رغيف خبز بصفعة2 // علبة السردين..

0 351

عندما اشترى أخي احمد علبة السردين من بقال الحي انتابتني موجة فرح لم أكد أخفيها وما أدراك ما يمثله السمك بالنسبة لبلدة لابحر فيها،وهو يمسك رغيف الخبز والعلبة في يديه ويتقدمني بخطواته المتسعة على خطواتي بدوت كقط جائع احاول اللحاق به وعيناي تكاد تحدث ثقبا في العلبة، حتى وصلنا مستقرنا أخيرا،أخذ أخي سكينا وبدأ بفتح العلبة وأنا أجلس القرفصاء بجانبه كمن يتربص بفريسة ، وحين إنتهى أفرغها في صحن بالي وقام بقسمة عادلة، حيث كان نصيب الواحد منا سمكة ونصف و قليلا من الزيت، مع أفضلية بالنسبة إلي إذ قمت بتمرير كسرة خبز على العلبة بعد إفراغها، ثم اصغيت لجسدي النحيل وأنا ملقى على ظهري أراجع دروس الحصة المسائية ورائحة السمك تنبعث مني. وأنا كذلك حدثني أخي أنه وجب علينا مقابلة الحارس العام مساءا، عاملا بوصية عمي في حالة لم نجد أسماءنا ضمن المستفدين من دار الطالب، وذلك ما حدث بالفعل هذا الأخير الذي أمدنا بورقة صغيرة لم أعرف ما خط بداخلها، وكانت ورقة أمل أخيرة بالنسبة لنا، إذ كانت كافية لجعل مدير *الخيرية* يأمر المكلف بحراسة التلاميذ بأن يضيف أسماءنا في مؤخرة القائمة،بعدما كان قدرنا أن نوضع في مؤخرة المغرب الغير النافع ، و نفث دخان سيجارته الرخيصة في وجوهنا وولج مكتبه الموجود في مدخل باب المؤسسة، كان وقت العشاء قد اقترب لذلك فضلنا الإنتظار وخوفا من ألا نجد أسماءنا ثانية، جلست قرب المطبخ أو هذا ما أملاه علي بطني الجائع قبل أن يأمرني رجل شديد السواد يمكن أن ترى داخل فمه وتعد أسنانه بسبب استرخاء شاربيه، نفذت الأمر حتى لا أثير حفيظته، فيما بعد عرفت أنه*العم باري* الطباخ الطيب تساعده في ذلك زوجته وبناته ، وحولت الوجهة قرب وعاء ماء كبير يوضع فوقه كوب فارغ متروك عرضة للحشرات والأوساخ ومنه يروي التلاميذ عطشهم وكم مرة أغمضت عيناي وشربت رغما عني لغياب البديل. بالقرب منه وأمام غرفة صغيرة يجلس رجل مسن ثيابه رثة يحمل كومة من المفاتح يدعى*ميدي* متقاعد من الجيش اخبرني أخي أنه المقتصد ، تأملته جيدا وأدركت حالة الإقتصاد الوطني كله ولم يخب ظني فلا الفرق بينهما ف”ميدي” عجوز والإقتصاد فيه عجز مستمر إلى مشاء الله ، بعدها أخرج سرة من تحت جلبابه المتسخة وفتحها ووضع بعض التبغ المخلوط بالرماد تحت شاربيه، وبدأ في البصق في مشهد مروع قبل أن يناديه العم الطيب-باري- ليتسلم الخبز من صاحب المخبزة ويقوم بعده ،جمع جسده الرث وتوجه نحو الخبز مباشرة دون أن يكلف نفسه عناء تنظيف يديه. بدأ الظلام حينئذ يعم المكان فتبعت أخي أحمد نحو إحدى الغرف الطينية المخصصة للنوم لرؤية زميل له، تلك الغرف كانت شبيهة بسجن، أفرشته بالية تنبعث منها روائح البول ومتسخة أيضا، كما أن الأطفال يتبولون في الساحة هناك قرب منصة من الإسمنت لغياب مرحاض في المؤسسة وينتظرون جنح الظلام ليقضوا حاجتهم الثقيلة بجانب منزل السيد |الواسمين” الذي يترصدهم خفية ليمنعهم من ذلك لكن دون جدوى لذلك يغضب أحيانا ويقذف الجناة بالحجر، لقد كانت “لاخيرية “غير مجهزة بما يليق ببراءة الطفولة و لا تحقق شروط الدراسة الحقة. وانا أتأمل الوضع الكارثي هناك وكأني تابع لهيئة تحقيق دولية، سمعت طرقا على الباب وبدأ التلاميذ يتجهون نحوه إنه إعلان موعد العشاء، نفس الطابور نفس الجوعى و نفس المكلف يحمل نفس الأئحة ويقف -ميدي- هذه بجانيه كشبح مخيف، حاولت تجنب تفحصه بعيناي الصغيرتان حتى لا أتذكر مشهده وهو يلمس الخبز بيديه العفنتين ونحن مقبلين على وجبة العشاء. وولجنا قاعة الطعام أخيرا حيث يجلس ثمانية أفراد في الطاولة الواحدة لم أجد كرسيا طبعا لأني أخر من نودي عليه وكان علي تناول طعامي واقفا ، وكانت وجبة العشاء تلك مكونة من جرة حبيبات لمنع الجوع التي أكره ونصف رغيف للفرد، أخذنا وأخي رغيفنا وقبل المغادرة أمرنا المكلف بأنه على كل من اليوم فصاعدا الإلتزام بطاولته بعد أن رقمهم من واحد إلى تسعة، وكنت أيضا في الطاولة الأخيرة، وهكذا استمرت الحكاية واجتاز أخي امتحان الدورة الأولى واستفاد من عطلة استثنائية وكنت أخبر زملائي بوجوده في البيت الذي نستقر فيه لأحظى على الأقل برغيف خبز إضافي،لم أجد معارضة منهم لكن المفتصد سامحه الله كان يمنعني وعندما أصررت وتمسكت برأيي، لم يجد معارضي “ميدي” بدا من الوشاية بي، ليستدعيني المدير قبل تناول الغذاء في صبيحة أحد الأيام وقال لي ماذا تريد؟ أجبت رغيف خبز أخي ، صفعني بشدة وقال هذه أخر مرة تعيد الطلب هنا أدركت أنه للحصول على الخبز في بلدي وجب أن تتألم وتصفع، وتهان وتمرغ كرامتك في التراب وأشياء أخرى.. حبست دمعة في مفلتي همت بالخروج وعدت إلى مكاني في الطاولة فضول زملائي لم يمنعهم من السؤال عما جرى في حضرة المدير أجبتهم أنه نهاني عن طلب الرغيف ولم أزد قبل أن يفضحني خدي الأيمن الذي امسى أحمرا بسبب الصفعة. للحكاية بقية إذن عن كيف كان للخبز تأثير في إنتمائي السياسي؟ في القادم طبعا تروى الحكاية. لكم مودتي وتقديري.

خالد بلحاج

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.