جون كيري:درس بليغ في المسؤولية

0 436

قبل أسبوعين تقريبا،تعرض وزير الخارجية الأمريكي،لكسر في القدم،وبالضبط عضم وركه الأيمن،جراء سقوطه من دراجته الهوائية،خلال حصته الرياضية اليومية،في ضواحي مدينة جنيف السويسرية،بعد انتهائه من جلسة تفاوضية، مع جواد ظريف، بخصوص البرنامج النووي لطهران.

حادثة لم تكن بالبسيطة،فقد اضطرته إلى إجراء عملية جراحية،وما تقتضيه من فترة علاجية واستشفائية،لا تقل عن أشهر عديدة،كما نصت تصريحات الأطباء.المثير،أنه لم يكد يمر أسبوعان ،والجرح لازال طريا،حتى شاهدنا كيري، يوم الجمعة الأخير،أمام المستشفى متأبطا عكازين،وآثار الألم بادية على محياه،مسرعا إلى إخبار الصحافيين،الذين يلتقطون أولى صوره، وهو يهم بالمغادرة،بأنه سيتوجه مباشرة إلى بيته، لقضاء نهاية الأسبوع برفقة أفراد أسرته،ثم يستأنف عمله الرسمي بداية الأسبوع،بترأسه الجلسة السنوية، للحوار الاستراتجي والاقتصادي، بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين.قبل أن يطير،صوب العاصمة النمساوية فيينا،لمواصلة مفاوضاته مع الإيرانيين، في أفق توقيع اتفاق نهائي.

جون كيري،البالغ من العمر واحد وسبعين سنة،وخبر المجال العسكري إبان حرب الفيتنام،ثم الحقوقي فالديبلوماسي،لازال مع سنه المتقدم،يظهر دينامية خارقة في التحرك، والإشراف على ملفات ليست بالهينة بتاتا،من العراق إلى أوكرانيا وسوريا وكوريا الشمالية… والتغيرات المناخية،فلايكف عن طي مسافات متباعدة في ظرف قياسي،مما جعل أوباما، يشيد به وبجديته،بمناسبة إحدى أحاديثه العامة.

الاكتفاء بالاعتماد على سدنة عكازين،ليس بالأمر الهين،استحضارا لطاقة هذا الرجل،وقياسا إلى بلد كأمريكا،لا تنطفئ فيه إضاءة مكاتب الخارجية أبدا ،وتشكل أوراشها إلى جانب البنتاغون والمخابرات،القلب النابض لماهية وجوهر قوة واشنطن.لكن في ذات الآن،ومن زاوية مغايرة،فالقرار هناك يصنع مؤسساتيا،بتهيب صوت الناخب أولا وأخيرا،بالتالي فالمبادرات العملية لا تتوقف على إرادة موظف فيدرالي بعينه سواء كيري أو غيره .بناء عليه،وبتفسير ساذج جدا،ينسجم كليا مع كنه ثقافة “النوم في العسل”،التي ألفناها مع مسؤولينا في بلداننا المتخلفة، تفعيلا للشعار الخالد :”لي بغاي يربح العام طويل !”، يمكن الجزم أن كيري لم يكن مجبرا للظهور بسرعة لافتة، معتمدا على عكازين، قصد معاودة العمل،بل من حقه، تمديد فترة رقاده وراحته،وكل المبررات لصالحه،الإنسانية والطبية والقانونية والمؤسساتية.

أكثر من كل ذلك،وطيلة الأسبوعين،حرص كيري، كما صرح،على متابعة يومية لمهماته،عن طريق الاتصال هاتفيا بمستشاريه ونظرائه الأجانب،بل وإن أجبرته السقطة على عطالة جسدية،فإن ذكاءه وتأمله،حاولا استغلال فرصة الجلوس مع الذات،كي يجدا للسياسي اليومي،منطلقا فلسفيا لازمنيا،يقول:((إن الأمر الجيد من استلقائك على ظهرك لعدة أيام،هو أن هذا يمنحك الوقت للتفكير،ويمنحك وضوحا في الرؤية،وقد كان أمامي الكثير من الوقت في بعض التحديات التي نواجهها)). رجال دولة، من هذا القبيل، لا يلعبون، أو يراهنون على الصدفة. وحينما يتكلمون، فإنهم يعرفون ماذا يقولون.

بالتأكيد،جميعنا يكتوي أويحترق بنار الإدارة الأمريكية،التي يديرها كيري ومن سبقه ومن سيخلفه،على الأقل بالنسبة لمنطقتنا العربية،لكن بغض النظر،وبانتشال الرجل من منظومته،وتجريده عن سياق مرتكزات مشروع بلده،أتساءل: من بمقدوره الادعاء للحظة،أن عكازي كيري،لايستحقان الانحناء إجلالا؟أو أن وزير خارجية أمريكي ثان،سبقه منذ عهد ليس بالقصير تبوأ ذات الموقع،اسمه هنري كيسنجر،لايعتبر عقلا استراتجيا جبارا،قلما تلده ولادة؟.          

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.