النزعة الفردانية و خطرها على السلم العالمي

1 413

عرفت المجتمعات على مر تاريخها العديد من الصراعات والتحديات، وكان سجلها التاريخي مليء، بأحداث ووقائع أليمة، وصعاب جمة، فالكثير من الدول عانت ويلات الاستعمار والاستيطان والانتداب، وكان هذا أكبر تحد أرقها، ورغم الدمار الذي خلفه هذا الأخير، فقد كان – في نفس الآن- سببا في استنفار تلك الشعوب جميع طاقاتها ومؤهلاتها للتصدي له ومواجهته، فصار سكان البلد المستهدف جماعة واحدة موحدة على صعيد واحد وذابت خلافاتهم واختلافاتهم، وأصبحت كل رماحهم مصوبة تجاه العدو، فشكلوا بذلك لحمة واحدة، وصنعوا لوحة ملحمية رائعة ومثالية.

ذ. رشيد رملي

وفي مثل هكذا أجواء وظروف تنقرض مجموعة من الظواهر المرضية والسلبية، وفي مقدمة تلك الظواهر، ظاهرة الفكر الفرداني أو الفردانية،وهي حالة نفسية تتضخم فيها الأنا، وتنتفخ فيها الذات انتفاخا، يجعلها تدوس حقوق الآخر، وتتخندق في مربع مغلق، تنسى فيه محيطها وهمومه ومعاناته.

وحينئذ يتحول المجتمع إلى قطع غيار متناثرة وكائنات منعزلة، تفصل بينها حواجز حديدية، وهوة سحيقة، وتتوهم الذات أن باستطاعتها القيام بكل شيء وحدها.والحال أنها تتدحرج أدراجا إلى الوراء، وتنحو نحو حياة بدائية متوحشة .

ذ. رشيد رملي

إن هذا التوصيف السابق ليس تعليقا على ما سبق من الأجيال والأزمان، ولكنه حال مجتمعنا المعاصر، الذي رغم ما وصل إليه من تقدم وطفرة على مستوى المعلوميات وتقنيات التواصل الحديثة، التي يقال عنها أنها طوت المسافات، واختصرت المساحات، وأزالت الحواجز وتجاوزتها، وشكلت مجتمعا إلكترونيا أشبه ما يكون بالقرية الكونية الصغيرة. رغم ذلك كله لازال يرزح تحت نير فرقة شاسعة وتباعد نفسي وعاطفي كبيرين.

ولعل الصراعات الضارية والحروب الطاحنة، والمذابح والمجازر السائدة اليوم خير دليل على ما نقول. وهذا ما يعكس حالة من الكره والبغضاء الدفينة، ويؤدي إلى حالة من الاستنفار وردود الفعل المعاكسة، تنتهي بتسييل وإراقة شلالات من الدماء البريئة، وتشريد آلاف الأبرياء كما حصل مع الرسوم المسيئة للرسول الكريم(ص).

إن هذه النزعة المركزية الفردانية هي التي دمرت بلدانا و يتمت أطفالا و شردت شبابا و رملت نساء بمبررات واهية وادعاءات كاذبة ، كما حصل في العراق وأفغانستان ، وهي التي أبادت شعوبا لا لشيء إلا لعرقها ولونها كما حصل في أمريكا “المتحضرة” مع الهنود الحمر والزنوج ، وتلك النزعة الأرومركزية – وباسم الحداثة ونشر الديمقراطية هذه المرة – هي التي استعمرت شعوبا ونهبت ثرواتها كما وقع مع الاستعمار الأوربي الغاشم، وهي التي كانت وراء الإساءات المتكررة للرسول محمد (ص) من خلال الرسومات الكاريكاتورية والأفلام بدعوى حرية التعبير .

واضح إذن أن المجتمعات المستعمرة والغازية تعيش حالة من الاستكبار والاستعلاء و تعاني من عقدة الإحساس بالتفوق، مما يبين تضخم الأنا الغربية وتغولها. و استفحال مرض الفردانية المزمن، والذي يقسم العالم إلى صنفين: المركز والأطراف، ويعتبر نفسه هو المركز والمنطلق والمنبع لكل شيء. فمنه يجب أن تنطلق الديمقراطية، والحداثة، والتحضر والتنمية، وهو من يحدد مصير الأشياء والعالم، ويصبح شعار هذه المركزية الأوربية الإقصائية هو” أنا وليكن من بعدي الطوفان ” “أنا وليذهب الآخرون إلى الجحيم” أو كما عبر أحدهم” الآخرون هم الجحيم”.

وما لم ينته العقل الغربي عن اللعب على أوتار الاستفزاز والإقصاء والعنصرية، والتجزئة وخلق النعرات بين البلدان المستضعفة، وتحويلها إلى حقول لتجريب الأسلحة وترويجها دون مراعاة لأية مشاعر إنسانية أو نوازع أخلاقية، سنكون أمام فصول جديدة من الصدام و التنافر الحضاريين غير المحمودي العواقب.

فماذا خسر وماذا سيخسر العالم الغربي بانحطاط الأطراف كلها؟ والعالم الثالث كله؟ ومن يدري ربما ينقلب السحر على الساحر.

تعليق 1
  1. محمد العلوي يقول

    حملة العدالة التنمية فى زاكورة بريس شحل من المقال كتب هدا حنا بغنا اخبر ليس أحديث

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.