سيمياءُ الطعام بأكدز ” الأضرحة والمزارات” أُنموذجاً
أهل أكدز متدينون، ويتجلى ذلك في مجموعة من الممارسات اليومية التي يقومون بها. فالمجال مثلا، لا يمكن أن يؤمنوا و يقتنعوا به إلا بعد أن يدجنوه ويروضوه، وذلك بإدخاله إلى ثقافتهم المحلية. فالمسكن الجديد، على سبيل الذكر لا الحصر، لا بد أن يخضع لمجموعة من الطقوس والرموز قبل السكن فيه، كالتطويب، أو ” سلكة المعروف”. وتزخر منطقة أكدز بمجموعة من الأضرحة والمزارات، التي توفر لها الحماية من الأخطار الخارجية وهجمات الأعداء… حسب الاعتقاد المحلي .
” وتخصص الأضرحة والمزارات للأولياء والزهاد والعلماء والملوك والأمراء. والضريح قد ينفرد به دفينه الذي خصص له، وقد يكون بجانبه دفين أخر أو أكثر، وهناك أضرحة تقام حولها مقابر للعموم أو مقابر يخصص ركن منها لضريح “(1).
بناءً عليه، فقد شكل الطعامُ عند أهل أكذز، فضلًا عن الوظيفة الغذائية، شيئاً مقدساً وقُرباناً يليق بمقام الأضرحة والمزارات لتحقيق اعتقاداتهم، فإذا كانت هذه الأضرحة والمزارات تدخل في دائرة شخصيتهم، فإن تقديم الطعام كعطايا لها، لهي من أسمى الشعائر التي يقدسونها. ومن هذه الأضرحة والمزارات ما نعرضه على هذه الشاكلة:
1_ ضريح سِيدِي بُوعَمْرَان: هو ضريح يوجد وسط ساحة بدوار ” تغروت “، الذي يبعد عن أكدز المركز بثماني كيلومترات. ويقال إن هذا الولي كان رجلا صالحا، معروفا بالأخلاق الحسنة والزهد والتصوف، وقيل إنه قدم من أيت باعمران بنواحي سوس، فاستقر بواحة مزكيطة واتخذ لنفسه مقاما ب” تغروت بأفلاندرا”. وبعد وفاته دفن فيه، فأصبح الناس يقيمون له احتفالا عظيما في شهر شعبان، يبتدئ منذ الصباح بلعب أحواش، ثم يختم بتناول الكسكس بالخضر بشكل جماعي في الدوار(2).
2_ ضريح سِيدِي مْبَارْك: هو ضريح يوجد بالقرب من مقبرة دوار إنتليتن، يحده شمالا المقبرة، وجنوبا ” دار تافرانت ” أو ما يسمى بالفرن التقليدي الجماعي للدوار، شرقا الجبال وغربا الحقول.
ويقام له احتفال موسمي باتفاق القبيلة، التي يجتمع أفرادها بتناول المعروف (الكسكس بالخضر )، أمام الضريح. وهو احتفال مرتبط بمجيئ القحط وجفاف نهر درعة؛ و تتخلله مجموعة من الرقصات من أهمها رقصة أحواش العريقة محليا، وبعض الأدعية والترديدات ذات طابع ديني، التي يرددها الحضور (قآدَّمنآ عْلِيكْ وجْهْ النْبي يآ رْبّي تعْفو عْلينا).
3_ ضريح سِيدي سبعةُ أُو رِجاَل: ها نحن نستحضر العدد سبعة في مجال الأضرحة الذي يرمز سيميائيا إلى دلالات كثيرة ( السموات السبع، درجات الجنة السبع، دركات الجنة السبع…إلخ )، هذا إن دل على شيء، فإنما يدل على العلاقة الكائنة بين هذين الميدانين. فضلا عن أهمية البعد الديني لدى سكان المنطقة سواءً بوعي منهم أو بغير وعي.
يوجد هذا الضريح بدور إنتليتن بالقرب من شجرة تسمى ” تامايت”، سمي بذلك الاسم لدفن سبعة رجال داخله، وهو محاط بسور من الحجارة. كما يوجد بالقرب منه زاوية سبعة أو رجال؛ وفيها يتم إعداد الطعام الذي يتناوله السكان. تقدم له الهدايا التي تختلف باختلاف الطلب؛ فهي تبدأ بعيدان من الشمع أو قطع نقدية، وتنتهي بقربان كالخروف. أما الحدود الجغرافية لهذا الضريح فهو يتوسط مقبرة إنتليتن(3).
4_ ضريح سيدي محمد أو محامد: يوجد هذا الضريح بدوار“تنغيل” الذي يبعد عن أكدز بحوالي تسع كيلو مترا، ويقال إن هذا الولي الصالح قدم من بلاد بعيدة عرفت بالتدين والورع والاحترام، وقد اتسم هذا الرجل بكل هذه الأخلاق، فرحبوا به وزوجوه من بناتهم، غير أنه فضل العزلة، فبنى لنفسه ضريحا كبيرا عاش بداخله هو وزوجه، ولما مات ابنه دفنه في الضريح الذي يعيشون داخله، ثم توفي هو الآخر ودفن بجانب ابنه وعادت زوجه الى أهلها، ومع مرور الزمن أصبح أهل الدوار يقيمون له احتفالات عظيمة، حيث يقدمون له القرابين ويتناولون بجانبه الكسكس بالكرنب أو الخضر، ويدعونه أوقات الشدة فيستجيب لهم بفضل الله(4).
5_ ضريح سيدي عبد الواسع: يوجد بدوار إسفالن، هذا الأخير الذي يبعد عن أكدز بأكثر من أحد عشر كيلو مترا، وهو ولي صالح من أبناء المنطقة. كان قد تعلم العلوم الدينية والأدب في الزوايا المزكيطية والدرعية ( الزاوية الناصرية والزاوية القادرية …) ثم عاد إلى دوار إسفالن فانعزل عن الناس، واتخذ له مقاما بجانب وادي درعة. ويقام له موسم سنوي بذكرى وفاته وبعض الطقوس المرتبطة بالطعام؛ كتناول الكسكس بالخضر أو الكرنب، وأخرى كطلاء أيادي الأطفال الصغار بالحناء… بالرغم من معارضة الشباب والرجال و الفقهاء لهذه المظاهر(5).
6_ ضريح سيدي علي بن عبد الواحد: ضريح يوجد في مقبرة أكدز الكبيرة، على جانب الطريق المؤدية إلى جماعة أفلاندرا، وقد شيد له بيت من الحجر والإسمنت وفوقه قبة بيضاء، ويقصده الجميع؛ إذ تستجاب فيه كل الرغبات، حسب الاعتقاد المحلي للأهالي، كما يعتبر ملاذ المرأة كل جمعة بعد أسبوع من العمل الشاق بين الحقول والمنزل. “مفاتيح هذا الضريح بيد امرأة من نساء القبيلة، تفتحه بوجه الزوار والتي تجمع الهدايا من شمع وغيره “(6).
يقام لهذا الولي الصالح موسم يكون بعد الحرث باتفاق القبيلة إذ يحضر فيه طعام الكسكس بأنواعه المختلفة.
7_ ضريح سيدي يوسف أو عثمان: ضريح يوجد وسط القصر القديم لدوار أسليم، ويقال إن هذا الولي كان رجلا صالحا، معروفا بالديانة الظاهرة، وكان الناس يحترمونه، ولما توفي اتخذوا له مقاما بينهم داخل القصر، فصار الناس يزرونه ويدعون الله و يضعون فيه ” الشمع “؛ إذ كانوا يعتقدون بتحقق أمنيات زائريه، شرط النية الصادقة والصافية. ومن الشعائر الممارسة بداخله تناول الكسكس، تقبيل أركان الضريح والطواف بقدمين حافيتين حول التابوت الذي يضمه القبر، والتمسح بالرداء الموجود فوقه وأخيرا تقديم الهدية(7).
8_ ضريح سيدي بو السادات: يقصده المريض ب ” الشقيقة “، يأخذ معه قليلا من الملح ويضعه فوق القبر، ثم يأخذ ما يجده في المكان، ويقوم باستنشاقه تزامنا وشروق الشمس، ثم يعيد الكرة عند غروبها وتستمر العملية لثلاثة أيام.
9_ ضريح الحاج علي: يوجد ب “أسليم نزدار” وقد اختلف في أصله، ويقصده الناس للاستشفاء.
ويقام موسمه يوم 15 شعبان من كل سنة، وهو موسم ” توزمت -ن- سي الحاج”.
10_ ضريح سيدي المجاهد: هو مزار يهودي نسبة الى اليهودي الذي دفن فيه، وسميت منطقة دفنه باسمه، وهو ضريح مقبب يوجد ب ” دوار الرباط ” الذي يبعد عن أكدز المركز بحوالي خمس كيلومترات. وتقصده النساء اللواتي تعانين العقم، والبنات اللواتي يرغبن بالزواج، أما عن الطقوس الممارسة فيه؛ فإن النساء والفتيات يغتسلن معا داخله أثناء غروب الشمس أو في أوقات متأخرة من الليل” ويقصده اليهود بين الفينة والأخرى، ويرددون فيه بعض الأذكار بالعبرية ويتصدقون ببعض الدراهم على الأطفال “(8).
جدول يمثل لباقي الأضرحة بأكدز
الغذاء المقدم |
زمان الموسم |
مكان تواجده |
اسم الضريح |
الكسكس ( المعروف ) |
بعد الحرث من كل عام |
دوار الرباط |
سِيدِي أحْمد أو حْسايْن |
الكسكس |
14 رجب من كل عام |
دوار الرباط |
سِيدِي مْسلّم |
الكسكس |
نهاية فصل الربيع وقت المشمش |
دوار الرباط |
سِيدِي أحْمد أو عْلِي |
الكسكس |
يوم الاثنين الأول من غشت الفلاحي |
الزاوية بين الجبلين |
سِيدِي الْحاد |
الكسكس |
بعد الحرث |
دوار شعو |
سيدي مبارك |
الكسكس |
بعد الحصاد من كل عام |
دوار أوريز |
سِيدِي لحْسنْ أو قاسِي |
الكسكس العصيدة و الخبز. |
اليوم الثاني من عيد المولد النبوي |
تامنوكالت |
سِيدِي عبْدْ الله بن علي |
ليس هدفنا، من خلال ما تقدم، هو استعراض الأضرحة والمزارات وعدها وتصويرها، فما أكثر الكتب والبحوث التي تناولت هذه الظاهرة، وما أكثر الندوات والملتقيات التي عقدت حولها. ناهيك عن عدد لا يحصى من المجلات والدوريات التي خصت بعض أعدادها لها.
مطمحنا الرئيس إذن، هو محاولة استنطاق هذه الظاهرة من جانب ارتباطها بعادات الطعام و ثقافته المحلية بأكدز والوقوف على مكانة الطعام (الغذاء) وتكريس العلاقة بين الأحياء و الأموات والمعتقدات. وللإشارة، فهذه المواسم بأكدز عرفت تراجعا ملحوظا على مستوى الاحتفال بها.
البيبلوغرافيا:
- Ø المصادر والمراجع:
1_ إبراهيم حركات: المغرب عبر التاريخ؛ دار الرشاد، ج2، الطبعة الثالثة، الدار البيضاء،2002.
2_ أحمد البوزيدي: التاريخ الاجتماعي لدرعة (مطلع القرن 17إلى مطلع القرن20) دراسة في الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية من خلال الوثائق المحلية؛ صدر بدعم من مؤسسة الملك عبد العزيز، الدار البيضاء، 1994.
3_ المهدي ابن علي الصالحي: الرحلة الدرعية الكبرى؛ دار الرشاد بورززات، الطبعة الأولى، حي القدس ورززات، محرم 1429هجرية/يناير 2008.
- Ø الموسوعات:
4_ الموسوعة العربية العالمية global arabic encyclopedia؛ الطبعة الورقية2، عام 1412هجرية (1992)، رئيس تحريرها الدكتور أحمد مهدي محمد الشويخات.
- Ø الرواية الشفهية:
1- مقابلة السيدة: عائشة المنياني قرب الضريح، يوم الأحد 08 ابريل 2012، على الساعة 09 صباحا.
2- مقابلة السيد: علي أو براهيم، قرب مسجد إسفالن، يوم الأحد 08 أبريل 2012، على الساعة 11:30 صباحا.
3- مقابلة السيدة: كثو أحماد، قرب دار تفرانت بإنتلبتن، يوم الأحد 08 أبريل 2012، على الساعة 09:30 صباحا.
4_ مقابلة السيدة: فضنة أمزيل، قرب دارها بدوار تنغيل، يوم الأحد أبريل 2012، على الساعة 10:20 صباحا.
سيمياء الطعام بأكدز “الأضرحة والمزارات” أُنموذجاً