ان تكون استاذا في المناطق النائية

0 438

في المرة  آلاخيرة التي ودعه فيه والده الى قريته البعيدة، رماه بسؤال، كمن يُلقي عليه بحجر من يد مجنون، و تمنى ان تبتلعه الارض في تلك اللحظة حتى لا يسمعه :

متى سترجع يا بني؟

   ارتطمت كلمات والده بداخله، و لو وقف احد بجانبه لسمع صوت قلبه الذي اقترب من الخروج من صدره. لكنه التزم الصمت. و بعد مدة تنهد، ففهم الوالد خبايا صمت ابنه دون ان يسمع اية كلمة من شفتاه.

    حاول الولد الهروب الى الامام من صمته، فبدأ بسرد ايام بعض العطل القصيرة، لعله بذلك يمنح والده أملا -ولو مغشوشا-. حرك رأسه يمينا و يسارا وقال بنبرة رجل واثق من نفسه:
– عيد الاستقلال

– ذكرى تقديم وثيقة الاستقلال

– عيد الشغل

المهم يا والدي ” عطا الله لخير.”

 

    أن تكون أستاذا في المناطق المنسية في هذه المملكة السعيدة يعني أن تقتنع أنك داخل سجن لكن بلا حراس يحرسونه، و السجناء افضل منك لأنهم على الاقل توفر لهم الدولة مكان يحميهم من البرد و الحر، كما توفر لهم المأكل و المشرب و التطبيب، بالإضافة الى حراس يحرسونهم و يسهرون على سلامتهم.

     اما انت ايها الاستاذ فلا لا أحد يعرف أين توجد غير شخص وحيد هو المفتش الذي لا يزورك إلا اثناء عدم ملئك للمذكرة اليومية او عدم تحضيرك لإحدى جذاذات دروس ذلك اليوم.   

 

    أن تكون أستاذا في المناطق المنسية يجب عليك ان تقوم بتقسيم الفصل الدراسي إلى عدة اركان، البعض سيقول ان هذا الامر جميل جدا، لأنه من الطرق التعليمية الحديثة الرائجة في الدول المتقدمة، لكنني يا سادة حتى لا يذهب عقلكم بعيدا فإنني لا اقصد الاركان التعليمية، بل اركان العيش، حيث وراء الفصل يتحول الى غرفة نوم و مطبخ، و كل من يسأل عن نوع السرير فهو ليس إلا مقعدين لأربعة تلاميذ يجلسون عليه في  النهار.

اما الركن الثاني فهو مخصص لوضع بعض المستلزمات الضرورية كقنينات الماء و غيرها …

و الركن الاخير هو ما تبقى و هو ما يطلق عليه قاعة الدرس، الذي تتكدس فيه طاولات لا تحمل إلا الاسم.

 

    أن تكون أستاذا في المناطق المنسية يعني أن يؤمن مسؤولي الوزارة  بأنهم قادرون على استبدالك كقطعة غيار قديمة يكسوها الصدئ، و تحويلك الى مكان اقبح من مكانك الاول، و ذلك عندما تسول لك نفسك المشاركة في الحركة الانتقالية لتكون عبرة للآخرين.

    و بعد ان ينتهوا من دفنك وعندما يرون حاجة لذلك، يخرجون عليك من شاشة التلفاز و في موقعهم الالكتروني ليتباهوا بعدد القطع التي استبدلوها بأخرى.

 

    أن تكون أستاذا في المناطق المنسية يعني أنك تصنع النجاح و تبيعه لكن دون أن تقبض ثمنه

و المغاربة يقولون “لي عندو باب واحد الله ايسدو عليه” نعم هذا المثل ينطبق على فئة عريضة من رجال التعليم الذين لا حول لهم و لا قوة غير ثقتهم في الله ثم في ارادتهم القوية، لأنه من أراد حلا لمشكلته فعليه ان يطرق باب احدى النقابات بجيبه، ومن لديه شكوى و يريد فقط ان يشكو و يشكو فليقصد النيابة، ومن أراد غير هذين الحلين فعليه بالاستقالة، و هي الاخرى ليست سهلة  حيث يجب عليك ان تستوفي شروطها.

“اه مصيبة هاذي “

 

    أن تكون أستاذا في المناطق المنسية يعني انك تبتعد عن أقرب مكان آهل بالسكان مسيرة ساعات بالأرجل.

    أن تكون أستاذا في المناطق المنسية يعني انك ستقطع بقدميك كيلومترات لجلب الماء الصالح للشرب.

    أن تكون أستاذا في المناطق المنسية يعني انك ملزم بإعداد الخبز بنفسك.

    أن تكون أستاذا في المناطق المنسية يعني انك ملزم بتكليف من يتسوق لك من السوق الاسبوعي كل اسبوع مقابل أيّ ثمن يطلبه

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.