حقيقة التدين بين المعتنق والمنسلخ

0 440

تعرف المجتمعات الغربية ظاهرة تدعوا بالبشرى لهذا الدين ، حيث أصبحت تعرف هذه المجتمعات إقبالا على الإسلام وتدين في مختلف الأوساط شبابا وشيوخاً ، الجميل في الأمر هو ان المعتنق للدين بمفهومه الوسطي المعتدل السمح ، يأخذه عن اقتناع وإلتزام قولا وفعلاً ، فمن يعيش في الظلمات وينتقل إلى النور هو من يدرك حقيقة هذا النور الذي نتدين به ونحن في غفلة عن روحه وجوهره ، فحقيقة التدين هي التمسك بجميع أوامر الدين وترك نواهيه ظاهراً وباطنناً .أثر عن الحسن البصري رحمه الله حكمة معبرة قال فيها: ليس الإيمان بالتحلي ولا بالتمني، ولكن ما وقر في القلب، وصدقته الأعمال. وعلى هذا تستجلى حقيقة التدين من إظهار علاماته على القلب أولاً، أي: الأعمال القلبية، ثم على الجوارح التي هي الأعمال الظاهرة، والتي تتمثل بأعمال المسلم تجاه أركان الدين وواجباته والأخلاق ونحو ذلك.ثم ما يستلزم ذلك أيضاً من منهج التعامل، تعامل الإنسان مع ربه عز وجل، وتعامله مع الحقائق الشرعية، وتعامله مع أصول الإسلام، ومدى امتثاله لسنة النبي صلى الله عليه وسلم، ثم مدى تحقيقه لمعنى الإسلام، ومدى تعلقه بهذا الدين. وعلى هذا المنوال يسير كل معتنق لهذا الدين عن قناعة وفهم سليم ، وهنا استحضر نقاشا في سنة 2009 مع احد الأجانب عن مسألة تحريم لحم الخنزير في الاسلام، بعد توضيح الفكرة الاسلامية وتحليلها من الجانب العلمي أولا و تفسير أسباب التحريم ، بدأ الشاب في طرح الأسئلة عن حقيقة الدين ، من هنا اقتنع بحرمة الخنزير وامتنع ، في مقابل ذلك نجد بعض المنتمين للإسلام يعرفون انه لا يجوز القيام ببعض المحرمات ومع ذلك نجد اللا مبالات ، وبعضهم إلى مسألة الإيمان ببعض الأحكام والإعراض عن الأخرى وهذا ما يسمى التدين بالتشهى الأخذ من الدين حسب ما يروق النفس . ويمثل هذا الحديث الشريف: (قل: آمنت بالله ثم استقم)، كلمات جامعات جمعت الدين كله في كلمتين: (قل: آمنت بالله)، ومعنى هذا حقق الإيمان في قلبك( ثم استقم ) في عبادتك بمعناها الشمولي قولا وفعلا ، بعيداً عن الغلو والتنطع في تدينك ، عن عبد الله ابن مسعود رضي الله عنه قال (هلك المتنطعون ) اخرجه احمد في مسنده ومسلم وأبو داود، والاستقامة على دين الله لا تكون إلا بالإلتزام بشرع الله، وبما سنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعلى هذا فإن التدين أمر لابد أن يحكم حياة المسلم كلها، في قلبه وروحه ونفسه وعواطفه ومشاعره وأعماله ومواقفه، كل هذه الأمور لابد أن يتحقق فيها معنى التدين.والمعتنق لهذا الدين يجد سكينة نفسية وطمئنينة روحية ، وفي هذا المقام اذكر مسلمة كندية متزوجة بمغربي مسلم ، كيف كان إلتزامها بهذا الدين حقيقة إنها آمنت ثم إستقمت كما ورد في الحديث السابق ، ويظهر هذا الإيمان والاستقامة في جدية الإحترام لهذا الدين والإحساس بالمسؤولية ، تحافظ على وردها اليومي في قراءة القرأن ، صيامها الاثنين والخميس ، الصلاة في وقتها إلي غير ذلك من الأعمال التعبدية الأخرى من إحسان في العمل وأخلاق عالية ،في مقابل ذلك نجد زوجها بعيد كل البعد عن التدين ، وفي كلمها عن القرأن قالت إذا أراد المسلم أن يختبر نفسه، أو يستجلي حقيقة تعلق قلبه بالله عز وجل فلينظر في حاله إذا قرأ القرآن وسمعه، ثم مرت عليه أسماء الله عز وجل، فهل يجد في نفسه تأثراً بمعاني أسماء الله؟ وهل يجد في استعراضه لأسماء الله عز وجل والتفكر فيها وتمعن معانيها أثراً في قلبه بزيادة تعظيم الله ومحبته ورجائه وخوفه وتقواه؟ وكل أسماء الله عز وجل لابد أن تغرس هذه المعاني، فإن وجد أثراً طيباً في ذلك فليحمد الله، وليعلم أنه بدأ طريق الاستقامة، وإن أحس بالغفلة وعدم التأثر بمعاني أسماء الله عز وجل فليفتش عن حاله… انتهى كلامها،من أين يمكن أن نحصل على هذا الفهم الجيد والإقناع الصادق للدين ، انه يأتي بتوفيق من الله والإيمان به ثم الإستقامة على أمره . والمسلم إذا استشعر المراقبة الإلهية فإنه لا يمكن أن يقع فيما يخل بحقيقة تدينه . هناك العديد من الأجانب حرموا نعمة الإسلام بسبب أخلاق كثير من المسلمين، وهذا أمر معلوم يعلمه كل من سافر إلى بلاد االغرب لسبب من الاسباب -الدراسة او العمل او غير ذلك -فسيجد أن من أعظم عوائق إسلام هؤلاء القوم هو سلوك المسلمين، إضافة إلى الصورة المشوهة التي يقدمها الإعلام ، فأكبر عائق لدخولهم في الإسلام هو عدم تحقيق التدين بين المسلمين في شبكاتهم الاجتماعية، فتجد بعض المسلمين فظاًغليظاً القلب ،الجفاء والسلبية عنوانه من خلال ملامحه وقد يتعامل مع الناس بشيء من المراوغة والكذب، وعدم الإتقان للأعمال إلى آخره، وهنا يقول أحدهم عرفت الاسلام بالمسلمين فحرمت الأمان ولما عرفت الاسلام من آيات الكون أخذت الدين عن اقتناع وعشت حياة القرأن ، كم نحتاج نحن المسلمين لجيل يأخذ الدين المعتدل كما يقول الله عزوجل (جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا)البقرة : 143الأمة المعتدلة في فكرها وأخلاقها، فوسطية الإسلام تظهر في كل تكاليفه ومنها العبادات فهي لم تشرع مشقة للناس أو تعذيباً لهم، بل هي تزكية للنفس وطهرة لها وشكراً لله وطاعة للخالق عز وجل وصلة بين العبد وربه، قال تعالى:(مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا)سورة النساء:147وتأتي أهمية موضوع وسطية الإسلام وسماحته في زمن يتعرض فيه الإسلام إلى هجمة منظمة وشرسة من قبل أعداء الإسلام، ومما زاد الطين بلة أن المسلمين أنفسهم مع الأسف في صراعات وخلافات مذهبية، فكل باسط ذراعيه يدعي أنه هو صاحب الحق، وكلً يرى نفسه الفاهم المدرك ومن عداه تائهاً. في هذا الجو المشحون بالعداء والاعتداء، وفي هذا الخضم المتلاطم من النزاعات، ما أحوجنا إلى فهم ديننا كما أمرنا الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، فبالعلم وحده المؤسس على كتاب الله وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام ومجالسة العلماء بالإضافة إلى تضافر مؤسسات التربية والتعليم والمؤسسات الدعوية والإعلامية، نستطيع أن نتجاوز المحن، وأن نتخلص من هذه الظواهر. وما أحوجنا أيضاً إلى فهم ديننا كما أمرنا الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، وما أحوجنا أيضاً إلى احتواء آراء بعضنا البعض، وشد أزر بعضنا بعضاً، لنكون جبهة واحدة أمام الهجمة الشرسة التي يتعرض لها الإسلام اليوم وأهله، لنحقق التدين الحقيقي الذي جاء به خير البشر محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم .

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.