الجامعة…الواقع المر

0 437

للأسف الشديد رحلت الجامعة عن عالمها الشمولي، وقيمتها المثلى ومكانتها السامية…وبقية منكمشة في صورة مقتضبة وآفاق محدودة جدا، بسبب ما آلت اليه أوضاعها،اللهم هذا الاسم الفضفاض الذي تحمله أبنيتها الصماء، بالرغم أنها ظلت أملا طويلا، تقف في وجه هذه السياسات الرخيصة التي لا تبقي ولا تذر، وتمانع ضدا عن الاحتواء والتمخزن جيل بعد جيل، الى أن قادها مخطط الإصلاحات الفاشل أصلا الى مصير مشؤوم للغاية، وفجأة يهوى هذا الصرح بعد أن أستهدف من الداخل لتتبعثر أوراق الطالب الذي تحول الى فأر للتجارب, والجامعة مختبر للتفريخ.
انه واقع مر أصبحت تتخبط فيه الجامعةبعدما قطعت مع ماضيها المشرق…لايزال يتذكرالكثيرون هذه الفترة بعز وافتخار وما كانت تعرفه من نمو وازدهار لا مثيل له،إنها ذكريات ناطقة تحكي عن واقع لم يعد له أثر،وكيف كانت الجامعة تهتز جنباتها بأصوات الحركة الطلابية المختلفة المشارب.
اذ كانت الجامعة تعرف تواجد مجموعة من الفصائل التي كانت تتفاعل فيما بينها سلبا واجابا،الأمر الذي كان يبث فيها روح الابداع والتنافس، ليس فقط من أجل تقديم أنشطة ومهرجانات ثقافية من المستوى الرفيع على مستوى الجامعة، وانما يتم استقبال شخصيات وازنة وطنية ودولية.
من خلال هذه الأنشطة الوازنةكانت الحركة الطلابية تؤطر وتنشر الوعي،وتخلق أسئلةالحاضر،وتستحضر المستقبل في جدال فكريموسع، كما كانت هذه الحركة تتفاعل جنبا الى جنب مع القضايا الكبرى والمصيرية،فكانت بحق عنوان الجامعة الأبدي.
هكذا كانت تعيش الجامعة… ليتوارى هذا الماضي في المخيلة بعد أن زحفت عليه رمال الخيبة، واليوم تمر من أسوأ مرحلة من تاريخها العريق، لتدخل في الألفية الثالثة بمستوى متدني وخجول، ليعصف هذا التحول بالإنجازات العظيمة، التي خلفتها تراكمات عقود من الزمن على مستوى التأطير والنجاح، الذي كان مثالا يحتذى به،إنه تاريخ غزير،مليء بالهموم والقضايا الحية.
كان طلاب الجامعات يحملون هموما كبرى وأحلاما مرتبطة بالوطن والأمة،كما كانت الجماهير تلتهب صارخة في وجه لوبيات التطبيع والفساد، وتتحرك على أكثر من صعيد، تحمل هيبتها في هذا الارتباط العميق وهذه الابعاد الفكرية الغير متناهية، إنها بحق صفحات من تاريخ حافل، خلدته أجيال مناضلة من أجل نهضة فعلية شاملة.
ودعت اذن الجامعة هذا المجد، الذي أشرنا الى بعض حيثياته والذي يصعباستدراكه في الوقت الحالي، بعدما غرس الفشلواتسعت رقعته، وبعدما حل الضعف مكان القوة، والفرقة مكان الوحدة، والأنانية محل البذل والإثار،ذهب الطالب المسؤول والعنيد، وحل محله التلميذ المذلل، حل الإخفاق والهجر والقلق، حل اللامعنى محل المعنى والقيم، وتحولت بعض الجامعات الى فضاءات للحميمية والموضة، حل الهدوء والسكنية لينعم هذا التلميذ بالانفتاح المشبوه، والتقوقع المميت، ولينتهي السؤال في حنجرة تمتلئ بالمرارة وتتجرع مأساة الخيبة.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.