الانخراط المجتمعي الواسع : معيقاته و آلياته، مقوماته وقوته
بات يعرف الجميع بعد ما يسمى بالربيع العربي أن مرجع مآسي المجتمعات وسبب تخلفها و انحطاطها أمام المجتمعات الغربية و تراجعها على جميع الأصعدة هو تواطؤ هذه الأنظمة من بني جلدتنا مع تلك الحضارة الغربية، التي جعلت منها جسرا يعبرون به إلينا لتنفيذ مخططاتهم الرامية دائما إلى أن تعيش هي في ازدهار و رفاهية ورغد عيش ، متصدرة كل مراكز التقدم و التطور و احتكار لكل الوسائل التي تجعل منها مفخرة و نموذج يحتدا، لتصعد بنا نحن الحاجات و الضروريات للتنعم بما ينعمون به من أمن و استقرار و حرية و ديمقراطية، وصلوا إليها بعد دماء متدفقة وحروف عنيفة في تاريخيهم الأسود. أرادوها لنا نفس التجربة لتجرع المرائر، فاقدة الأمة قوتها، ممزقة جهودها في صراع فوقي دائم، مقسمة إيانا إلى دويلات، إنها قبضة سيطريه أبدت في أعناقنا أغلال التخلف و ذلة التزلف.
ليعود بنا الأمر إلى استنساخ تجربتهم و الاصطباغ بصبغتهم و الانسلاخ عن جلدتنا، و إتباع ملتهم حتى يرضونا عنا. أنداك نكون تقدمنا و حيدنا عن التخلف في منظور عقول شككوها في دينها و أصبحت لهم صوتا، و لنا ندا. أما إن الحروب أنهكتنا و استنزفت خيراتنا و استشرت فينا سموم الجاهلية و طفو المذهبية، و كل حزب بما لديهم فرحون ، ما عدنا نستطيع اللقاء و الاجتماع لبعث الحياة ونفخ الروح فيما يثمره الفكر و ترشده الخبرة. و نعرف أنداك أن السر في اتحادنا و تعاوننا، و تأجيل القضايا الخلافية و الانطلاق من أرضية مشتركة تصب في مصلحة شعبنا، ليعرف أن الأمر يعنيه و ينطلق من همومه و مطالبه، لتعبئة الجهود تحقيقا لانخراط شعبي ومجتمعي واسع يحقق ميزان القوى لفرض نموذج ديمقراطي نابع من الشعب يرضي الجميع ويساهم فيه الكل، لتوفير أجواء التنافس على مصلحة البلاد و العباد، لتتجمع الإرادات و تستدعى الطاقات و الخبرات لتوظيفها في مقدمة التحول لبناء نظام قوي بتوافق وطني يضمن العمل المشترك بين أطياف و مكونات الشعب. لبناء مستقبل يعود لأجيال تشكل في وعيها القبول النفسي للأخر و تكريس القيم الإنسانية النبيلة طلبا للحوار و رفضا للعنف. وهنا يعود بنا الحديث عن الشباب لكون الشباب في صدارة كل حركة مجتمعية نتائجه تأتي ردة فعل حماس و أفكار تؤطره، يحمل في صفاته مقومات تؤهله للتغيير بإصراره و تضحيته و فتوته و الإرادة القوية نحو بلوغ طموحه و مسعاه. سهل التأثر و يتفاعل نتيجة الواقع المتغير و ما يشهده من فساد و استبداد طال لعدة قرون نتجت عنه ثلاثة أصناف من الشباب :1- الصنف الأول يحاول الهروب من الواقع وهو بذلك يحاول أن يجعل لنفسه عالم يوهمه أنه يعيش حريته و استقلاليته و اتخاذ قراراته، وعن طريق هذا النوع من الشباب نجد إبداع فنون تحمل في طياتها رسائل غالبا ما تجد فيها الشباب يصف الواقع المر و ما يخيم عليه من فساد و تحكم في الإرادة، و تهمش فيها نسبة مهمة من المجتمع، و تهدر طاقاته في صناعة مستقبل يتنافس فيه الناس في خدمة المصلحة العامة للإنسانية و تكريس القيم السامية بالإنسان إلى معاني البدل و التعاون و التطوع، وتحرك تتجمع فيه القوى و تنسق فيه الجهود، أن ما يعني الفرد فهو يعني الجماعة ، بصورة أوسع المجتمع بما هو مؤسسات و آليات تخدم الصالح العام. 2-شباب مؤطر من داخل الأحزاب يتم حصر إمكاناته و عطائه في خندق الاديولوجية، و إنهاك طاقاته بأمور تنظيمية للحزب كل ما يشغل باله و همومه أن يتمكن من دراسة و معرفة أدبيات الحزب و الإلمام بالتصور، دون ترسيخ ثقافة الحوار و السماع لما عند الآخرين، و تنشئة أجيال ترجع مآسي الماضي و ما عانته من نزاعات و أفكار لطالما روج لها الغرب و جعلها مدرسة مثالية لمن أراد أن يحظى بمنزلة تلميذ يبلغ عن معلمه أشكال الانحلال و الثقافة الماجنة، و الاستمتاع بالحياة فتتشتت الإرادات، و تطفو الحزازات و تتشكل عقليات و يشيء الإنسان، و يصبح بذلك لا يفكر إلا في نفسه بعيدا عن أمته، يزن بهواه فينسلخ عن جلدته بعد اغتراره ببضاعة معلمه الغربي.3- شباب ينشط بالجمعيات و الهيئات المدنية شباب يحب التطوع و الخير للناس يشيع روح التضامن و التعاون و هو بذلك طاقة يستفيد منها المجتمع حتى إذا وجد أمامه عقبات تمنعه من بلوغ الأهداف، و واقع يتحكم به سلطان الهوى و يسود فيه” لا تفعل إلا ما أريد” تحطمت أماله في صناعة رجال يطمحون إلى التقدم و الصعود نحو بناء مجتمع نموذجي يلتفت إليه الناس، و تعود له أجيال لطالما تكسرت أحلامها و طمرت أفكارها و كممت أفواهها.
ادن تفكيرنا في نظرة وحدوية دون الأخر لصناعة مجتمع بنمط و منطق تفرضه جهة معينة دون النظر إلى هذا المجتمع بأنه أطياف و تلاوين مختلفة، تتباين في أفكارها و مشاربها و مرجعيتها، يستحيل معه تغيير الواقع بنفوذ تحركه آلة استكبارية غربية لها امتداد جغرافي على أراضنا و تجدر في تاريخنا، و تحكم في ذاتية و قرارات شعوبنا، إلا إذا تم تجاوز خندق الاديولوجية، و تم الالتقاء على مستوى السياسة، بما هي قيام على الشيء بما يصلحه وتدبير لشؤون الدولة، و تكون هناك مساحة واسعة خصبة لبناء التقارب و فرض التغيير المطلوب دون القيود و الشروط التي تكون تحت اكراهات خارجية تحاول أن تعرقل عملية التحول في أجواء سلمية، تفوت الفرصة عن أعداء الديمقراطية و تضعهم في صلب شعاراتهم المنادية بحقوق الإنسان و الحرية و الكرامة و العدالة أنداك يتأتى لنا التغيير بحول الله و قوته.