العفاريت والتماسيح مستاءون من الأمطار
حينما عينت الحكومة الجديدة بقيادة حزب العدالة والتنمية شتاء سنة 2012 وفي ظل أجواء الربيع الديمقراطي، وتحت وطأة أزمة اقتصادية عالمية خانقة، كانت مؤشرات معدل النمو لدى الكثير من الدول تنحو نحو الانخفاض. الشيء الذي انعكس سلبا على القطاعات الاجتماعية وارتفاع تكاليف العيش، وازدياد معدل البطالة. ومن هذه الدول مملكتنا الشريفة التي زادها شح الأمطار جرعة أخرى من السوء والركود الاقتصادي.
إزاء هذه التطورات، عرف المشهد السياسي ببلادنا تقاطبات عدة تمثلت في مباشرة الإصلاحات العميقة التي دشنتها الحكومة من قبيل إرساء أسس الدولة الديمقراطية وتعديل القوانين حتى تنسجم مع الدستور الجديد. ومن تجليات ذلك، الإعلان عن المأذونيات ودفاتر تحملات القطب السمعي البصري العمومي والزيادة في منح الطلبة، وإحداث مجموعة من الصناديق الهدف منها إعادة الاعتبار للفئات المعوزة، دون المساس بمصالح الطبقة الوسطى إلى غير ذلك من الإجراءات والتدابير.
وقد اتسمت مواقف المعارضة تجاه خطوات الحكومة في غالب الأحيان بالتشنج والارتياب، وفي أسوأ الأحوال بالمقاومة والتقليل من أثرها. كما برزت مصطلحات تم إغناء القاموس السياسي بها من مثل التماسيح والعفاريت التي وردت على لسان السيد رئيس الحكومة في معرض حديثه عن ردة فعل رؤوس الفساد، أي بمعنى مفهوم “جيوب مقاومة التغيير” الذي جادت به تجربة التناوب مطلع الألفية الثالثة.
في الديمقراطيات العريقة، المعارضة تساند الحكومة حينما تكون سمعة البلاد ومكانتها على المحك، أو حينما تكون القرارات مرتبطة بالسيادة ولها انعكاس واضح على مستقبل البلاد اقتصاديا واجتماعيا. لكن معارضتنا تسير بمنطق المقابل الحتمي لتوجهات الأغلبية أبيض مقابل أسود وليس هناك لون آخر. معارضة ميكانيكية تروم إفشال مخططات الحكومة قصد تشويه سمعتها والنيل من شعبيتها. المعارضة ولوبي الفساد مستاءان هذه الأيام من أمطار الخير ومن الموسم الفلاحي الجيد. ليس لأنهم متبرمون من قضاء الله وقدره، أو لأنهم في غنى عن الخصب والمحصول الواعد للخضر والفواكه، ولكن لأن هذه الأمطار دخلت في وئام وتضامن وانسجام مع حكومة الأستاذ عبد الإله بنكيران. أو الرجل الخطير بشهادة رئيس فريق الأصالة والمعاصرة الذي لم يجد حرجا في قول شهادة الحق في شخص السيد رئيس الحكومة. ولا يفهم من كلامنا أننا ندعو إلى إلغاء المعارضة أو نسعى لحشرها بدائرة التخوين والعمل ضمن أجندات أخرى، وإنما الغرض هو أن تكون المعارضة قوية بمقترحاتها ومبادراتها النوعية وتقديم البدائل والحلول للمعضلات الكبرى. معارضة تقول للحكومة أحسنت عندما تحسن أو أسأت عندما تختار قرارات تبدو غير شعبية أو تسير في اتجاه الإجهاز على المكتسبات.
المواطنة الحقة هي تلك التي تقتضي من الجميع التعبئة واستنهاض الهمم من أجل أن تنجح التجربة الديمقراطية وبالتالي يكون الوطن هو الرابح الأكبر بجميع أطيافه السياسية وفعالياته المدنية والاجتماعية وفاعليه الاقتصاديين.
ليس من الوطنية في شيء، أن تنظر المعارضة إلى الأغلبية الحاكمة بعين انتخابوية ضيقة وتكون مراميها تقوية هيئاتها وشل مكونات الحكومة بتبخيس الخطط وتسفيه المشاريع، وبالتالي إضعاف البلاد، أو إيثار مصلحتها الخاصة على المصالح العليا للوطن.
ومن جهة أخرى،على الحكومة أن تشرك المعارضة وسائر الفاعلين في مناقشة القضايا الكبرى للوطن وتوسع الاستشارة مع ذوي الاختصاص حتى يتحمل الجميع مسؤوليته كاملة ودون تبادل للتهم.