لست مواطنا… أو هكذا اعتبروني
لقد قطع المغرب أشواطا كبيرة وحقق نتائج ملموسة في عدة مستويات. ولست في حاجة إلى التذكير بكل تلكم الإنجازات العظيمة والنتائج الواضحة. كما في مجال السياسة والاقتصاد ومحاربة الفقر والهشاشة وحقوق الإنسان والتربية على المواطنة… رغم ما يقال، ورغم العمل الكبير الذي مازال ينتظرنا.
والثابت أن صاحب الجلالة نصره الله قد أكد في أكثر من مناسبة على أن المغاربة سواسية يتساوون في الحقوق كما أن عليهم الواجبات نفسها كالدفاع عن الوطن والعمل على خدمته والتفاني في جلب مصلحته ودفع ما يضره أو يهدده. وبهذا فالمواطنة والعيش الكريم حق لكل مغربي سواء أكان يعيش في مدينة حضرية جميلة أنيقة أم في قرية نائية يملِأها العجاج والغبار والشوك أم في جبل يطاول السحاب ولا تفارقه الثلوج أم في مدشر من المداشر لا تجد إليه سبيلا أم في غيرها…
إلا أن الغريب في الأمر هو أن المواطنة في المغرب أصبحت تخضع لمعايير “أصحاب المصلحة”، وأضحت الحقوق توزع حسب المزاج، فتعطى وتمنع. أما الواجبات فإنها تخضع لمبدإ الانتماء، فمادمت مغربيا فقم بواجبك، أو بالأحرى مادمت مغربيا بسيطا فقم بواجبك.
هكذا تجد المواطن المغربي البسيط يعا
ني من مجموعة من المشاكل، والتي لا يتطلب حلها سوى أن يرفع “اللصوص” أيديهم عن حقوق الآخرين، ليس إلا. وهذا لا يتطلب مجهودا كبيرا، اقنع بحق ولا تطمع في حقوق الآخرين. وهذا واجب.
ليس من نافل القول الإشارة إلى أن من بين شروط العيش الكريم اليوم أن يوفر للمواطن صرف صحي يقيه من الأمراض والأوبئة، وكهرباء تؤمنه من ظلمة ليالي الشتاء الطويلة ويساعده على توفير بعض ما يستعين به على حر الصيف وارتفاع أسعار المواد، ثم ماء صالح للشرب لينقذ نفسه وأهله وأولاده… وحسب علمي، إن هذه المتطلبات من حق كل أحد، ليميز نفسه هل هو مواطن مغربي مدرج في قائمة الدولة أم لا.
إلا أن الواقع ليس كذلك، ففي زاكورة مثلا وسط المدينة وفي المدار الحضري لازالت هناك أحياء غير مجهزة تماما. أحياء تقع في كبد المدينة، في المركز، وليس فيها ماء ولا كهرباء ولا صرف صحي… وعلى سبيل المثال لا الحصر أحياء النصر والوفاق وبوعبيد الشرقي. هذه الأحياء يسمونها “وداديات”، والحق أنها كانت ولم تعد كذلك. لأن ساكنيها اليوم ليسوا ممن أسسوها، بل اشتروا هذه الأراضي كما يفعل الكل، ولهم تصاميمهم المعتمدة ولهم رخصهم الرسمية، هذا من باب التوضيح.
وعليه فمن العار أن تكون أحياء مجاورة لمؤسسات عمومية تحظى بتوفير شروط المواطنة (نيابة التعليم/ ثانوية المجد التأهيلية مثلا) وتبقى هي (الأحياء) محرومة. ومن العار أن يبقى حي في مركز المدينة محروما من الماء والكهرباء، والأحياء المجاورة له تتمتع بذلك. فالحقيقة التي لا يمكن إخفاؤها هي أن سكان هذه الأحياء المهمشة ليسوا مواطنين…أو هكذا اعتبروهم.
لقد بنيت أحياء وتبنى في كل يوم أحياء أخرى جديدة ويتم تجهيزها، بينما الأحياء المذكورة منذ سنوات وهي كما بدأت أول مرة، لا جديد يذكر بل هناك قديم يجب أن يعاد.
ألا فليعلم الجميع أننا أصبحنا نخاف كلما سقطت قطرات من المطر. تسألون كيف تخافون من رحمة الله والناس يأمنون؟؟؟ لسنا من المطر نخاف، وإنما نخاف لأننا نعلم أن سقوط المطر يعني انقطاع التيار الكهربائي الذي من أجله نتعارك كل يوم لنحظى ببعض إحسان الأحياء المجاورة. وسقوط المطر يعني كذلك إمكانية حصول تماس كهربائي، خاصة مع كثرة الأسلاك المنتشرة في كل مكان (شبكة تحت الأرض). فنخشى أن يصعق الكهرباء أبناءنا أو أهلينا أو نحن أنفسنا فالكهرباء لا يميز أحدا.
كل هذا يجري في مغربنا الحبيب الغالي والمنتدى العالمي لحقوق الإنسان تدور رحاه وتعقد ندواته في مراكش، قريبا منا. ليت المشاركين من عشرات الدول زاروا بعض المناطق كزاكورة “المنكوبة بالأصل” مثلا… وكل هذا يقع ونحن نرشح في كل مرة من ينوب عنا في اللقاءات المصيرية ويمثلنا في الجلسات البرلمانية وغيرها. أين هم من كلفوا أنفسهم عناء تحمل المسؤولية ولا أحد أجبرهم عليها، فهم يوزرون.
لقد عانينا، نحن سكان الأحياء منعدمة التجهيز، عانينا في الصيف من انعدام الماء الصالح للشرب، عانينا من ثقل وعبء قنينات الماء، وخجلنا من التطواف بها بين الدور والمساكن، نمد أيدينا إليها أعطونا أو منعونا. وعانينا في الشتاء من انعدام التيار الكهربائي الذي يعد ضرورة اليوم. ونعاني كل يوم نفسيا، إذ كيف يعقل أن الجيران في نعم يتقلبون ونحن نضيء الشموع لينجز أبناؤنا أعمالهم المنزلية، كي لا يتعرضوا في الصباح لعقاب الأستاذ الذي لا يعرف حالهم. نضيء الشموع لكي يحضر نساؤنا ما تيسر من الطعام… لقد كتب علينا أن ننام متأخرين وأن نكون أول من يستيقظ، كي نستقبل قطرة ماء نسيها بعضهم في صنبوره فأخطأت الطريق وجاءتنا، لذا نسرع إلى “السقايات” ليلا أو في الصباح الباكر قبل أن ترجع قطرة الماء من حيث أتت.
لذا فإننا ندعو المسؤولين إلى الإسراع إلى تجهيز هذه الأحياء في أقرب وقت، فهذا حقنا وواجبهم. وإننا لن نسكت عن هذا الحق ولن نصمت عما يضرنا. وسنناضل بكل الطرق المشروعة حتى تحقيق مطالبنا. وسندافع عن رد الاعتبار لكرامتنا وإنسانيتنا ومواطتنا ووطنيتنا. فمن نحن؟؟ هاكم تعريفا موجزا. نحن آباء ككل آباء الوطن نعمل في إدارات الدولة ومؤسساتها وأسواقها وخدماتها المختلفة. نحن أمهات نعمل داخل البيت وخارجه. نحن أطفال أبرياء وتلاميذ نجباء، ندرس ونتعلم كيف نكون صالحين وكيف نتحمل مسؤولية من يثق بنا وكيف نساهم في تحقيق الأفضل لوطننا وفي الرقي به إلى مراتب أفضل في سلم التنمية. عموما نحن نعمل لصالح الوطن. إذن نحن سكان هذه الأحياء منعدمة التجهيز مغاربة المنبت والمنشأ. فأعيدوا إلينا حقوقنا، وقوموا بواجباتكم.
وهنا نذكر المسؤولين عما آلت إليه الأوضاع في أحياء النصر والوفاق وبوعبيد الشرقي، نذكرهم بأن السكان البسطاء أمثالنا ليسوا مسؤولين عن نتائج الاتفاقيات التي قد توقعها بعض الجهات مع بعض الخواص، لا دخل لهم في التعاقد مع من لهم مصلحة خاصة، مصلحة مادية أولا وأخيرا. ولا يفقهون في مثل هذه القضايا شيئا أساسا ولا يريدون ذلك. ويقال إن الصدقة لا تكون من مال الغير، بل تصدق مما تملك. واللبيب بالإشارة يفهم.
أخيرا إن الوضع في هاذيك الأحياء لا يحتاج إلى كل هذا الكلام. فالسكان يطلبون مد أحيائهم بالماء الصالح للشرب والتيار الكهربائي أولا، ثم الصرف الصحي ثانيا. ولن يرضوا بحلول ترقيعية قد تهلك بعضهم في وقت ما. وفي سبيل تحقيق ذلك سيبقون في نضال وكفاح، وسيدافعون كلهم عن حقهم المشروع وعن كرامتهم وعزهم. فإنهم مواطنون… وهكذا يعتبرون أنفسهم.
وما ضاع حق وراءه طالب، وإننا وراءه وشعارنا: حقنا لن يضيع الماء والكهرباء للجميع.