هل انتهى دور شباط ؟

0 433

سرعان ما لمع اسمه ونجمه في سماء السياسة المغربية من وجه نقابي مزعج إلى أمين عام حزب سياسي عريق.. هو ذاك حميد شباط حديث المنابر الإعلامية والصحف والمجلات الورقية والإلكترونية في الولاية التشريعية الأخيرة، وما زاده شهرة وتألقا اقتران اسمه باسم رئيس الحكومة المغربية عبد الإله بنكيران، الأمين العام لحزب العدالة والتنمية..

شباط ملأ الدنيا وشغل الناس بخرجاته المفاجئة، وتصريحاته الغريبة، ومواقفه الغامضة غير المفهومة، وفي أوقات صعبة حرجة، أغلبها تزامن مع زيارات ملكية خارج البلاد، أما زعامته لحزب سياسي عريق مثل حزب الاستقلال فتزيد الأمر غرابة وتشويقا..

إن ظاهرة الشباطية هذه وما رافقها من أحداث وأعقبها من نتائج، لتكشف صعوبة فهم اللعبة السياسية المغربية، نظرا لما تتميز به من غموض..

لقد نجحت الظاهرة الشباطية في رسم خريطة سياسية مغربية مغايرة، قد لا نقول عنها جديدة لأنها ربما متوقعة بل مرسومة للدولة العميقة، لكنها تظل مثيرة لاهتمام البعض من الذين يقتاتون من ورائها بطرقهم الخاصة.. فهل نجح شباط في لعب الدور الذي أنيط به ؟

   إن المتتبع للشأن السياسي المغربي يدرك أن شباط أنهى دوره كما هو مخطط له، ورضي لنفسه أن يكون بطلا وهميا خياليا لفيلم مكسيكي مدبلج ليس من إخراجه، مشوق ومثير للانتباه من حيث الأحداث والشخصيات إلا أنه فارغ من حيث المحتوى والرسالة.. الدولة العميقة فكرت في إضعاف حزب الاستقلال برمزيته التاريخية، فلم تجد أحسن من شباط للعب هذا الدور، فأشارت عليه بالانسحاب من الحكومة تحت التهديد والإغراء ففعل، ولعلها الضربة القاضية للحزب، ساعدها على ذلك موظفون لدى شباط في اللجنة التنفيذية لحزب الاستقلال.. الدولة العميقة لا يهمها تموقع حزب الاستقلال في الحكومة أو المعارضة بقدر ما ركزت على إضعاف الحزب وتشويه صورته لدى المواطنين وهذا ما حصل تحديدا، ونفس الشيء وقع مع حزب الاتحاد الاشتراكي المغتر الباحث عن أدنى فرصة للعودة إلى سدة الحكم، فلم يجن غير التقهقر والانشقاقات والصراعات الداخلية، أفقدته المصداقية ولوثت ماضيه النضالي..، لكن الذي غاب عن الدولة العميقة هو ازدياد شعبية حزب العدالة والتنمية بهذه الدرجة الكبيرة غير المتوقعة، وتضاعف مقاعده في انتخابات المجالس الجماعية والجهوية والإقليمية خير دليل على ذلك، أما الحشود والجماهير الشعبية الملتفة حول الحزب وقياداته ورموزه فهي مصدر إزعاج وقلق كبيرين لها، واقع لم يرق الدولة العميقة، وهو ما عجل باتخاذ إجراءات احترازية سابقة لأوانها، في مقدمتها تخلي شباط عن المعارضة وعودته من النافذة للمساندة النقدية، وربما تمهيدا لتحالف مستقبلي مع البيجيدي.. الذي قد يجد نفسه مرغما على التحالف معه باعتباره الحزب الأقرب إليه من حيث المرجعية، تماشيا مع القاعدة الأصولية إذا التقى ضرران يرتكب أخفهما، فالاستقلال والبام كلاهما مر في الظرفية الحالية، لكن الوضع السياسي الراهن يؤكد بالملموس أنهما شر لابد منه.. أما الإشارات السلبية التي مررها حزب الأحرار لرئيس الحكومة في الانتخابات الأخيرة فهي مؤشر آخر على أن هنالك دولة عميقة تتحكم في المشهد السياسي المغربي، تضع خطوطه العريضة، وترسم حدوده وآفاقه..

إن ظاهرة الشباطية هذه تفرض على حزب بنكيران ورفاقه اتخاذ الاحتياطات اللازمة لتفادي تكرار التجربة والسقوط في نفس الفخ..

الجميع يدرك اليوم أن نجاح هذا الحزب راجع بالأساس إلى الديموقراطية الداخلية للحزب، وكونه حزب مؤسسات، يتمتع بحد أدنى من الأخلاق السياسية.. عكس منافسيه الطامحين إلى السلطة بكل الطرق الممكنة، ولو كانت ضد إرادة الشعب، المهم الوصول، فالغاية تبرر الوسيلة.. مع هذا كله نتساءل:

هل ينجح حزب العدالة والتنمية في المرحلة المقبلة في صيانة هذه الديموقراطية الداخلية باعتبارها رأسماله النفيس ؟

وكيف وأنى لحزب العدالة والتنمية تفادي ضربات الدولة العميقة..؟

أسئلة محرجة للحزب والدولة العميقة نفسها، لكنها قائمة، إنه الصراع الأزلي من أجل السلطة، فهل سيكون للشعب دور في تغليب كفة على أخرى، أم سيظل يلعب دوره التقليدي المحدود ؟؟

لقد انتهى شباط وسقطت آخر قلاعه الحصينة بتوافر مجموعة من العوامل المنطقية والموضوعية، وإذا علمنا أن السياسة لا تقبل الفراغ فمن حقنا أن نتساءل من الضحية الموالية ؟

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.