إلى متى ستظل مدن الجنوب الشرقي ضحية التهميش والعزلة؟
من خصوصيات الجنوب الشرقي أنه يتوفر على طاقات هائلة، اعتمدت على التكوين الذاتي ماديا ومعنويا. فالتلميذ فتلك المناطق يضطر منذ سن مبكرة للسفر إلى المدينة بغية توفير مصاريف الدراسة. يجد ويعمل حتى يصل درجات عليا من العلم ويتحرر فكريا. بالمقابل مدن الجنوب الشرقي لا تزال راكدة ومستوى المعيشي للمواطنين في تدهور. في حين أن مدن الجنوب الغربي، أو بالأحرى الصحراء، في وقت وجيز أصبحت تضاهي المدن العريقة. العيون والداخلة نموذجا. فإلى ما تعزى هذه المفارقة ؟
وإلى متى ستظل مدن الجنوب الشرقي ضحية التهميش والعزلة( الراشدية. تتغير . زاكورة . وارزازات طاطا )؟
الدولة في الصحراء المغربية تستثمر في العمران، والجانب المظهري لمدنها، و قد أشار إلى ذلك العاهل المغربي في ذكرى المسيرة الخضراء، بإشارته لمجموعة من المشاريع الكبرى في حين تهمل الإنسان، الذي أولى بالبناء ثقافيا وفكريا وديمقراطيا، لأن المواطن الهش داخل عمارة فاخرة لن يؤدي إلا إلى زوال الإنسان و بالتالي تبعات وخيمة عليه وعلى المجتمع.
في الجنوب الشرقي رغم التهميش الممنهج، يعمل مواطن القرن الواحد والعشرين على الإلمام بقضايا المجتمع ويكون نفسه بنفسه حتى يصل إلى مناصب عليا فيضطر إلى مغادرة بلده الأم نحو مدينة تتوفر على بنية تحتية تضمن له العيش الكريم.
و إذا اعتبرنا ان الصحراء تتوفر على ثروات طبيعية خولت لها إمتيازات وان الوضع السياسي يفرض على الدولة نهج تلك المقاربة فإن الجنوب الشرقي أيضا يعتبر أكبر مصدر للمعادن في مجموعة من المناجم بأكدز، إميضر، بوازار. والراشيدية). بالإضافة إلى اليد العاملة التي تحرك الاقتصاد الوطني بالمدينة الاقتصادية الدار البيضاء وعبر ربوع الوطن. والأهم من ذلك، هو الثروة البشرية بحيث نجد أطر على مستوى عال في جميع المجالات ينحدرون من تلك المناطق.
فلماذا إذن تستمر الدولة في اعتبار تلك المناطق مغربا غير نافع؟
هذا له تفسير واحد، المغرب النافع بالنسبة لها هو الذي تنطوي عليه لعبة الاستيلاب، فبالموازاة مع الغليان الفكري هناك تهميش ممنهح لمدن وأبناء الجنوب الشرقي حتى يصابوا بالاغتراب ويهاجرون قسرا بلدهم الأم كي لا تتشكل نخبة طليعية تؤسس لمجتمع العدالة.
سياسة الدولة تعمل بمبدأ معاودة الإنتاج حسب تعبير بيير بورديو وتسييد الثقافة السائدة درءا لأي خطر يهدد مصالح اللوبي الحاكم .
إذا استثنينا مدينة وارزازات التي عرفت تطورا ملحوظا على مستوى البنية التحتية، وهذا يعزى إلى سمعتها على مستوى استوديوهات السينما و تدشين المشروع الإفريقي للطاقة الشمسية. فإن كل مدن الجنوب الشرقي تعيش واقعا مريرا وتهميشا ممنهجا يضاهي قساوة مناخها. وأبناء تلك المنطقة ليس من منطلق عنصري وإنما هي حقيقة نعيشها لا يستفيدون من الامتيازات التي يستفيد منها نظرائهم في مدن الصحراء.
عاهل البلاد الملك محمد السادس أشار في خطابه في ذكرى المسيرة الخضراء إلى ضرورة ربط الداخل بالصحراء عبر خط سككي وعبره تسهيل الانفتاح على استثمارات في الدول الأفريقية المجاورة. بينما لم تستطع الدولة ربط مدينة مراكش بمدينة وارزازات وفك العزلة عن تلك المناطق عبر تشييد نفق تيشكا. هنا أيضاً تمظهر من تمظهرات اللاحكامة واللامساواة في التعاطي مع مدن المغرب الواحد و وتقسيم المواطنين إلى مواطنين ومواطنين من الدرجة الثانية .
إن العمل على تفضيل ومنح إمتيازات لمدن وتهميش مدن أخرى، إنما يزيد من تعميق الصراع وفسح المجال أمام تناقضات أخرى أكثر تعقيدا. خارج الاهتمام بالإنسان و رد الاعتبار إليه ونهج سياسية ذات بعد وحدوي، وإدماج جميع المواطنين في الحياة العامة دون تمييز، وتسخير السياسة في خدمة الشعب لا الشعب في خدمة السياسة لا يمكن أن نخطو الخطوة الأولى نحو القطع مع الماضي القريب الذي ما زالت عروقه مغروسة وتسقى كل يوم.