أمطار صيف

1 395

كان مساء يوم الأحد، 18 ماي من هذه السنة الساعة الخامسة مساءاً…
يبدوا أن السماء رقت لحال أهل زاكورة، رقت للنخلة التي تزداد ارتفاعاَ عاما بعد عام علها تبصر ما تبقي من أبنائها. رقت لحال شجرة الكرم التي لم يعد أحد يذكر عنها شيء بل قليل من أهل زاكورة من يعرف أن هذه الشجرة استوطنت وادي درعة قبل شجر النخيل.
الفصل فصل الصيف الماء بدء ينضب شيء فشيء و هذا ليس بجديد على أهل زاكورة خصوصا (الفلاح) و أستغفر الله على هذه الكلمة ففلاحنا يا سادة لا يملك الهكتارات و ليس له عمال و مستخدمين كما لا يملك قطيع أبقار أو غنم كل ما يملك بضع أمتار مربعة توارثوها أبا عن جد بمحادات الوادي. أو قطعة أرض لا تكاد تكفي حتى لتوفير المؤنة عام كامل من القمح لأسرته. وسطها بئر عميق بعمق الجروح في ذاكرة الاجداد كل متر منه يحكي مدى المعانات التي تحمله هؤلاء كي يحملوا الماء المختبئ بين الصخور ويرووا عطش غلتهم و أشجارهم.
فلاح زاكورة أتقن فن التقشف و أصبح يحفظ جيدا الحديث الذي يقول ((…) بِحَسْبِ ابْنِ آدَمَ لُقَيْمَاتٌ يُقِمْنَ صُلْبَهُ…) كما لا تغلب عليه نفسه فلا يجعل ثلث للطعام. فلاح زاكورة يحفظ كل الأحاديث و الأمثال التي تنهي عن الإسراف و تحث على القناعة و الرضي و كل شيء قضاء و قدر، المرض و الشفاء قضاء وقدر الفقر و التهميش قضاء و قدر…
استبشر الناس خير مع أول غياب غير مألوف للشمس بين الغيوم بل و أحسب شيخا بكى من شدة الفرح مع نزول أول قطرة مطر كأن الزمن عاد به لصباه حينها كانت السماء أكتر كرم و كانت الأرض أكثر جودا كما كان من الواضح جدا أنها ستروي الأرض فالليل قد حل باكرا من شدة سواد السماء.
مرت بضع دقائق و السماء لا تزال ترمي بوابل من القطرات على أرض عطشى لم تتذوق طعم المطر منذ زمن بعيد. كأنها وقعت قطيعة أبدية معها. أمطرت السماء أخيرا بزاكورة بل وأحيت أودية و مجاري قد مر زمن طويل لم يرويها فيض. ربما استجيب دعاء ألف يد من الأهالي، الذين و إن إختلفوا في وقت الدعاء و طريقته كل حسب ما جادت به خطب الفقيه لكنهم حتما يتفقون على فكرة الأرض التي أصبح ماؤها غورا. و الشجرة التي تكاد تتحول أوراقها شوكا من شدة العطش. المهم الكل ظن أن دعاءه هو الذي استجيب لكن لا أحد كان يدعوا بالفيضانات و لا بدر الرماد في أعين الفلاحين الصغار جدا الذين لم يصدقوا أن غلتهم حان حصادها لتأتي ساعة من المطر فتسوي مجهود سنة كاملة من الشقاء بالأرض. أمطرت السماء فأخذ الوادي روح طاهرة عله كان يريد فقط أن يروي عطشها لمنظر الماء وهو يجري لكن القدر كانت له مشيئة أخرى فعزاءنا لنا فيها أولا قبل عزاءنا لأهلها.
أمطرت السماء وكشفت الكثير مما نسي أو تناسى الناس، عرت عن واقع مر مرير وعن أعلى درجات التفقير و التهميش الذي لا ينكره أحد كما كشفت المسافة اللامتناهية بينا و بين التنمية المنشودة. ساعة من المطر كشفت ما تفنن المسئولون في تجاهله تارة و في ترقيعه تارة أخرى. فجدران المنازل التقليدية المبنية من التراب لا تكاد تحتمل ولو كمية قليلة من الماء،و الأسطح من القصب و التراب حتى إدا أمطرت تسابق الناس للأسطح كي يغطوا ثقوب أنشأها طول الجفاف، و انتهاءاً بهشاشة المسالك و الممرات من و إلى الدواوير و المنازل. نصف ساعة من المطر كافية لتعزل قري و قبائل بل وبيوتا أحياناً عن العالم على الأقل طول مدة الإمطار. لست هنا لأسرد المشاكل و المعانات كل شيء سيأتي في وقته.
أيتها السماء الكريمة التي أسقيت أرضنا ارأفي لحالنا وحال بيوتنا الترابية الأثرية فلا طاقة لنا في وطننا لنجددها.
أيتها الأرض المعطاء التي رضعنا عشقها في حليب أمهاتنا لا تبخلي على شعب ليس له غيرك فقد بني و يبني على ظهرك بيوتا تقليدية جدا و صنع داخلها عوالم من الأمل و الأحلام، لا تبخلي على شيخ لا يمل من النظر إليك و جاءته ألف فرصة لكن لم يبعك. ارأفي لحال طفل من شدة حبه لك يأكل من ترك.

تعليق 1
  1. عمر الزبيري يقول

    أحييك يا طالب العلم وياغيور على زاكورة ويدا في يد من اجل تنمية حقيقية.عمر الزبيري

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.