لماذا أيها المناضل؟
توقفت أمام الموروث الذي ورثناه ممن سبقونا إلى هذا الوطن، ومن بين هؤلاء الذين سبقونا هؤلاء الذين دافعوا عنه، وناضلوا من أجل حقوق الناس. ومن رحم ذاكرة تتسم بالفشل، انفجرت هذه التساؤلات وهذه الأسئلة.
وَبّخَتْني ذاكرتي على أن أكون أنانيا في علاقتي مع الاخرين، وحتى مع الوطن.
وأمام الوطن الجريح، أمرتني ذاكرة الفشل أن أصمت وأحني الرأس أمام الجَلّاد. وأمام المقهورين والمضطهدين والمنسيين، يجب أن أصمت وأحني الرأس أمام المُسْتَبد.
تأمرني، إن اقتضى الأمر، أن أعيش بعيدًا عن الوطن وعن تلك الإنسانية أيضا. تقول لي عِش بعيدا عن المشاكل، واهتم بنفسك ولا تهتم بالآخر. انس الآخر! وانس حتى الوطن!
لكني توقفت مرة أخرى أمام الذاكرة، واسترجعت بعضا من الأحداث، والرموز التي يقال عنها وطنية، فوقعت في حيرة من أمري وانهالت علي التساؤلات:
من هو هذا الانسان الذي يُدافع عن وطنه ويُدافع عن حقوق الناس، ويُدافع عن المقهورين؟ فقد يتعرض للتعذيب والتنكيل والتخوين والقتل. قد يُسجَن لعدة سنوات وقد يُسْجَن مَدى الحياة! لكن تجده لا يتنازل أبدًا.. يَستمر في تقديم حياته من أجل قضية يدافع عنها.
من هو هذا الانسان الذي يُسمى ب: المناضل، الثوري، الحقوقي، الوطني، المقاوم…؟
لماذا لا يَخضع للقوي مثل جميع عامة الناس ويعيش عيشة هنيئة؟
لماذا لا يستسلم للأمر الواقع؟
لماذا يَجُرّ على نفسه مشاكل هو في غنى عنها؟
من أنت أيها المناضل؟
ما السر وراء هذا الجنون؟ ما هو هذا الوطن ليقدم حياته من أجله؟
لماذا قاوم الوطنيون المستعمر؟ لماذا لم يستسلموا وينجوا جميعا من الموت والاعتقال والتعذيب؟ ويتجنبوا كثيرا من البطش والمأساة. لماذا تحملوا وتحدوا الصعوبات والحصار والمعانات في جبال صاغرو، في تازيزاوت، في الريف، في الهري…؟ فلم يخضعوا لمدفعية المستعمر التي فتكت الانسان والحيوان.
لماذا نيلسون مانديلا ناضل من أجل جنوب افريقيا وقضى عقدين في السجن ولم يتراجع عن أفكاره؟
لماذا استمر الرسام الفلسطيني ناجي العلي في رسم الكاريكاتير التي دافع بها عن وطنه رغم التهديدات، حتى تم اغتياله؟
لماذا جيفارا وكاسترو قادوا الثورة في بلدهم، ثم ساعدوا اخرين في دولهم؟
لماذا استمر الشاعر العراقي أحمد مطر في قصائده اللاذعة للمستبدين وتَحَمّلَ السّجن ثم الغُربة والبعد عن الوطن؟
لماذا العديد من هؤلاء المناضلين، الذي لا يَسَعُ ذكرهم جميعا، في جميع أنحاء العالم يستمرون في جنونهم؟
تنوعت أشكال النضال فمن الخطابات إلى القصائد والكاريكاتير والكفاح المسلح… كل اتخذ سبيلا من أجل إيصال رسالته التي يدافع عنها. من أجل الوطن والانسان كما يقولون؟
لماذا كل هذا أيها المناضل من أجل أناس قد يسمونك فيما بعد بالمجنون؟