بالصور..مناقشة أطروحة جامعية تعالج أدوار رجل السلطة في الضبط
شهدت رحاب كلية العلوم القانونية والإقتصادية والإجتماعية بجامعة القاضي عياض بمراكش يوم السبت 25 من الشهر الجاري حدث مناقشة أطروحة للدكتوراه في القانون العام تقدم بها الطالب الباحث ورجل السلطة “أحمد زابيلا” في موضوع: “دور رجل السلطة في الضبط السياسي والأمني والإقتصادي والاجتماعي” والتي إشتغل عليها في إطار وحدة التكوين والبحث القانون الدستوري وعلم السياسة بنفس الكلية، وأمام لجنة علمية ضمت كل من الأستاذ الدكتور ” حسن صحيب، بصفته مقررا ورئيسا” والأستاذ الدكتور «محمد بن طلحة الدكالي” الذي تفضل بالإشراف على هاته الأطروحة ، وعضوية السادة الأساتذة : الدكتور “محمد أشلواح”، والدكتورة “السعدية بورايت”، والدكتور “محمد العابدة”.
وبعد مناقشة الأطروحة من قبل السادة الأساتذة أعضاء لجنة المناقشة، قررت اللجنة التنويه بهذا العمل العلمي، ومنح الطالب شهادة الدكتوراه بميزة مشرف جدا مع توصية بالنشر.
وحول موضوع الأطروحة ، يؤكد الدكتور محمد بن طلحة الدكالي بأن هذا البحث العلمي يندرج في إطار إنفتاح وإنخراط جامعة القاضي عياض في دينامية التأصيل القانوني الجديد لمفهوم رجل السلطة في بلادنا حتى يشكل رافعة جديدة في بناء دولة القانون والمجتمع الحداثي كما أن الأطروحة جاءت في إطار سياق النقاش الدائر حاليا والتطور الذي عرفته بنية ووظيفة الإدارة المغربية، لاسيما على مستوى الإدارة الترابية لمواكبة حركية المجتمع وتطوره، للإنتقال من المفهوم التقليدي للإدارة المحكوم عادة بالهاجس الضبطي إلى تبني المفهوم الجديد للسلطة، القائم على الحكامة المجالية، وعبر إنتهاج سياسة القرب والانفتاح على تطلعات الساكنة والانكباب الإجرائي على معالجة الإشكالات التنموية على الصعيد المحلي و الوطني و الجهوي.
كما أعتبر السادة الأساتذة أعضاء لجنة المناقشة، موضوع الأطروحة عاملا محفزا لكافة الطلبة والباحثين لإرشادهم لبذل الجهود في مجال التحصيل العلمي أولا، ومواصلة البحث في التأصيل لمفهوم الإدارة وعملها لتثبيت حكامة ترابية تستجيب لتطلعات المواطن المغربي في الحدود التي وضعها القانون وكذلك الضوابط المهنية التي تحكم عمل ومهمة رجل السلطة داخل هرم الإدارة الترابية من جهة ثانية.
ومن بين أهم الخلاصات والاستنتاجات التي خلص إليها الباحث هي أن مسألة الإنتقال من إدارة الضبط والتوجيه، إلى إدارة التخطيط الترابي يشكل رافعة أساسية للمشاريع التنموية المحلية والجهوية، ويستوجب تجاوز بعض أشكال البيروقراطية، والمبالغة في التراتبية الإدارية، التي غالبا ما تكون سببا مباشرا في عرقلة المشاريع التنموية، والتي أصبحت من التحديات الكبرى للبلاد.
ومن تم فحتمية تكريس مقاربات التنمية الترابية، يعد أحد المداخل الأساسية لتجسيد المفهوم الجديد للسلطة، ليصبح خيارا وتوجها استراتيجيا لا محيد عنه، إذا أردنا أن نؤسس لنهضة تنموية محلية، تستحضر الخصوصية المحلية لبلورة نماذج تنموية قادرة على تحقيق الطفرة التنموية، عبر بلورة القرار التنموي المحلي، وهو المعطى الذي يستلزم إقامة قنوات لتصريف الشأن العام على صعيد مختلف مستويات الإدارة الترابية وفق المقاربة التدبيرية الجديدة.
كما توقفت الأطروحة عند إشكالية أساسية والمتمثلة في مؤسسة رجل السلطة ووظائفه والدور المحوري لهذه المؤسسة الإستراتيجية في النظام الإداري المغربي، باعتبارها أداة إجرائية لتفعيل السياسة الحكومية على المستوى المحلي والاقليمي والجهوي.
ينضاف إلى ذلك، مجموعة أخرى قد تكون من بين المآخذ والعيوب المثارة حول مؤسسة رجل السلطة كبنية إدارية تضطلع بالوظيفة التقليدية للدولة المتمثلة أساسا في الحفاظ على الأمن والنظام العام كوظيفة ثابتة في الزمان والمكان ، مما قد يحد من فعاليتها في لعب دورها الجديد في تحقيق البعد التنموي، نظرا للتحول الذي حصل على مستوى تحديد الأولويات التي أصبحت تواجهها الدولة، والتي جعلت من المسألة التنموية رهانا حقيقيا ، كما عكس ذلك الخطاب الملكي السامي ل 12 أكتوبر 1999 حول المفهوم الجديد للسلطة، والذي أعتبر في جوهره دعوة صريحة إلى تحديث وعصرنة الإدارة الترابية في أفق دمقرطتها وتفعيل دورها التنموي.
ويرى الباحث أن مؤسسة رجل السلطة عرفت أيضا إتساعا ملحوظا، إمتد إلى كل المجالات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية حتى زاوج بين الأمن والتنمية وبات لا يمكن الفصل بينهما، لدرجة أن الواحد يكمل الآخر ، بل وقد يتعايشان بشكل خفي أو جلي، حسب طبيعة العمل والمهمة المسندة، وطريقة التدبير ونوعية الفرقاء والشركاء.
وهنا توقف الباحث عند الدعوة إلى تجاوز المقاربات التحليلية الكلاسيكية لدور ومهام رجل السلطة وإمتداد نفوذه داخل المجال الترابي إلى تبني المفهوم الجديد للسلطة، والتحليل الكيفي لتنزيل السياسات العمومية خاصة في ظل مجموعة من الرهانات التي تفرض على رجل السلطة أن يكون في مستوى التحديات.
ولا شك أن دراسة ومناقشة موضوع دور رجل السلطة في الضبط السياسي الأمني، الاقتصادي، والاجتماعي إستلزمت من الباحث اعتماد مجموعة من المناهج أولها المنهج التاريخي الذي يسعف الباحث في معرفة الجذور الأولى والتطور التاريخي للموضوع، مع المزاوجة بين المنهج الوظيفي والمنهج المقارن للإجابة عن الإشكالات التي يثيرها موضوع الأطروحة مع تبيان أوجه التشابه والاختلاف وتحديد مواطن النقص والقصور بين القوانين الوطنية والأجنبية.
بالإضافة إلى ذلك، فقد إعتمد الباحث على تداخل المنهج الرقمي مع المناهج السابقة في تحليل ظاهرة رجل السلطة كوسيلة حديثة، ساعدت الباحث على إعتماد مجموعة من المواقع الرقمية (الالكترونية) باعتبارها أصبحت من بين المراجع المعتمدة في العديد من الدراسات والأبحاث القانونية في الوصول إلى النتائج التالية:
• الإنتقال من الدور التمثيلي الرمزي لرجل السلطة وغياب التأطير القانوني الصحيح والسليم لمؤسسة رجل السلطة خلال فترة الحماية إلى الإستقلال وإعادة إحياء الأدوار المجمدة لرجال السلطة من خلال إصدار الظهيرين الشريفين رقمي 1.56.046 و1.56.047 الصادرين في 20 مارس 1956 بتحديد النظام الأساسي للعمال والقواد واللذين ستتوالى بعدهما العديد من النصوص القانونية والتشريعية ذات الصلة بمهام واختصاصات رجال السلطة.
• بالرغم من أهمية المستجدات التشريعية التي جاء بها ظهير 31 يونيو 2008 الخاص بهيئة رجال السلطة، والتي تبدت في وضع بنية رباعية لهذه الهيئة (العمال؛ الباشوات؛ القواد؛ خلفاء القواد)، إلى جانب اهتمامها بجميع جوانب الحياة الإدارية والمالية لرجل السلطة، لكنها أغفلت ذكر هرم هذه البنية وهو الوالي، حيث يعتبر هذا الأخير رأس هرم الإدارة الترابية في بلادنا، ويخضع لوصايته وإشرافه العمال التابعين لدائرة نفوذه.
• إعتماد المغرب على صيغة التكوين النظري والتطبيقي للمزاوجة بين مهام رجال السلطة والادوار المنوطة داخل الإدارة الترابية من خلال تكوين متكامل ورفيع المستوى، وإعتماد مساطر خاصة لتولي مهام المسؤولية داخل مسار رجال السلطة وفقا للكفاءة ومبدأ الإستحقاق بالإضافة لربط المسؤولية بالمحاسبة.
• تشعب الأدوار التدبيرية والمهام الخاصة برجال السلطة بين الشرطة الإدارية والشرطة القضائية والمهام الحديثة المرتبطة بالمفهوم الجديد للسلطة وما يتطلبه ذلك من ضرورة الإحتكاك المباشر والمعالجة الميدانية لمشاكل المواطنين وإشراكهم آلية التواصل المستمرة.
• القصور المسجل على مستوى القانون الجنائي في حصر الصفة الضبطية على بعض من رجال السلطة دون غيرهم كرؤساء الدوائر.
• ضرورة توفير الوسائل التقنية واللوجستيكة للتنسيق مع المصالح الوزارية الخارجية في المجال الاجتماعي وبالضبط في ميدان التعليم، وأيضا في المجال الصحي. ناهيك عن ضرورة ملائمة مهام رجال السطلة وفقا للمفهوم القانوني للشرطة القضائية تفاديا لحالات التنافي أو غياب السند القانوني بالنظر للأدوار الأمنية للمحافظة على النظام العام داخل نفوذه الترابي والإداري.
• ظلت الإدارة الترابية المركزية والإقليمية والمحلية المشرف الأول والوحيد على تقنين وتنظيم الاستحقاقات الانتخابية عبر المسار الانتخابي الذي عرفه المغرب منذ الاستقلال إلى اليوم . ويقوم خلالها رجل السلطة المحلية بدور فعال ورئيسي في الانتخابات ابتداء من عملية التقطيع الإداري للدوائر الانتخابية، مرورا بإعداد مكاتب التصويت وتعيين رؤسائها، وصولا إلى الإشراف على العملية الانتخابية وإعلان النتائج.
• أسندت السلطة المركزية لرجل السلطة المحلية مهمة تنزيل البرامج التنموية ومشاريع المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، حيث أنه يقوم بدور مهم قبل إنشاء المشاريع والأنشطة المدرة للدخل، وهو المسؤول عن عملية إحصاء المستفيدين من هذه المشاريع ومراقبة مدى توفرهم على شروط ومعايير الاستفادة، من خلال البحث المفصل حول الحالة الاجتماعية للمرشحين للاستفادة، وكذا تحديد الأشخاص والأماكن المناسبة لإقامة هذه المشاريع.
• يلعب رجل السلطة دورا مهما في ضبط المجال العمراني من خلال الوقوف على كل تجلياته وأقلمتها مع القوانين المنظمة له واستثمار هذا المجال كرافعة للتنمية المحلية.
• محدودية الإستراتيجية الجديدة في الوصاية على الجماعات السلالية بالمغرب لإدماج أفراد الجماعات في مسلسل التنمية البشرية للساكنة القروية ومعالجة النواقص التشريعية.
• يعتبر تحقيق الحماية الاجتماعية مدخلا ضروريا للنهوض بالعنصر البشري، وذلك نظرا لكونه عاملا أساسيا في التنمية، ولبنة من لبنات بناء مجتمع تسوده العدالة المجالية والاجتماعية التي نادى بها الملك محمد السادس حفظه الله في العديد من خطاباته السامية.
• ضرورة توفر رجال السلطة على مقاربة إستباقية قوامها الإجراءات والتدابير الإستعجالية للحد من التداعيات الصعبة والمقلقة لوباء كورونا كوفيد-19، حيث برز دور رجال السلطة بشكل لافت أعاد للدولة هيبتها ووقارها، وأثبت أهمية الوظيفة التدخلية للدولة ووجاهة مقاربتها في هذا الشأن.
• الدور المهم لرجل السلطة في تدبير الأزمات والمخاطر الناتجة عن الجوائح والكوارث الطبيعية بالأساس، سواء الوقائي أو الآني أو البعدي، كما الحال عند الزلازل او الفياضانات ، أو تطبيق حالة الطوارئ الصحية وما ترتب عن ذلك من تراجع لمؤسسات ومصالح لفائدة قوة وحضور رجال السلطة وفق المرسوم الخاص بإعلان حالة الطوارئ الصحية ببلادنا رغم الفراغ التشريعي للتعاطي مع الحالات الاستثنائية.