قراءة في طقوس الاستسقاء بتسركات (3)

2 973

المتأمل في طقوس الاستسقاء بقرية تسركات يجعله يخرج بخلاصات ذات ابعاد سوسيو اقتصادية وسوسيوثقافية .فالاحتفال بموسم جني المنتوجات الفلاحية يبين الطابع الاجتماعي الذي يحكم العلاقات بين الناس في المجال الواحي وهو طابع قبلي لعبت فيه القبيلة دورا اساسيا في التماسك بين اعضاء الجماعة ،فالقبيلة هي هوية الانسان التسركاتي وهو جواز سفره في علاقته بالقبائل الاخرى “فالمعروف”هو اعتراف للقبيلة بكرامات الولي الصالح علي بن يوسف التمازيري ودوره التاريخي في تجميع السكان بعد أن  كانوا متفرقين(تسركات كلمة امازيغية تعني قرى متجمعة).وتقديم الكسكس اليه كقربان يحيل على الثقافة الغذائية عند سكان القرى ،والكسكس هو وجبة ليلية بامتياز عند قبائل درعة منذ القدم ،ولذا حتى جمع ماتبقى منه من طرف الزوار للتبرك به يبين انفتاح قبيلة تسركات على القبائل الاخرى في السراء والضراء ، وامتدادات كرامات الولي الصالح الى خارج تسركات، ولازالت بعض القبائل الامازيغية  بنواحي ورزازات   تهدي أضاحي الى أتباع الولي الصالح.

أما تاغنجا فتجدر الاشارة أن الاحتفال بها لايقتصر على وادي درعة فقط وانما يمتد الى مناطق أخرى من المغرب  بتزنيت والريف حيث تسمى هناك “تسليت نوانزار” اي عروس المطر مما يبين العمق الاسطوري للاستسقاء ،كما يطلق عليها بدرعة “تلاغنجا”كما اشتقت منها “أغنجا” أي الفتاة البائرة التي لم تتزوج اذا ما ضربت بالمغرفة .وتقديم “تاغنجا” الى الوادي في جو احتفالي  يحيل على ثقافة عربية ضاربة في أعماق بلاد الرافدين حيث تقدم القرابين الى الهة المطر لأنها  في اعتقادهم هي المتحكمة في سقوط المطر ،فدخول الاسلام الى هذه البلدان منذ 14 قرنا الى هذه البلدان لم يؤثر على الطابع الاسطوري الذي يطبع العلاقات الاجتماعية مما يجعلنا نستنتج أن حاجة الانسان الى الاسطورة هي حاجته الى فهم الطبيعة المحيطة به.

ان تاغنجا ترتبط بطقس الجفاف وبجنس النساء وبالمغرفة الخشبية .

أما ارتباطه بالجفاف فلانها لم تكن فصلا سنويا أو شهريا أو أسبوعيا .

أما اقتصارها على النساء فلانهن المستجيبات بالتنسيق بينهن

لتنظيم هذا الحفل الطقسي وهن المعنيات به ، أما دور الرجال والاطفال فهو دور ثانوي تقول النساء “تلا غنجا يا ام الرجا حلي راسك ها الواد جا “فهن ينادين العروس بضرورة تهييء نفسها للعريس الذي هو الوادي الممتلئ بالمياه ، وتحكي الروية الشعبية ان الله تعالى غالبا ما يستجيب لدعواتهن فتسقط الامطار ويرتفع صبيب المياه بوادي درعة مما يشكل خطرا على الدواوير المحيطة بالوادي.

وبخصوص مطاردة ال سيد البغداد لاحد أتباع الولي الصالح والأخد بخناقه في مرقده ،فالمسألة في نظرنا لها علاقة يالمتخيل الشعبي الذي يرى أن الكرامات لاتقتضر عليه وحده بل تمتد الى اتباعه ، وبالتالي فكل مرابط ذكر يملك هذا الرأسمال الكرامي ويوظفه متى استدعي لذلك خاصة ايام القحط ،فبمجرد ان ينطق بعدد الايام التي بقيت لسقوط المطر ،وتنهمر عيناه بالدموع حتى يطلقوا سراحه وترفع الايادي الى السماء ان يغيث الله تعالى البلاد والعباد بالامطار ثم تقدم القرابين الى المرابط التي هي عبارةعن حناء وقمح وشعير …ينتهي الحفل بعودة ال سيد البغداد أدراجهم الى قريتهم  وقد تطهروا ببركة الولي الصالح .

خاتمة

ان اشتغالنا على طقوس الاستسقاء بقرية تسركات هي مقاربة متواضعة تتغيا نفض الغبار على تراثنا الشعبي خاصة في طابعه الخرافي من أجل تسليط  الاضواء على علاقة الانسان التسركاتي بمجاله، فالاسطورة شكلت  جزءا من هوية  هذا الانسان ،الذي يحتمي بها لمواجهة الوقائع الطبيعية غير العادية والبشرية.

2 تعليقات
  1. اسماعيل عبد الرفيع يقول

    شكرا للباحث عبد الكريم الجعفري على النبش في نراث وتقاليد واحة درعة وتسركات خصوصا…
    جدير بالذكر أن هذه الطقوس والعادات من المشترك في واحة درعة، حيث تختلط الأسطورة بالدين والرغبة الملحة..

  2. لبريزو يقول

    جيد مع غياب تحليل للبنية الاثنية والسوسيولوجية للقبيلة وغياب تصور نقدي لدلك.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.