“لنجعل أرض أوربا قِبلة لنا”
إن الله تعالى جعل للمسلمين منذ بزوغ الرسالة المحمدية قِبلة يتوجهون إليها في عباداتهم، بداية بالقبلة الأولى حيث كان المِلي المسلم يتجه صوب المسجد الاقصى المبارك، لتتحول بُعيد ذلك تجاه مكة المكرمة حيث أرض الحجاز، وذلك استنادا الى أمر الله تعالى في القرآن الكريم، والى اليوم لازال المسلمون على هذا الامر الالهي في الصلوات، المفروض منها والمتنفل به، وهذه القبلة هي في عداد المسلمات لدينا طبعا، إلا أن المتأمل في عنوان المقال بدون بصيرة قد تجره الحمية والخصومة والغيرة غير المبررة متسائلا؛ ما هذه الحماقة وما هذه التخاريف التي ينطق بها صاحب هذا القول؟ كيف نجعل اوربا قبلة لنا؟ وكيف سمح الضمير لهذا الأحمق ان تراوده هذه الأفكار أصلا؟ وقد يصل الأمر ببعضهم ممن يتغول صلاحيات الله بتكفيرك من هذا القول، هذه حوصلة بعض الأفكار التي قد تتقاطر أو تنهال على أذهان بعض ضعيفي الأفق أو الذين يتصفون بضحالة أفكارهم، إن عنوان المقال لا صلة له بالقبلة المكية وإن بدأت الكلام بذلك، والهدف من وراء هذا تبيان عظمة الوجهة والقبلة المكية لدى المسلمين عبر الأعصار، ولكن هذا العنوان لن يفهمه إلا ” إيلان الكردي” الذي رماه البحر في الشاطئ غريقا، “إيلان” الذي صدمت صورته المأساوية العالم بأسره، عنوان المقال لن يفهمه إلا السوري الذي قطع آلاف الكيلومترات بحثا عن الأمن والعيش الكريم الذي فقده في بلاده وأرضه المكلومة، عنوان المقال لن يفهمه إلا الأم السورية الحاضنة لأبنائها وهي تسير بهم نحو “القبلة” الأوربية، لن يفهم عبارة “أوربا قبلة لنا” إلا السوريات الحرائر الفارات من وحوش العرب الذين لا تسكن أرواحهم العليلة والمريضة إلا الجنس، والذين لا يفهمون في الإسلام إلا “شرائع السبي”.
الذي بعثني في الحقيقة على كتابة هذا المقال القصير والمتواضع صراحة هو طرحي للسؤال التالي: لماذا فضل السوريون أوربا ملجأ بديلا عن بلاد العُرب؟
الجواب طبعا لا يحتاج الى تكلفات وإلى براهين أو دلائل أو إلى قرائن، فالجميع لديه جواب عن هذا السؤال سوى من لا مسمع ولا بصر له أمثال من ذكرنا في صدر هذا النص؛ ومن العار ومن المحزن جدا أن نشاهد على الفضائيات المئات بل الالاف من أبناء الوطن السوري يرون في اوربا الغربية حلمهم وأملهم في العيش والأمن والإستقرار، وبلاد العرب عنهم قاب قوسين أو أدنى، بل هي بلاد متدينة بدينهم ومُتروحِنة بأذكارهم وطقوسهم وناطقة بلغتهم، وخلاصة الكلام أن الرسالة المشفرة التي بعثها السوريون ومَن دونَهم من قبلُ للعرب، هي أن” بلادكم أيها العرب بلاد فاشلة، فاشلة اقتصاديا واجتماعيا، بلادكم بلاد طاردة وبلاد بلا حس أخلاقي وبلا حس قيمي، فشلتم أيها العرب وتفرقتم وذهبت ريحكم وتلاشت مَجَادتكم، ماء وجوهكم قد شرب ما تبقى منه “ايلان الكردي” الغريق فصرتم بلا وجه، بلادكم أيها العرب لا يقودها إلا الأنذال الأذلين المتآمرين علينا، أرضكم لم تعد أرضنا، وقِبلتنا الآن هي أوربا حيث الحرية والكرامة، قبلتنا أوربا حيث لا شيعة ولا سنة يتقاتلون، حيث لا سبي ولا زواج القاصرات بذريعة إنقاذهن، أوربا هي ملاذنا حيث لا عمليات انتحارية في المساجد ولا مكان فيها للجهاديين قاطعي الرؤوس وحارقي الأبدان ولا السلفيين ولا القومجيين، أوربا حيث تحضر معاني الجمال والمواطنة والعدل ومعاني الحياة، أوربا قِبلتنا أيها العرب عسانا نداوي جراحنا وأوجاعنا وتباريحنا المزمنة فلا تقربونا ولا تكلمونا بعد اليوم”.