ضوابط القبيلة و لا يهتم ابدا بالصفات الخلقية (بكسر الخاء).
ب) قصائد الهجاء في المجتمع الدرعي لا تداع في المحافل العمومية بل تبقى حبيسة المجالس الخاصة جدا. و القصيدة رقم 6 اتيح لها النشر في كتاب مولته المبادرة الوطنية و مطلع القصيدة (مع الترفع عن دكر اسم المهجو و صفته كما وردت في القصيدة) المطلع هو :
كاع شين (فلان الفعال) ماه في ولد اداما———مثلتو لحمار.
فهذا التشبيه بالحمار يزري بقائله اكثر مما ينال من المهجو,فكل من دخل سوق زاكورة و الاسواق المجاورة خلال ستينيات و سبعينيات القرن الماضي يعرف دماثة خلق الرجل و امانته, هذا وقد انصب هجاء القصيدة على: الراس-الاذنين-لمناخر-العينين-الفم-الشوارب و الرقبة و كل هذه الاعضاء خلق رباني لا يستقيم فيها الهجاء و قد ينطبق ما قيل فيها او بعضه على قائل القصيدة. و اسف من جديد لادراج هذه الوثيقة لان فيها من الميز العنصري ما يخدش السمع ولا يقبله عاقل.

6)لماذا توثيق الانتحال في القصيدة 32

القصيدة 32 من اشهر قصائد الرسمة في وادي درعة و مطلعها:
كومي لينا نشرفو رسول الله—–ماحدك يا الروح حية
و صاحبها الشاعر علي بن الحسين اكثر شهرة و مع ذلك نسبت في الكتاب لاحد الرواة, وما يحز في النفس اكثر ان مبدع القصيدة ختمها بتوقيع شعري يعرف به على عادة كبار الشعراء اذ ختم قصيدة الروح محددا اسمه و نسبه قائلا:
نسبي معروف ما نكنو——————مهزولي من اترايك الشيخ الحسين
مسمي بعلي و زيد فنو—————-معروف ولا خفيت ضعيف و مسكين
يا ربي عاونو و عينو——————دخلت عليك بالنبي و الصالحين
مهموم و صاحب الشجية
هذا هو الاصل و الذي تحول في وثيقة الكتاب الى:
نسبي معروف ما نكنو———————عبوبي من اترايك ولد براهيم
مسمي بالمداني و زيد فنو—————معروف الى خطيت صعيف و مسكين
(لاحظ ان الوزن لا يستقيم في الشطر الاول من البيت الثاني مما يزيد في فضح الانتحال).

7)ارحموا امية بعض الشعراء: القصيدة 5
كثيرون هم الشعراء الفقهاء او على الاقل النبهاء الذين نظموا في السيرة و التاريخ و كانوا عونا لقبائلهم على تنمية معلوماتهم,لكن بعض الشعراء يتعالمون و يقعون في اخطاء تاريخية غير مقبولة لا نلومهم عليا لطبيعة مستواهم المعرفي و لطبيعة مخاطبهم لكن ان توثق قصائدهم باعتبارها من عيون شعر الرسمة فهذا فيه نظر! و يمكن التمثيل لذلك بالقصيدة رقم 5 و مطلعها:
قصة البعير يوم جا هارب للروم ————وادخل حرم ولد مينة
في هذه القصيدة بلطجة في حق التاريخ مفادها ان جملا جاء الى المدينة المنورة هاربا من الروم فاستنجد بالرسول (ص) لكن (لكشوط) بعد ان احاطو بالمدينة و باتوا بها اتسع طمعهم فلم يقنعوا باسترداد الجمل بل ارادوا فاطمة و عليا اسيرين ففاوضه المسلمون بافتداء الجمل ذهبا و فضة… لكن جيش الكفار الذي لا حصر له اختار القتال و بعد ان تعذر على المسلمين الانتصار عليه تغير وجهه (ص) كناية على غضبه و خوفه من الهزيمة لولا ان هداه جبريل و هنا نصل الى بيت القصيد و مفاده ان المخلص للمسلمين بعد عجزهم هو علي بن ابي طالب اذ ارسل له الرسول (ص) ملكا اخبره بالامر و هو في الكوفة بالعراق فوصل على السرحان في لمح البصر و اطار الرؤوس باليد اليسرى مما اضحك الجمل حتى شرم شاربه:
و اضحك لبعير و شاربو ولا مفروم————–و ادخل حرم ولد مينة
كما ضحك الرسول (ص) و تباشر الصحابة بهزم الكفار:
و اضحك بوفاطنة العربي——————–الصحابا تباشرو بخلا الخزيان
هل يمكن لملمة هذه الوقائع حتى تستقيم مع التاريخ او المنطق ؟ للقارئ واسع النظر!!

الفصل الثاني الركبة

لم اجد في هذا الفصل قصائد بل هي مقطوعات لا تتعدى اغلبها اربعة ابيات و الردمة عدد هذه المقطوعات: 56 عدد القطع المكررة : 14. القصيدة 44 هي طحاني و ليست ركبة الباقي من مقطوعات الركبة 42 عوض 56.
12 قطعة من 56 لشاعر شاب اسمه الحسين بن امحمد الحسناوي لم يذكر اسمه و لو مرة واحدة ناهيك ان يستشار او تنتبه (المبادرة الوطنية) الى حقه و حق غيره في التاليف.
ان ماسجلته في قصائد الرسمة من نقص في التوثيق و المثن و البنية اكرره هنا مع مقطوعات الركبة و اكتفي يتصحيح نموذجين : الاول حديث مازال صاحبه حيا يرزق و قد صححه بنفسه و النموذج الثاني ما يزال يصدح به المستمتعون بقصائد الركبة على امتداد وادي درعة رغم انه قديم و لا اعرف صاحبه.
النموذج الاول:القصيدة رقم 12 (صححها مبدعها)
بات مهموم العاشق في ركوك صحرا———-و يلود فرسام فالبلد الخالي
تبع سراب كوبل ما لقى العدرا—————–عقلو مشطون اضل و يبات ايلالي
ها سلامي نهديه و زيد فيه كثرة ————- شكران ستاهلوه منا لغوالي
بوشرى سلطان الغيدات يا الحرة—————دامي الوكار جاح منها دلالي
النموذج الثاني القصيدة 25 و هي قديمة يجهل قائلها و هذا تصحيحها :
ناسك يا لوليف بعدو لا حيا—————–خلاو باهرا فالخاطر تغيار
بعد الحية ما تلات فيك رقية—————–يا مرسم لعرب عاود لي ماسار
يوم جبيت عليك غرغرو عينيا—————–ما كدعو الدمعة ليلة و نهار
سلتك بالله عيد لي خبار النية—————-وين لمالفو كنت معاه جوار
فكدني بايام ما الدوم الدنيا——————–هاديك حالتو د الدهر الغدار
معداه بكيات يا المعناوية————————لفراك يا عنيك جدية لمهار
ان الحيز لا يسعف لادراج نماذج اخرى لحقها التغيير و المعول على نباهة القارئ في حسن قراءة ما لا يمكن ان تحسن نقله الكتابة.

و لا يمكن الختم دون الاشارة الى ان الكتاب اغفل ثلاتة انواع من الفن الشعبي ب درعة اولها: الهرمة و قصائدها بعدد و زخم قصائد الرسمة و لعلها اكثر تعرضا للطمر و التلف لانها اصبحت اقل تداولا و ممارسة .
و النوع الثاني الذي اغفله الكتاب: الوسطي و هو شقيق الطحان و حضور احدهما يستدعي حضور الاخر.
النوع الثالت: سليسلة التي ادرجها الكتاب في فصله العاشر و مثل لها بما لا علاق له بسليسلة. لان سليسلة في الاصل عبارة عن ابيات شعرية شعبية مستقلة ترتجل قبل بداية الهرمة و يسمى البيت الواحد (الموكف) اي الكاف بلغة اهل الساحل .
اما القصيدة 1 الواردة في فصل سليسلة في الكتاب فلم اجد فيها الا (موكف) واحد هو :
يعملو مبارك مادرتو كاملين—————-يا ناس فلانة
جاء غريبا و سط ابيات تعذر عليا تصنيف جزئها الاول, اما الجزء الثاني ابتداء من:
اصلاة على سيد المسلم——————استاهل بو لنوار
حتى نهاية القصيدة فهو كتابة غير دقيقة لقصيدة في الهرمة مطلعها
و صلاة على سيد المرسلين—————-محمد بو لنوار
و اتمنى ان تتاح لي فرصة قادمة لاعرضها كاملة لطولها
و في الاخير فقد كانت هذه ملاحظات منصبة على جزء من الفصلين الاول و الثاني من كتاب “هكذا تكلمت درعة” اجدد بعدها تقديري للاخ المشرف و الاخوة اعضاء اللجنة العلمية و فريق البحث الميداني. و ما كنت لادلو بدلوي في هذا المجال لولا كلمات مشجعة قراءتها في مقدمة الكتاب هي عبارة عن دعوة مفتوحة للمزيد من البحث و التنقيب حيث قال السيد الراشدي في الصفحة 12 :(و على الباحثين الذين سيجيئون بعدنا تغيي الدقة اكثر, و عليهم ان يرمموا خطانا, بما تقتضيه قواعد المنهج العلمي لنتطور و نفيد). مع متمنياتي ان يكون كتاب (هكذا تكلمت درعة) موضوع ندوة تقييمية تثري البحث في التراث اللامادي لوادي درعة.

محمد الجلالي

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.