الأمن من أعظم النعم … فهل ساهمت في حفظه
نعم الله تعالى علينا كثيرة و متعددة, وإن عدت لا تحصى كما قال الله تعالى:” وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ (34) ابراهيم. ومن أجلِّ النعم وأعظمها بعد نعمة الإسلام ثم نعمة الخلق نعمة الأمن وأكرم بها من نعمة جليلة, قد لا يقدرها حقها كثير من الناس خصوصا منهم الذين ينعمون به,واسأل أهل الحروب والمجاعات والنزاعات وغيرهم عن الأمن لتعرف الجواب العملي المفحم؟, وقيام أي كيان فردي كان أو جماعي لا يتم كما ينبغي إلا إذا توفر الأمن والأمان, فغياب الأمن يهد الأفراد ويهلكلها بل يهد حتى الجماعات ويهدمها, لذلك نجد الله سبحانه تعالى في كتابه العزيز يقدم نعمة الأمن على نعمة الرزق فقال سبحانه:” وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آَمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آَمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ قَالَ وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلًا ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (126) البقرة. وبدأ بالأمن قبل الرزق لسببين على الأقل : أولا لأن استتباب الأمن وانتشاره سبب للرزق والثاني: لأنه لا يطيب طعام ولا يُنتفع بنعمة رزق إذا فقد الأمن.
وقد امتن الله سبحانه علينا بهذه النعمة العظيمة الأمن في أكثر من موضع, وذلك لينبهنا لعظمها ولنشكره عليها وكذا لنحافظ عليها ونصونها,قال الله سبحانه:” }أَوَلَمْ نُمَكِّن لَّهُمْ حَرَمًا آمِنًا يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ{ [القصص: 57].ونبه الله وامتن بهذه النعمة على أصحاب نبيه صلى الله عليه وسلم، فقال:} وَاذْكُرُواْ إِذْ أَنتُمْ قَلِيلٌ مُّسْتَضْعَفُونَ فِي الأَرْضِ تَخَافُونَ أَن يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُم بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ{[الأنفال:
والأمن مطلب جميع الناس على وجه البسيطة وبغيتهم,فقد طلبه من ربه ابراهيم عليه السلام وذكر به يوسف أبيه وإخوته ليطمئنهم,وضمنه الله تعالى لموسى عليه السلام ليهدأ روعه وتسكن نفسه,ولما مكن الله لنبيه الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم في فتح مكة رحم أهلها و ذكرهم بما ينالون به الأمن؛ مما يدل على أهميته لدى المؤمنين والكافرين، فقال: «من دخَل دارَ أبي سفيان فهو آمن، ومن ألقَى السّلاحَ فهو آمن، ومن دخل المسجدَ فهو آمن» رواه مسلم.
والعبادة والطاعة لله تعالى لا تتم كما ينبغي إلا في ظلال الأمن والأمان فالصلاة قال الله عز وجل عنها: }حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ والصَّلاَةِ الْوُسْطَى وَقُومُواْ لِلّهِ قَانِتِينَ * فَإنْ خِفْتُمْ فَرِجَالاً أَوْ رُكْبَانًا فَإِذَا أَمِنتُمْ فَاذْكُرُواْ اللّهَ كَمَا عَلَّمَكُم مَّا لَمْ تَكُونُواْ تَعْلَمُونَ{ (البقرة: 238-239 ), ومن شروط وجوب الحج الأمن وقد أعذر الله تعالى لمن فقده ,وتنتعش الدعوة الإسلامية وينتشر الإسلام في ظروف الأمن والسلم أكثر من غيره من الأوقات,ولنا في صلح الحديبية الدليل القاطع والبرهان الساطع على ذلك.
ومما يدل كذلك على أهميت الأمن والسلام قول نبينا صلى الله عليه وسلم: «مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِنًا فِي سِرْبِهِ، مُعَافًى فِي جَسَدِهِ، عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا» رواه الترمذي. كما أن الله الكريم المنان أكرم بالأمن أولياءه وأصفيائه في دار كرامته؛ لأنه من النعيم ولا نعيم في غيابه، قال رب العالمين: }ادْخُلُوهَا بِسَلاَمٍ آمِنِينَ{ (الحجر: 46)، وقال: }يَدْعُونَ فِيهَا بِكُلِّ فَاكِهَةٍ آمِنِينَ{ (الدخان : 55)…
ومما لا شك فيه أن نعمة الأمن غالية وعظيمة لكن يبقى السؤال كيف نحافظ عليه بننا في أوطاننا ودورنا؟
- الدعاء وسؤال الله تعالى الأمن.
فعلمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نسأله الأمن في مستهل كل شهر,فكان إِذَا رَأَى الْهِلَالَ يقول صلى الله عليه وسلم: «اللَّهُ أَكْبَرُ. اللَّهُمَّ أَهِلَّهُ عَلَيْنَا بِالْأَمْنِ وَالْإِيمَانِ، وَالسَّلَامَةِ وَالْإِسْلَامِ، وَالتَّوْفِيقِ لِمَا تُحِبُّ وترضى. رَبُّنَا وَرَبُّكَ اللَّهُ» رواه الترمذي. - الشكر على نعم الله الكثيرة:
فربط الله سبحانه بقاء النعم والزيادة منها بالشكر,كما حذر من ذهابها بكفرانها قال تعالى:” }وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ { (إبراهيم: 7).
- تحقيق العدالة الاجتماعية وضمان الكرامة للإنسان وتأمين الحياة الطيبة:
ورفع الظلم عن الناس فالظلم ظلمات يوم القيامة وهو من أسباب انتشار الخوف وذهاب الأمن والسلم. وكذا توفير الغذاء للناس والعناية بصحتهم وحاجاتهم الحيوية…ومحاربة كل أشكال الفقر والتهميش واللامبالاة …
- احترام القانون والأعراف والتقاليد المعتبرة في البلد:
وإن الاخلال بتطبيق القانون والاستخفاف به والأعراف والتقاليد السليمة المعتبرة لهي من أسباب شيوع الفوضى وانتشار الجريمة وما يخل بالأمن والأمان والسلم والسلام في المجتمعات.
- محاربة الجهل والأمية وإشاعة الوعي السليم للقضايا الشائكة:
فالجهل مدخل لعدم الأمن كما الأمية والفقر والتهميش,والمشاكل والقلاقل التي تعيشها أغلب الدول اليوم فيما يتعلق بالأمن وغيره هذه أهم أسبابها الجوهرية.
- تحقيق العبادة لله تعالى وحده :ومن حقق ذلك حقا وصدقا أنعم الله عليه بالأمن والاطمئنان في الدنيا والآخرة, قال الله تعالى: }الذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَـئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ{ (الأنعام : 82).
- إشاعة الفهم الصحيح للإسلام وتأويل نصوصه تأويلا سليما,كما فهمها السلف الصالح والعلماء المعتبرون. ليس كمن أراد تفسير سورة الفاتحة اليوم كما يريد هو وحسب هواه وشيطانه؟؟
- إقامة الدين والحدود : قال النبي صلى الله عليه وسلم: «وَمَا لَمْ تَحْكُمْ أَئِمَّتُهُمْ بِكِتَابِ اللَّهِ وَيَتَخَيَّرُوا مِمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَّا جَعَلَ اللَّهُ بَأْسَهُمْ بَيْنَهُمْ» رواه ابن ماجة.
- المحافظة على الاستقرار السياسي للبلاد باحترام مبادئ الديموقراطية والتعددية وحرية التعبير بمسؤلية:
فهو من أهم أسباب استتباب الأمن والأمان خصوصا في عصرنا هذا وانظر لتعرف هذا الأمر الخطير إلى الدول والمناطق التي اكتوت بنار عدم الاستقرار السياسي وغياب الدولة والمؤسسات. - وجود جهاز أمن قوي ومتبصر في الدولة:
قوي بأفراده قوي بمؤسساته,قوي بسلاحه وقدراته قوي بخبرته وتجاربه, والأهم من هذا قوي في قيمه,في أمانته ونزاهته وفي الحفاظ على أمن واستقرار الوطن.
- ونختم هذه الأسباب المعتبرة بضرورة إشاعة قيم الحب والاحترام والتعاون والتسامح والتضحية وحب الوطن بيننا,ونبذ كل قيمة سلبية بغيضة كالكراهية والحسد والاعتداء والظلم والأنانية وسوء الأدب وغيرها ولن يتأتى ذلك إلا بالتربية السليمة المستقيمة والإعلام المسؤول الهادف صاحب الرسائل النبيلة والمتشبعة حقيقة بالوطنية الصادقة, بعيدا عن نشر قيم العنف والظلم والميوعة والخنا بين أبنائنا وبناتنا…
وديننا الإسلام الخاتم دين الأمن بامتياز فقد حرم قتل النفس، وسرقة المال وأكله بالباطل دون وجه حق، كما نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن ترويع المسلم، وقال صلى الله عليه وسلم: «وَاللَّهِ لَا يُؤْمِنُ، وَاللَّهِ لَا يُؤْمِنُ، وَاللَّهِ لَا يُؤْمِنُ». قِيلَ: وَمَنْ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «الَّذِي لَا يَأْمَنُ جَارُهُ بَوَائقَه» رواه البخاري ومسلم . وقال: «الْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ» البخاري ومسلم.
والأمن شرط لازم لنحيا حياة طيبة سعيدة يملؤها دفء التفاؤل والأمل وإذا ضاع بيننا لا قدر الله اختلت هذه الحياة واضطربت وتأخر موكب الإصلاح والتقدم والتنمية إن لم يتوقف وأصبح هم كل فرد من الجماعة الحفاظ على أمنه هو وأمن من معه دون النظر إلى أشياء أخرى مهما كانت مهمة كالمتعلقة بالعمل والإنجاز والرقي بالبلاد والعباد إلى ما فيه خيرها وخير مواطنبيها, ولقد اهتم الإسلام بالأمن غاية الاهتمام واعتبره هدفاً لذاته ,و دعا كل من القرآن الكريم والسنة بشكل صريح وفي آيات كثيرة إلى المحافظة على الأمن بكافة جوانبه :الأمن للدين, الأمن للنفس, الأمن للمال,و الأمن للعرض والنسل وهذه هي الضروريات الخمس التي جاء الشرع لحفظها وصونها وجاءت لحفظها جميع الشرائع و الأديان, ولا أمن إلا بأمانها وسلامتها…
وأما الأمن في حق الكافر المعاهد الذي يسكن بين المسلمين في تعايش واحترام أو يربطه بينهم عهدا وليس محاربا معتديا فقد قال بخصوصه صلى الله عليه وسلم: «مَنْ قَتَلَ مُعَاهَدًا لَمْ يَرَحْ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ، وَإِنَّ رِيحَهَا تُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ أَرْبَعِينَ عَامًا» رواه البخاري. وقال: «أَلَا مَنْ ظَلَمَ مُعَاهِدًا، أَوْ انْتَقَصَهُ، أَوْ كَلَّفَهُ فَوْقَ طَاقَتِهِ، أَوْ أَخَذَ مِنْهُ شَيْئًا بِغَيْرِ طِيبِ نَفْسٍ فَأَنَا حَجِيجُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» رواه أبو داود.
اللهم آمنا في أوطاننا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا واجعل ولايتنا في من خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين, اللهم إنا نسألك الأمن والأمان والسلامة والإسلام يا أرحم الراحمين يا رب العالمين وصلى الله على سيد الأولين والآخرين.