نميمة لاتلزم أحدا
–شيخ، لايتعبه الاجترار :لا يتوقف، عن إخبار الجميع بكونه شيخا.ستجده،أينما رحلت وارتحلت،ووليت بصرك :الجرائد،المذياع، التلفاز،الحاسوب،طيلة النهار،صيفا وشتاء،باستمرار، يقدم نفسه لنا،أنه أبرز شيخ في هذا البلد، يدعو إلى السلف الصالح.ربما،عما قريب، قد نألفه يقدم وصلات إشهارية، لاسيما خلال رمضان،لتسويق أنواع من القمصان الإسلامية أو أمشطة لتشذيب اللحى،بناء على العلاقة البنيوية بين الدين والرأسمالية،ثم تؤثث صوره يافطات الملاعب الرياضية ومحطات القطار…،فالرجل شيخ، والمشيخة بالطريقة التجارية، عملة هذا العصر المربحة، الذي شاخ فيه الذكاء.سيدنا الشيخ،لا يفوت أي فرصة كي يسوق لفحولته البيولوجية،فهو بعل لأربع نسوة،أخرج من جوف كل واحدة،تشكيلة بشرية محترمة.ذات مرة،تحدى محاوره أثيريا :”يا ابن الخواف، لاخر”،حينما أفصح له الآخر،عن اكتفائه فقط بواحدة.أسدل لحية طويلة عريضة،تنم عن توضيب وتهذيب وعناية فائقة،مع ذلك،لاتختلف عن قطعة لحاف،فلا توحي بأدنى قدر من النبوغ والوقار،كما يظن، وكما الشأن مع تلك التي تنمو عشوائيا،من شدة الزهد في الاحتفاء بالجسد، عند كبار المفكرين والشعراء وجهابذة الثوريين.المهم،أن الشيخ لايكل أو يمل،من ”لايكات” وكذا”البوز” الإعلامي،فشرع يزاحم المراهقين، في حشو صفحته على الفيسبوك،بما استجد من جديد صور، تشي بترحاله وتجواله، مرفقا إياها بعبارات الحمد على حظه العظيم في هذه الدنيا،وإيرادات المشيخة التي تستوعب قوانين السوق والبيع والشراء والعرض والطلب،فتعود على صاحبها بوافر النعمة.ولأن الزمن،زمن الارتدادات ،فقد انتشرت بسرعة الوميض،أخبار عن شيخ آخر،صغير هذه المرة،ادعى امتلاكه لكمّ من البركات،تمنحه طاقات ربانية للطيران والتحليق،بدأ المريدون في التقبيل والتمسح بالطيف المقدس،و..و..و.لم يستسغ الشيخ الكبير، المشهور،مزاحمة الثاني على تقاسم المساحة الإعلامية،فلم يكظم غيظه،واغتابه عبر حوار صحفي بوابل من الشتائم،فنعته بالدجال والمخادع.ضحكت، لسببين :أولا،كأن المنتقِد، قد بنى رمزيته في هذا المجتمع،لكونه العالِم الذي استطاع مثلا اكتشاف، دواء ضد السرطان ؟أو المفكر الديني الذي حاور مثقفين، من مختلف اللغات والمرجعيات، فأبان عن عدّة فكرية مبهرة؟بينما هو بنى صيته بلعبة : دخل وخرج وأكل الخبز ونام ثم قال ولم يقل،وكل مايدخل في باب الأسطرة و”التسطيل”.أما السبب الثاني،فيحيل على انعدام الروح الإسلامية الأصيلة،دون مشيخة ولارياء ولانفخ ولابهرجة :”ولايغتب بعضكم بعضا”.
كي يتوقف زحف التضليل،أظن معنى أن تكون راهنا، سلفيا صالحا : أن تتاح لك فرصة سرقة أموال الناس ثم لا تفعل،ويتأتى لك أن تتسيد ثم لا تفعل،وبوسعك أن تتملق وتتزلف لغنائم حياتية ثم تتعفف،يسلم الناس من لسانك، وتوقر الصغير، وتحترم الكبير،ولاتخادع ،وتحرص أولا وأخيرا، على تنظيف منزلك، قبل دعوة الآخرين، إلى فعل ذلك.
2-من الدعايات المجانية إلى الداعية غير المجاني : دأب لسنوات،من داخل قبو تلفزتنا،على مراكمة فيض من العبارات البلهاء،حينما يستدعي إلى برنامجه أشخاصا”فنانين”،يلزمك أن تعيد قراءة المفاهيم البسيطة للفن والفنان،كي تصدق فعلا أنهم كذلك،يعني يخلقون غير المخلوق . ولأن التصديق يصعب،استمر المقدِم مغرقا ضيوفه بسيل عرمرم،من النعوت، حد شخير، المشاهد.فجأة،ينبعث ذات المقدِم،ليس من جوف التلفاز، بل المواقع الاليكترونية،كافرا بالترهات السابقة،وداعيا لنا بالصلاح والفلاح،ترافقه الكاميرا وبحجج في سذاجة لغة حكايا عمتنا الغولة وأبنائها السبعة،التي كنا ننام بها في عهود غزوة الجراد،ثم :هاهو، بجوار الكعبة،بالكاميرا! هاهو، يؤدي مناسك العمرة، بالكاميرا ! هاهو، يصلي صلاة الفجر، بالكاميرا…! مع مواقف كهذه،يستحيل تماما أن نتبين درجات الصدق من الادعاء والإيمان مقابل الرياء.
3 –الزعيم المتشبث بإشارة النصر :سياسي،ينحدر من الزمن الجيولوجي الأول،مع ذلك لازال يدب فوق الأرض،كلما التقطوا له صورة إلا وأشهر أمامنا علامة(v) ،دليلا على الانتصار،لاأعرف انتصاره؟ انتصارنا؟ انتصارهم؟من انتصر على من؟. في حدود علمي،هي إشارة لم تعد بالموضة،لأنها ارتبطت بسياق تاريخي مغاير تماما للحالي،سياق الحركات الثورية الكبرى،التي حققت منجزات ميدانية،أما صاحبنا فماذا حقق؟بعد تأمل في سيميائيات الحركة،وفحص وتمحيص،أظن أنه قصد أساسا معنيين اثنين،مرتبطين فعلا بحركية وثقافة الجماهيرية الشعبية : (v) ،إحالة على بنية سلاح “المقلاع”،الذي كنا نصطاد به الطيور،ولأن اللعبة السياسية لدينا هي مجرد صيد، ما يمكن اصطياده،فالارتقاء إلى الزعامة، صار رهينا بحدة”التمقليع”،أو الميكيافيلية في أسوأ تجلياتها.أيضا،(v)كعمود لسلاح المقلاع،اصطلحنا عليها ب”الشاوش”،أي ذلك الموظف الإداري الذي ينقل الملفات،من هذا المكتب إلى ذلك،دون الاقتراب من مضامينها.
4-مقبرة البحرالأبيض المتوسط : كلما شاهدت لوثة المتوسط،ضعفت شهيتي إلى طبق السمك،وقد صار هذا السمك يقتات على جثت بشرية،منتشيا بأقداح من دمها :كيف يمكنك، أن تأكل سمكا، أكل إنسانا، لم يجد مايأكله في بلده؟إنسان، أكله الوطن، ثم البحر، والسمك، فأنا ! أين تبدأ الجريمة، وأين تنتهي؟.
5-العالم الذي يلتهم نفسه : صارت الموت رخيصة،أقل بكثير من منشفة مرحاض،بعد أن كانت قضية وجودية،وموقفا صميميا. حاليا،الموت بلا معنى ولاماهية ولاهوية وبغير مأثم احتفالي.كيف يمكن لحس ضبع،ممدد بجانب مستنقع وسط غابة،تقبع في أقصى نقطة من الكرة الأرضية،أن لاينتفض احتجاجا على هذا الإدمان البشري الأبله، لموت، لايحترم أبهة الموت؟.
–6الفيسبوك والحالات السيكوباتية :من يريد أن يفهم بشكل عميق أكثر،طبيعة الشيزوفرينيا التي تفعّل البنى الذهنية والسيكولوجية للشخصية العربية،فبوسعه إلقاء نظرة خاطفة على صفحات الفيسبوك، وما يطرزها : 1-اللهم بلّغنا شهر رمضان،أو جمعة مباركة،أو أنشر هذا الدعاء حتى يأتيك الرزق من حيث لاتحتسب و..و..و،ثم في الأسفل حفنة من أفلام البورنوغرافية. 2-إن كتبت ”لايك”، على أي شيء وضعته،فسأرجعها لك بدوري في المرة المقبلة،تحت أي شيء أضفته،لكن ماذا يُكتب؟تختلف المسألة باختلاف الجنس،أهو ذكر أم أنثى؟ثم تزداد المسألة ضراوة،بين الفرسان،إذا كانت أنثى من النوع الرومي؟.كم نزداد نفاقا وكذبا وتسطيحا ! .
7-المقهى والفتاة :كانت المقهى،مجمدة أبصارها، وجهة شاشة لمتابعة أطوار لقاء كروي.مرت فتاة،تكشف عن سيقان مكتنزة، وتتهادى بكعب حذائها، الذي أوشك أن يغدو برجا.نطت أنظار الحشد صوبها،ونهضت الكراسي بأكملها ثم لحقتها المدينة،كان الأمر أشبه بزلزال أرضي !كم بيننا والتحضر؟.
8-مثقفون مغاربة والمناصب : طيلة عقود،دبجوا عشرات الكتب للمرافعة من أجل سلطة المثقف، والمدينة الفاضلة… . لكن، حينما يلج أحدهم إلى كرسي، ويتقعر فوقه،يصاب بالزهايمر،فالسلطة للسلطة والمثقف مع السلطة.بعد المغادرة،وسلخ جلده سلخا، من طرف البيروقراطية،يتوخى معاودة نفخ مابقى من شرارة في رماد إحراقه لصفحاته.لكن هيهات !فليس الفاعل مثل القائل، وليس من رأى كمن سمع؟.