هل ينهي الإعدام أسطورة الإخوان المسلمين ؟

0 370

سئل عمرو بن العاص عن علي كرم الله وجهه ومعاوية فقال : ” الصلاة خلف علي أقوم، والسير مع معاوية أغنم ،والطعام معه أدسم ” توضح هذه العبارة بداية الزيغ والانحراف في الدولة الإسلامية إبان الخلافة الراشدة قبيل استشهاد آخر الخلفاء الراشدين الأربعة ، وترسم تخوم السياسة “المكيافيلية” القائمة على الواقعية السياسية التي تتتبع مواقع المنفعة والمصلحة وإن كان ذلك على حساب المبادئ والقيم فالكثير من الناس والصحابة فضلوا الوقوف إلى جانب معاوية وإن كانوا على يقين أنه مبطل ضد علي المحق.
فاستمر هذا النهج وسيستمر إلى ما شاء الله إلا أن جماعة “الإخوان المسلمون” لم تأخذ بهذا المعيار ولم تذهب إلى المائدة الأدسم حيثما وجدت مما جعلها تمر بعد الانقلاب العسكري الدموي الذي يقوده الجنرال السفاح عبد الفتاح السيسي بمحنة جديدة تضاف إلى محن هذه الجماعة التي ما تزال تترى مع مرور الزمن وتعاقب الحكومات التي ينتظمها خيط الوصاية العسكرية ،بعد انفراط عقد الوصاية الاستعمارية والتي بدأ في عهدها امتحان الجماعة وفتنتها مع الملك فاروق وبعده جمال عبد الناصر ثم أنور السادات والمخلوع مبارك وصولا إلى انقلاب السيسي الذي يعمل جاهدا على الاستفادة من تجارب الأنظمة الاستبدادية السابقة مع هذه الجماعة الي استعصت على الاستئصال والاجتثاث من تربة المجتمع المصري ووجدانه ، وذلك من خلال الاعتقال والتعذيب والحظر والإعدام وتوظيف ذلك في تقوية موقف النظام العسكري في ظل الوضع السياسي الإقليمي والدولي .
ومن المعلوم أن الساحة السياسية الدولية تؤثر وتتحكم فيها مجموعة من القوى السياسية الي كان لها دخل واضح وتأثير مباشر في مجاهل السياسة المصرية قبيل وإبان الانقلاب العسكري، وذلك من خلال مواقفها الداعمة والمشجعة والممولة أو القوى الرافضة بمواقفها القوية والصريحة التي ترفض هذا الانقلاب الخشن الذي زعزع أركان الدولة المصرية ومن خلالها زعزع استقرار الشرق الأوسط عبرالخوض في دماء جزء من المصريين مما عقد من سبل وامكانيات المصالحة والالتقاء على كلمة سواء .
ذلك أننا نجد على الأرض قوتين فعليتين أولاهما قوة النظام العسكري الذي له معاقل متعددة وحماة كثر ومدد متصل يعمل على تنفيذ أهدافه ورغباته اعتمادا على القوة العسكرية المدمرة التي أتته سهلة منقادة من الجهات الداعمة وعلى بروباغندا ترددها وتروجها وتبشر بها المنابر الإعلامية ومنصات القضاء والأحزاب السياسية والمؤسسات الدينية المتحللة من الالتزامات والمبادئ الايديولوجية والفكرية والأخلاقية، وفي المقابل قوة الإخوان المسلمين وحاضنتها الشعبية وسلاح السلمية الذي أربك العسكر وجعلهم يتخبطون في التعامل معه مؤثرين الرعونة مفضلين العجلة معرضين عن الحلم والأناة والتؤدة .
وفي المحيط القوى الإقليمية ممثلة بالأساس في دول الخليج وتركيا والتي تتوزع إلى معسكرين أولهما يحتضن الانقلاب العسكري ويغدق عليه الأموال، ويخوض من خلاله حربا ضد الإسلام السياسي الذي يهدد عروش هذه الأنظمة الاستبدادية الشمولية ، والمعسكر الثاني الذي يرفض التحكم العسكري في مفاصل الدولة وتفاصيلها لأنه يقوض التجربة الديمقراطية ويرجئ بناء الدولة المدنية بل يقصي احتمال قيامها لتعارض توجهاتها وخصوصياتها مع مصالح الحكم العسكري الفظ والغليظ .
كما أن هناك قوى دولية رئيسية ممثلة في أمريكا والاتحاد الأوربي والتي عملت بشكل واضح على التخلص من خطر الاسلام والاسلاميين لأنها مبغضة لهذا الدين شديدة الميل عنه من خلال غض الطرف عن إرهاب العسكر ووحشيته وإجهازه على الديمقراطية قبل خروجها من الرحم ، وتجاوز ذلك إلى تزويد الدولة العسكرية بالعون السياسي والمدد العسكري لضمان تنحية الاسلاميين عن الساحة السياسية وحتى يدق المسلمون بأنفسهم المسامير في نعوشهم ، غير أن المستجدات السياسية والمصالح الاستراتيجية جعلت الدول الإقليمية والدولية تقف مواقف متباينة مما وصل إليه حرب العسكر على الإخوان والذي بلغ حد تنفيذ أحكام الإعدام على بعض المدانين وإن لم يبلغ الأمر بعد القيادات الكبرى وعلى رأسهم الرئيس الصامد محمد مرسي ،في خط انتقامي انتقائي وتصعيدي بحسب مقتضيات المستجدات والمتغيرات وردود الأفعال الخارجية ، خصوصا بعد أن فقد العسكر أو هكذا يبدو دعم الطرف الأقوى بعد وصول الملك الجديد إلى السلطة والذي يبدو حماسه أخبى وأقل مما كان عليه الملك الراحل إلى جوار ملك الملوك الجبار ، وما أعقب ذلك من تغييرات سياسية داخلية يقتضيها تثبيت أركان السلطان الجديد وترتيب البيت الداخلي وتجديد طاقم خدام الأعتاب لضمان الولاء .
وقد ساهمت الأوضاع الخارجية للمملكة في التريث إزاء الوضع المصري خصوصا بعد الدخول في حرب عاصفة الحزم بدعم من حلفائها ضد إخوتنا الشيعة المدعومين من المخلوع صالح والتي لا تبدو أنها ستنتهي قريبا وربما تستدعي في قادم الأيام تدخلا بريا من شأنه تعقيد الأمور ورفع تكلفة الحرب بين بلدين مسلمين فيما الأمم من حولنا تتسنم ذرى المجد وقمم الحضارة ، وبناء على هذا فالمملكة تفضل تهدئة الأوضاع في مصر للتفرغ لهذه القضايا المصيرية من خلال العمل على توقيع مصالحة بطريقة ما ، وحتما فإن تنفيذ أحكام الإعدام سيقضي على أي أمل أو حظ لأي مصالحة محتملة في المستقبل القريب .
أما الغرب ورغم عدائه الشديد لحركات الإسلام السياسي إلا أنه يتعامل بزئبقية ومرونة واضحتين تاركا لنفسه خطا للعودة في أي وقت ، فنجد أنه لم يعلن تأييدا شاملا وصريحا للنظام الانقلابي ، وفي الوقت نفسه فإنه يعترف به ويمده بالعتاد العسكري ويسنده اقتصاديا ، وفي خط مواز فإنه لا يعتبر “الإخوان المسلمون ” جماعة إرهابية مبديا تسامحا كبيرا مع أعضائها ومع معارضي النظام الانقلابي بشكل عام ،وذلك عبر التغاضي عن الأنشطة المناوئة للعسكر على أراضيها مما يدل على المقاربة النفعية التي تدبر بها أمريكا الصراع في بلاد الفراعنة . 
بعد كل ما سبق ذكره يطفو إلى السطح التساؤل عن مدى إمكانية واحتمال القضاء على جماعة الإخوان المسلمين عبر الإجراءات الاستئصالية الي نفذها النظام العسكري بعد انقلاب 3 يوليوز من خلال الإفراط في استخدام القوة والعنف والتنكيل وقد تجلى ذلك بأبشع صوره في فض اعصامي رابعة النهضة بشكل وحشي لم يسبق في تاريخ مصر الحديث وذلك بهدف إجبار الجماعة على القيام بمراجعات تقدم من خلالها كما كبيرا من التراجعات والتنازلات لضمان بقاء رأسها على كتفيها ، ولكن بصورة مجنحة لا تفيد إلا في تأثيث المشهد السياسي المدجن وإلا عرضت عشرات الآلاف من أعضائها لاعتقال طويل الأمد أو للإعدام كما حدث سنة 1954 عندما أقدم النظام الانقلابي بقيادة الطاغية جمال عبد الناصر بإعدام ستة من قيادات الإخوان منهم عبد القادر عودة ومحمد فرغلي وأعاد النظام المجرم الكرة سنة 1965 بإعدام خمسة من القيادات في مقدمتهم سيد قطب .
ومع ذلك فإن هذه الإعدامات لم تفت في عضد الجماعة بل كانت ضارة نافعة ساعدت في استمرار دعوة الجماعة وأسبغت عليها المصداقية فكان القادة الشهداء نماذج عملية لشعارات الجهاد بالنفس والموت في سبيل الله ، وبالتالي أصبحوا شخصيات ملهمة لمن أتى بعدهم وآمن بفكرهم وبالتالي فإن استشهاد قادة الحاضر سيكون وقودا لاستمرار الثورة المصرية ودعوة الإخوان المسلمين . فهل يموت الإخوان المسلمون بعد أن لدغوا من جحر العسكر مرتين؟.

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.