قرينة البراءة والحق في محاكمة عادلة قراءة في إحالة رجال الشرطة على المحكمة في حالة اعتقال

2 747

تعتبر قرينة البراءة من أهم وأرقى ضمانات المحاكمة العادلة، حيث ارتقى بها المشرع المغربي إلى مصاف المبادئ الدستورية، إذ نص الفصل 23 من دستور 2011 على أنه:
” لا يجوز إلقاء القبض على أي شخص أو اعتقاله أو متابعته أو إدانته، إلا في الحالات وطبقا للإجراءات التي ينص عليها القانون…
قرينة البراءة والحق في محاكمة عادلة مضمونان”
كما نص الفصل 119 من الدستور أيضا على أنه:
“يعتبر كل مشتبه فيه أو متهم بإرتكاب جريمة برئيا إلى أن تثبت إدانته بمقرر قضائي مكتسب لقوة الشيء المقضي به”
أيضا نص الفصل 120 من الدستور على أنه:
” لكل شخص الحق في محاكمة عادلة، وفي حكم يصدر داخل أجل معقول.
حقوق الدفاع مضمونة أمام جميع المحاكم”
وهكذا، بالرجوع إلى فصول الدستور المغربي لسنة 2011 أعلاه، يلاحظ أن هناك ضمانات دستورية قوية لمتابعة المشتبه بهم في حالة سراح واحترام ضمانات المحاكمة العادلة، على اعتبار أن الأصل في المشتبه فيه البراءة، وهو ما يعني الغلو في المتابعة في حالة اعتقال، خاصة حينما تتوفر ضمانات الحضور، وهي تكون متوفرة بشكل أقوى في من لهم وظيفة عمومية، كرجال الشرطة والدرك وغيرهم من مأموري القوة العمومية.
أولا: حول وجوب متابعة رجال الشرطة والدرك وغيرهم من مأموري القوة العمومية في حالة سراح
ينبغي اتخاذ الحيطة كلما تعلق الأمر بجريمة مشتبه بارتكابها أحد موظفي الأمن أو الدرك وبصفة عامة أحد مأموري القوة العمومية، وذلك بالنظر للمكانة التي تحظى بها الأجهزة المذكورة في المجتمع المغربي، حيث ينتشر الخبر كالنار في الهشيم، وتعم الإشاعة وتنسج الحكايات، ثم يأتي التأويل والـتأويل المضاد، مما قد يترتب عليه شعور بعدم الثقة، سيما عند المواطن العادي الذي لا يميز بين الإتهام بالجريمة وثبوتها قطعيا بحكم قضائي حائز لقوة الشيء المقضي به، بل يعتبر الشرطي أو الدركي أو غيرهم، مجرم بمجرد شيوع خبر اعتقاله، وهذا هو الملاحظ في التعليقات الواردة على خبر اعتقال ثلاثة رجال شرطة بسلا صباح يوم السبت الماضي، حيث أغلب التعليقات أدانت هؤلاء واعتبرتهم مجرمين إلى أن تتبث براءتهم، والحال أن العكس هو الذي يجب أن يكون، أي أنهم أبرياء إلى أن تتبث إدانتهم.
لذا، كان من الأفضل إحالتهم ملفهم على المحكمة ومتابعتهم في حالة سراح، مع تطبيق مقتضيات قانون الوظيفة العمومية المتعلقة بإيقاف الراتب إلى حين بت المحكمة الزجرية في موضوع المتابعة، على أساس أن ضمانات الحضور متوفرة فيهم باعتبارهم موظفين عمومين بل من سلك الشرطة قضوا حياتهم في خدمة هذا البلد، إذ أنه إذا كانت ضمانات الحضور غير متوفرة في رجال الشرطة والدرك بالله عليكم في من ستتوفر ضمانات الحضور، كيف لنا أن نفهم أنهم بالأمس كانوا مستأمنين على أمننا وسلامتنا واليوم لم يعودوا تتوفر فيهم ضمانات الحضور وبالتالي متابعتهم في حالة اعتقال، دون الوضع تحت المراقبة القضائية مثلا.
هل لأن رجال الشرطة والدرك ليست لهم نقابات وجمعيات مهنية لتدافع عنهم في مثل هذه اللحظات، كما هو الحال بالنسبة للمحامين والقضاة والأطباء والموثقين وغيرهم… أم ماذا ؟
في فرنسا مثلا هناك منظمات لزوجات رجال الشرطة تتولى الدفاع عنهم كلما كانت هناك موجبات لذلك، أما عندنا في المغرب، فلأسف الشديد لازالت هذه الفيئة لا تلتفت إليها الجمعيات الحقوقية والمنظمات النقابية إلا حين تريد أن تحملها المسؤولية عن عدم استتباب الأمن، أو لإلصاق تهم الفساد وغير ذلك، لكن أليسوا هؤلاء مواطنيين أيضا يستحقون أيضا منا تولي الدفاع عنهم في حقوقهم المشروعة كالحق بالمتابعة في حالة سراح وتمتيعهم بالضمانات القانونية الواجبة؟.
لماذا تقام الدنيا ولا تقعد حين يتعلق الأمر بمتابعة المحامين والقضاة في حالة اعتقال، لماذا تضامن المحامين مع زميلهم الذي كان يسوق سيارته في حالة سكر وتسبب في حادثة ولم يكن يتوفر على رخصة السياقة، حيث لم يهدأ لهم بال إلا حينما تم إطلاق سراحه وتوبع في حالة سراح. أيضا نفس التضامن شهدناه في المحامي الذي توبع لأنه تم العثور على المخدرات في أمتعة كان قد أتى بها إلى السجن لتسلم إلى موكله، حيث توبع هو الآخر في حالة سراح بفعل ضغط المحامين.
كذلك في ملفات الصحفيين يتم تشكيل لجان التضامن، وتتم أغلب المتابعات في حالة سراح… وغير ذلك كثير، كملف السياش والمكتب الوطني للمطارات…
من يتخذ إذن قرارات متابعتهم في حالة اعتقال، لماذا التباين في تنزيل السياسة الجنائية من هذه الزاوية، أين المساواة أمام القانون…؟
كمواطن مغربي أقدر نعمة الأمن التي ينعم بها وطني، وذلك بفضل مجهودات وتضحيات مأموري القوة العمومية من رجال شرطة ودرك وقوات مساعدة وغيرهم، لا يسعني إلا أن أقول بأن المقاربة التي تعتمد متابعة أحد من أولائك في حالة اعتقال، هي مقاربة مبالغ فيها وخاطئة من وجهة نظري، سيما كلما ارتبط الأمر باشتباه في جرائم بسيطة كالرشوة وغيرها، هذه الجرائم التي غالبا ما يتم الحكم فيها بعقوبات قصيرة المدة قد لا تتعدى الثلاث أو أربع أشهر، وهي عقوبات قصيرة المدة لها من السلبيات ما يفوق الإيجابيات، سيما من زاوية الإصلاح داخل المؤسسات السجنية، والتي يريد المشرع المغربي في إطار إصلاح منظومة العدالة التخلي عنها واستبدالها ببدائل أخرى كالعمل للمنفعة العامة مثلا.
ثانيا: حول عدم جواز خرق قرينة البراءة
لنتصور أن القضاء أصدر أحكاما بالبراءة في حق أحد من المتابعين المذكورين، ونحن كمواطنيين نتابع الجرائد ونعلق ونصف المتابعين بالمجرمين وغير ذلك من النعوث ذات الوقع الكبير على أسرهم وأطفالهم وأصدقائهم وزملائهم في العمل، ماهو تأثير التشهير بهم على مستقبلهم، لذا ينبغي علينا أن نرقى بالتعليقات كلما تعلق الأمر بمشتبه فيهم، قد نناقش مسطرة المتابعة ومدى توفق النيابة العامة في المتابعة في حالة اعتقال، والعكس صحيح، قد نناقش المتابعة في حالة سراح، كلما كانت هناك موجبات المتابعة في حالة اعتقال، لأن سلطة الملاءمة الممنوحة للنيابة العامة متروكة للعمل البشري الذي قد يصيب وقد يخطء، ونحن كذلك، قد تكون وجهة نظرنا أعلاه خاطئة، لكن الخطأ فيه اليسير وفيه الجسيم، وإذا كنا قد نفهم ونتفهم قرار المتابعة في حالة اعتقال بالنظر لصرامة السياسة الجنائية المعهودة في مثل هذه الحالات، فإن صورة الخطأ الجسيم تكمن في إطلاق العنان للكتابة في المواقع الالكترونية والقول بأن المتابعين مجرمين ويستحقون العقاب، والحال أن الحكم القضائي لم يصدر بعد، بل هم فقط متهمين لا غير. لا شماتة في المتابعة القضائية، أيها المعلقين على متابعة رجال الشرطة والدرك وغيرهم من مأموري القوة العمومية، وحتى لو تمت الإدانة فهذا لا يعني أن هذه الأجهزة فاسدة، بل على العكس من ذلك فيها الشرفاء وهو كثرة، وتبقى هذه الحالات =في حال ثبوت التهمة بحكم قضائي= معزولة، وجهازي الأمن والدرك والقواة المساعدة وغيرهم حقهم علينا كثير، ويستحقون الثناء عليهم، إنهم يضحون ويخاطرون من أجلنا نحن، والكلمة الطيبة صدقة، لذا أوجه إليهم جميعا أسمى عبارات التقدير والاحترام.

2 تعليقات
  1. كان عليك ان تعمم اولا يقول

    ماهذه العبقرية في الاجتهاد القانوني ؟ ولماذا هذه الفئة بالضبط ؟ وما هي اسباب عدم التعميم على كل موظفي الدولة ؟ أولم تشاهد رجال تعليم وجنود ورجال اطفاء وموظفون بالداخلية معتقلون ولم تتفتق العبقرية . فلماذا تفتقت هنا ؟ ان المغربة يعرفون جيدا من هو صديقهم ومن هو عدوهم ولهذا كل ما سقط الجمل تكثر الخناجر وتسرع من كل حذب وصوب ، وكان الله في عون من هو لاسلطة له في هذه البلاد لن يجد قطعا من يتعاطف معه وقد يكون مظلوما او حتى يحس بكينونته . (وغير اللي عندو الزهر فلبشر وصافي ) دوي السلطة يعملوها حمرة جمرة وينهال عليهم المتعاطفون والمواسون ووووووو ومع كل واو معنى .

  2. ردا على التعليق الذي وصف مقالنا بالعبقرية في الاجتهاد القانوني نقول:
    أولا: ليست إجتهاد قانوني، بل قراءة في حالات معينة، وغير غير مقتصرة فقط على رجال الشرطة، بل تشمل الشرطة والدرك وغيرهم من القوات المساعدة والجنود والمطافئ ورجال السلطة… على اعتبار أن كل الفيئات تدخل في خانة مأموري القوات العمومية، وهي الصفة التي تناولها المقال
    ثانيا: المقال أشار إلى كون رجال الشرطة موظفين عموميين تتوفر فيهم ضمانات الحضور، ومن تم الرأي ينسحب على كل الموظفين العموميين، بل والأصل كل من تتوفر فيهم ضمانات الحضور أثناء المحاكمة يتعين متابعتهم في حالة سراح، وهو النهج الذي أكد عليه مشروع تعديل قانون المسطرة الجنائية الذي تقدمت به وزارة العدل والحريات
    ثالثا: الأمر لا يتعلق بتعاطف بقدر ما هو رأي قانوني حقوقي، وإذا كانت العاطفة هي التي تحكمت في رأي حول قرينة البراءة فنعم العاطفة، ونأمل استخدامها أيضا في نصرة الدفاع عن حقوق أخرى لفيئات أخرى إن شاء الله، على اعتبار أن قراءة قانونية للرأي سيلاحظ المتخصص أن لفظ الموظف العمومي ينسحب على كل ما تم ذكره من طرف المعلق من معلمين وجنود ورجال إطفاء
    والسلام

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.