الفايس بوك منبر من لا منبر له وساحة التواصل بالأقنعة بامتياز
اعلم آن هذا الكلام لن يروق الكثيرين ولكن آن الأوان أن نضع الإصبع على الداء، ونقدم دراسة وصفية لبعض أخطار الحائط الأزرق على العواطف، على الوقت وعلى الدين.
من الحقوق ذات الأولوية عند الإنسان هي حرية التعبير ،والإنسان بطبعه يحب أن يدلي برأيه وان يسمع صوته ،وان يوصل رسائله إلى اكبر عدد ممكن من الناس ،وباعتبار أن الفرص التي تتيح ذلك في الواقع قليلة إن لم اقل منعدمة وان ليس بود الكل أن يعبر كيف ومتى شاء ،فقد جاءت مجموعة من شبكات التواصل الاجتماعي وبالأخص الفايس بوك تلبي هذا المطلب، وتمكن الجميع باختلاف خطاباتهم و حسن تواصلهم من نشر أفكارهم ،مبادئهم وفلسفاتهم ،غير انه و كما في الواقع قليل هم من يستطيعون أن يجلبوا اهتمام الفايسبوكيين وان يفرضوا التواصل والنقاشات حول منشوراتهم . وتعتبر المقترحات التي يعطيها الفايس بوك للتفاعل وهي أحب ،أعلق ،أنشر أهم المفاتيح التي تبين ما مدى قيمة المنشور ،وبغض النظر عن المنشورات ذات الاهتمام المشترك “ترفيه ،أقوال مأثورة ، مشكل اجتماعي ،خبر مهم “والتي يتم نشرها غالبا انطلاقا من صفحات كبيرة يديروها ناشطون مختصون ،فكثير من الفايسبوكيين عاجزين عن الإتيان بالجديد ،كما أنهم لا يجيدون صناعة الرسائل أو طرح قضايا بطريقة تستوقف القراء ،وعلى العكس يقوم الكثيرون من الذين يحاولون إعطاء صورة مشرقة عن مستوياتهم الفكرية بسرقة بعض المنشورات ونسبها إليهم دون ادني إشكال وأتمنى على الأقل لو يضعوا في نهاية المسروق هذه العبارة “كلام منقول ” ،ومن جهة أخرى استطاع الفايس بوك إن يوهم الكثير من مستعمليه انه الصديق الوفي وانه الحافظ للأسرار فتجدهم ينشرون بعض مشاكلهم الخاصة ومجالات تعلقانهم ومخططاتهم المستقبلية ويبوحون بمشاعرهم وكأنهم في سكرة أو في غفلة من أمرهم ،وهذا له تبعاته السلبية على شخصية المعني بالأمر وكثيرا ما تسبب في مشاكل أدت إلى الطلاق والى فسخ الخطو بات وتصور ما شئت ….
إن المتتبع لأمر هذه الشبكة التواصلية ،سيلاحظ اشياءا غريبة : دعوات الصداقة من أشخاص لا تعرفهم ،منشورات غير مسئولة ،مجموعة من الحسابات تحت أسماء مختلفة لشخص واحد ،وكلام متبادل بلهجة فريدة وجرأة كبيرة لا تعترف بالحدود ،وفي مشكل لا يقل خطورة عن سابقيه اغلب الفايسبوكيون في المغرب يتواصلون بلغة ليست لا بالفرنسية ولا بالعربية (العرنسية)،دلالتها الدارجة وأحرفها إما فرنسية وإما عربية ،وهذا يشكل خطر كبيرا على اللغة ولا يسمح بتطوير الذات ،كما يستعملون كذلك مختصرات كلمات وهذا كله طبعا يقتل اللغة ولا يساهم في استمراريتا .
لن يمر الحديث في هذا الموضوع دون أن أشير كذلك إلى مشكل أخر ،وهو تواصل بعض الفايسبوكيين بأسماء مستعارة وبصور بروفيلات جذابة ،وذلك من أجل إيهام أصدقاء جدد وجلب تفاعلاتهم ( أحب ، أعلق،أنشر ) ،وهذا الفعل ما هو في الصراحة إلى ضعف في الشخصية وعدم الرضا بالأمر الواقع .وقد يكون الدافع وراء هذا هو إرادة التواصل بدون مسؤولية ،وبدون الخوف من تعقيبات الأخر لأنه بخلاصة غريب يمكنه أن يفعل ما يشاء .
إن الفايس بوك سيف ذو حدين ،ففي الوقت الذي باع فيه البعض دينه ،وضيع فيه الأخر كثيرا من وقته ،فانه وسيلة تمكن من الوصول على المعلومة في وقت وجيز ،و من الولوج إلى عوالم أكثر تنوعا وانفتاحا، وفتحت أبوابا لا حصر لها من العلم والمعرفة ما كانت لتفتح لولاه ،كما أنها أتاحت الفرصة لتقصير المسافات.