مدرس في الأرياف: حين قال لي أب: “علاش زْعَقْتي على ولدي”

0 558

مدرسة النجاح بالمغرب العميق

زاوية يكتبها الزملاء الصحافيون والمراسلون بالتناوب ترصد واقع التدريس بالعالم القروي من خلال شهادات حية لمدرسين ومدرسات ينحتون الصخر لإنجاح هذا الشيء الذي اسمه “مدرسة النجاح”..فتحية لهم ولهن.

حين تختار أن تكون معلما فأنت تعرف أنك ستزور منطقة لا يعرف عنها “الجن الأزرق” شيئا، وأنك ابتداءً من لحظتها ستصبح المسافات الطويلةُ لا تعني لك شيئا فِي كل سفر، وكأنهم يوصون أصحاب الحافلات أن خذوهم إلى أبعد نقطة تستطيعون. أذكر أنه في بداية تعييني، وبمجرد أن سمعت اسم المنطقة التي عينت فيها في نيابة زاكورة «تينزولين» شعرت أن الحروف التي تتكون منها هذه الكلمة غريبة على لساني واستغرق الأمر مني وقتا حتى استطعت أن أنطق الاسم دون أن أحدث فيه انقلابا وحتى استطعتُ أن أتعود عليه.
هناكَ لا تحتاجُ إلى شهادة عمل لتثبت بها أنك من رجال التعليمِ، سحنتك الغريبة وملاسبك النظيفة كفيلان بقول ذلك، وتصبحُ في أعين القوم الرَّجل الذي يفهم في كل شيءٍ ويُسْتَفتى في السياسة والطب، وليسَ عليك أن تقول «الله اعلم» فأنتَ «قاري تبارك الله».
وتكونُ محظوظاً جدا إذا وجدتَ أن منطقة تعيينكَ تتوفر على الماء والكهرباء في البيوت، وأن «الريزو» متوفر دائماً، فهذه ظروف لا يعيشُ فيها إلا أستاذ أو معلم مرضيُّ الوالديْنِ.
ومن الأشياء الغريبة في هذه المهنة أيضاً، أنها تصالحُ بين الخصوم فكريّاً ، إذ لا مجالَ لاكتساب أصدقاءَ من خارج مهنتك، فترى أن الإسلاميَّ واليساريَّ والقَاعِدِيَّ يجتمعونَ في بيتٍ واحد ويتسامرون ويتذكرون معاً نضالاتِ الكلية دون غضاضة أو مشاحنةٍ، إذ يصبح الأمر داخلاً في «تقرقيب الناب» و «قتل الوقت» وليس إفصاحاً عن قناعاتٍ أو دخولاً في نقاشات جادة.
لكنَّ الطرائفَ التي تحدثُ هناكَ كثيرةٌ جدا، أذكر منها  أنني كنتُ أقطنُ مع أحد الأساتذة في بيت اكتريناهُ معاً، وكنا لفرط المللِ في الليلِ نغني بصوتٍ مرتفعٍ أو نقرأ شعراً، أو نتحدثُ أو نلعبُ ولم نكن نعرفُ أن أطفال الدُوار كلَّهم  مجتمعون أمام الباب يستمعونَ إلينا،وأننا بالنسبة لهم صرنا محطة إذاعية جديدةً تستحق الاهتمامَ، حتى سمعتُ في أحد الصباحاتٍ تلميذاً يردد بيتاً شعريا قضيت الليل في تَرداده ، وحين سألتُهُ أفصحَ لي عن كل ما كان يحدثُ في غفلةٍ مني ومن زميلي، فقررنا إغلاق المحطة.
وأذكر أيضاً أنني مرةً طردتُ تلميذاً من الفصل وطالبته بإحضارِ وليِّ أمرهِ لشيءٍ كانَ فعلهُ ولم أعد أتذكره ، وحين أحضر وليَّ أمره ، وكان رجلاً كبيراً في السن يرى الأستاذَ امتداداً لفقهاء أمس، حتى إنه حاول تقبيل يدي لولا أنني خطفتها ، ثُمَّ سألني «علاش زْعَقْتي على ولدي»، و»زعقتي» كلمة محلية تعني طردتَ ولم أكنْ حينها أعرفُ معناه، فقلتُ لهُ: «أنا غير جْرِيتْ عْلِيهْ من القسم كعما زعقت عليه»، ولكنني رأيتُ أستاذاً كان في الإدارة معنا يضحكُ بشدة ففهمتُ معنى الكلمة.

محمد عريج (أستاذ) – عن جريدة الصباح المغربية

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.