بصمة الأصل – البناء التقليدي بدرعة – Hassan Garaaouch

0 868

basmat-amal-daraa-11– تقديم
إن أجمل أيام عشناها في الماضي القريب أو عاشها أجدادنا تلك التي تربطنا بالأصل، ولعل هذا الأخير كل ما يتعلق بتراثنا الأصيل ، وهو ما يدفع بنا إلى الحفاظ على هذه المأثورات الخالدة والحفاظ عليها وتدوينها، بل وحتى حفظها في الذاكرة فهي من التاريخ الذي يروي حياة أجيال هذا الموقع أو هذا التراث إن شئنا القول.
لعل دراسة المنازل القديمة والمباني بصفة عامة يبقى من الضروريات، والحديث هنا يبدأ من إحدى التحف الأصيلة في أحد أقدم وأعرق القصور بمدينة زاكورة، إنه منزل بدوار المنصورية . والتي تقع جنوب شرق زاكورة على بعد تسع كيلومترات من عمالة الإقليم على حافة الوادي.هذا القصر البديع في الجمال والهندسة والزخرفة القديمة يتميز بعدة أشياء لها عدة أبعاد ثقافية ومعتقدات ترتبط أحيانا بالخرافات والأفكار التي تدعو للبحث في هذا النوع من التراث الثقافي والأثري.فها نحن نراه محاطا بسور واحد يحيط بكل منازله، ومن كل النواحي على شكل مربع منظم، وإلى جانب كل هذا توجد بهذا القصر أبراج للمراقبة وحفظ الأمن الداخلي كما هو الحال في أغلب قصور درعة ، هناك أبراج المراقبة وهذا من دواعي بناء هذا الحائط ، إذ أن هذه الأبراج كما سلف الذكر بنيت للحماية فقد كان أهل القصر يبنونها لمراقبة إما العدو الفرنسي إبان الحماية ، وقبله كانت لصد القبائل المعادية فترة الحروب القبلية التي كانت قبل الاستعمار، أي منذ الفترة البرتغالية.

-2 مواد وتقنيات البناء
لعلنْا إذا نظرنا الي مدينة زاكورة من الأعلى أي إذا أخدنا لها صورة جوية سنلاحظ أن جل بناياتهاذات اللون الأحمر الطيني , هذا بالتأكيد يوحي إلى أن هذه البنايات والقصور أغلبها هو مبني بالطين كذالك هذا القصر أو الدوار {دوار المنصورية} إذ أنه بنييت أسواره بالتراب الطين والأجور المصنوع من الطين [الطوب] والألواح فهذه الأسوار العالية تبنى بطريقة و بتقنيات عالية الدقة والإبداع ,وعندما نتحذث هنا عن القصر فنحن أيضا نتحدث عن المنزل الذي أتينا على وصفه ذلك أن المواد التي بني بها هي نفسها المواد التي استعملت في جل المنازل ليس فقط في هذا القصر بل في كل قصور درعة التي تزامنت مع هذا القصر ,وبالمناسبة ولكي لا ننسى فعمر هذا القصر يزيد عن 600سنة بحسب الرواية الشفوية وفي الشريط الملحق ما يفيد هذا الطرح,غير أنه يبقى الرافد الثانوي للقصر القديم الذي هو بجانبه ولم يتبقى منه إلا بعض الإشارات التي توحي إلي وجود بنايات في عين المكان,وكي لا نخرج عن إطار هذا المحوردعنا نثحدث عن التقنيات المستعملة في البناء إذ نجد المعلم مولاي وهو رجل معروف بتقنياته في بناء الأسوار (اللوح) كما أنه لايعرف عطلة ولا أي شيء من هذا القبيل, فدقته وطريقته في بناء المنازل تجعل الطلب عليه متزايد وعندما يريد أحد بناء منزل أو دار فإنه يبحث على هذا المعلم نظرا لمهارته وهذا غالبا ما يأتي ومعه عمله الخاصين الذين يتق في مهارتهم وتفانيهم في العمل . فهاهو المعلم يقبل للبناء بعد الاتفاق مع سيد الأرض التي يرغب في بنائها حول شكل وطريقة البناء وعدد التي يريدها في منزله وحول المواد التي سيستعملها المعلم في ذلك , وحول الثمن الذي كان آنذاك على شكل مبادلات عينية . إذن يأتي المعلم وعماله في اليوم التالي ليشرعو في العمل ومعهم الأدوات الضرورية لذلك “أوراق اللوح ,التابوت ,المركز ,القفاف المصنوعة من سعف النخيل , العتلة , القنب المصنوعة من زيوان النخيل , الخبطة الفاس الخاص بالحفر الركايز وعددهم في الغالب أربعة الى ستة , القالب المزدوج المصنوع من الخشب ” غير أن هذا النوع من البناء له خاصيات أخرى , فلا يمكن البناء بأي نوع من التربة فالبناء له تربة خاصة ذات التماسك السريع والمعلكة شيئا ما , وذات قدرة على تحمل الأمطار الغزيرة , لا يمكن البناء بالتربة الرملية المختلطة بالرمل وفي ذلك يقول المثل الشعبي المشهور
سور الرمل لاتعليه                      أولا تعمق من ساسو
ولد الناس لاتوصيه                      يكبر وول لناس
كي لانخرج عن الإطار نجد المعلم يقبل على البناء ويوزع المهام في الأول يأخذ هو أوراق اللوح بعد حفر الساس الذي عمقه ما بين متر ومتر ونصف وعرضه ما بين سبعين إلى ثمانين سنتيما فيضعها أي الأوراق وينزلها في الساس ثم يضع التابوت حيث يكون طوله واحد متر وعرضه ما بين اربعين الى خمسين سنتيما أما أوراق اللوح فطولها مترين وعرضها متر وهي إثنان ومثلها في التابوت بعد ذلك يأخذ القياس الذي أراد بناء الألواح به مثلا لوح الخمسين أو لوح الربعين وذلك بواسطة عصا يأخذ قياسها بدراعه أو أحد من عماله يكون أطول أو أقصر منه وذلك يكون بقياس العصا من أطول راس أطول اصابع يده حتى المرفق وبعده يثبت هذه الأوراق بالركائز التي يشدها بالقنب وبإحكام , ثم يكلف إثنان من العمال او ثلاثة بصناعة الطوب الطيني بالقالب الذي طوله عشرين على عشر سنتيمات وذلك لأنه لازال في مرحلة البداية ولا يحتاجه لأان ثم يهم وينزل في اللوح ويتكلف العمال الباقين بالحفر وإمداده بالتراب فأحدهم يحفر وأخر يملئ القفاف وإثنان يتناوبان على حملها والأخر بإعطائها للمعلم الذي يفرغها في المكان المناسب داخل اللوح ثم يدك عليها برجله ويكون معه أخر يأخذ دوره في تفريغ القفاف داخل اللوح بعدها يأخذ المعلم المركز ويدك التراب ويكون هذا المركز مربعا وبه يد طويلة ويزن حوالي عشرة كيلو, ويهم بالدك وهكذا حتى يكمل اللوح الأول فيقوم بفك الأوراق والتابوت بمساعدة العمال ويشرعون في قول الكلمة التي لازالت تتداول حتى يومنا هذا بصوت مرتفع ” والله مصلي عليك أرسول الله” ثلاث أو أربع مرات وبعد فتح اللوح يأخد بضربه ” بالخباطة” لإعطائه شكل سلس وهكذا بنفس العملية تبنى الألواح كلها على نفس المنوال حتى يحيط بكل المساحة التي يرغب في بنائها وعلى علو السقف الأول الذي يريده صاحب المنزل ثم يتحول لتقسيمها من الداخل الى بيوت وغرف بلوح واحد في البداية ويتركها لتجف لمدة تتراوح ما بين ثلاث إلى أربعة أيام , وبهذه الطريقة تبنى كل المنازل والقصور المتواجدة بضواحي وادي درعة خلال تلك الفترة . أما الطوب فتبنى به السواري أي الأعمدة التي يرفع بها سقف الغرف ذات المساحات الشاسعة فتوضع مرتبة في شكل قالب أسطواني أو رباعي الأضلاع وعند الانتهاء من بناء الألواح بحسب علو الدار تأتي مرحلة تسقيفه حيث يدخل في ذلك القصب وجريد النخل والطين المختلط بالتبن وخشب النخيل والسعف وخشاش القصب فيوضع الخشب في البداية ويلصق بالطين ثم ينضم القصب من فوقه بشكل منظم ودقيق بعدها يوضع عليه الخشب وخشاش القصب ومن فوقه الطين لسد الثقوب الصغيرة وتثبيت الخشاش ثم يفرش فوقه التراب ويضرب فوقه باليد ثم يرش بالماء لكي يتماسك وعلى هذا تبنى كل طبقات المنزل وكذلك تبنى” الرحبة بالطوب” التي قلنا في بداية وصفنا أنها ترفع بأعمدة وتكون في شكل مربع على حوالي إثنان متر مربع قصد إضاءة المنزل من الأسفل إلى الأعلى وهي غير مغطاة وهي توجد في كل منزل من منازل درعة , وفي ذلك إشارة إلى أن هناك نوع من الإتحاد ووحدة الثقافة والفكر بهذه القصور, إذ نجد أن أغلبها يبنى بنفس التقنيات الهندسية إضافة إلى اننا نجد نفس المعتقدات عن أهالي المنطقة وللتشابه حتى في تسمية الغرف وعددها وشكلها , ولا نغفل القول على أن هذا الطوب له دور كبير في الزخرفة الفنية فهو يستعمل لإعطاء شكل مقوس لمدخل الغرف وأيضا لبناء ” الكانون” و”الكوشة” و”الفران الطيني” وبعض أماكن التدجين أغرو” ومكان وضع أكل الحيوانات الكبيرة “المدود أو المزود” وله استعمالات عدة ,أيضا الطين له استعمالات خاصة فمن ذلك ماذكرناه بالإضافة إلى أنه يستعمل لسد الثقوب وتلسيس الجدران وإعطاء المنزل صورة وجمالية , ولكي لاتكون به شقوق يخلط بالتراب الرملي والتبن . أن من مميزات هذا النوع من المنازل أنها تكون دائما ملائمة للظروف المناخية إذ تكون دافئة في فصل الشتاء وباردة في فصل الصيف إضافة إلى أنها تعيش لعمر أطول من المنازل الحديثة التي تبنى بالإسمنت والأجور وكل المواد الحديثة في البناء التي عرفت انتشارا كبيرا في الفترة الأخيرة وأصبحت تهدد البناء التقليدي وهذا يستدعي منا البحث عن حلول جذرية وعملية مستعجلة لأنقاد هذا التراث المحلي الذي لايوجد له مثيل في أي رقعة من العالم .

3حالات الحفاظ
إن الحفاظ على هذا التراث يستدعي منا الحزم والجد والرغبة كما سبق الذكر أعلاه , وذلك يكون في بداية الأمر بالتوعية والحسيس بأهمية هذا التراث وملائمته للسكنى والاستقرار فهذه البنايات تحمي من عدة أمراض كالحساسية وغيرها نظرا لأنها مبنية بمواد طبيعية ,إضافة إلى ضرورة ترميمها ودعم سكانها للقيام بذلك العمل , لكن هذا يتطلب دعم أصحاب هذه البنايات بكل مايلزم ماديا ومعنويا وهو ما شكل العقبة الكبرى أمام الحفاظ على هذا النوع من التراث الذي يدخل ضمن التراث الثقافي المادي , ذلك أن الدولة عليها أن تتحرك في هذا الاتجاه وتقدم كل المساعدات الضرورية قصد الترميم وليس الهدم وإنشاء منازل وعمارات بالنمط الحديث والتي لاستجيب للكثير من شروط الحياة اليومية ,بل يجب عليها أيضا حث الناس على البناء التقليدي الذي فيه ما يتلاءم والحياة الصحية والمعيشية للإنسان , لكن ما نراه اليوم هو على عكس كل ذلك إذ أن الدولة أول ما قامت به هو إغلاق المساجد القديمة وهدم بعضها وإنشاء أخرى حديثة عصرية هذا خطأ يستدعي من الباحثين في التراث التفاتة وإذا ما أمكن مراسلة السلطات المعنية لوقف الهدم حتى وإن كان الإغلاق ضروريا وإصلاح ما أفسده الزمن في هذه الأماكن زيادة على هذا ضرورة السرعة في اتجاه أهمية هذه المباني خاصة توعية الشيوخ الكبار والشباب بل وحتى النساء والأطفال واعتبارها من التراث من بصمات الأصل التي لايمكن التخلي عنها ولو نسبيا , وهذا يعتبر من جمالية المدينة وهو يساعد في إدخال موارد اقتصادية كبيرة للمدينة إن قمنا باستغلاله إجابيا ( السياحة ,زيارة المواسم الشهرية والسنوية , الإطلاع على سير الصلاح وشيوخ الزوايا وعلماء المنطقة …) كل هذا يساعد في الحفاظ على هذه القصور والقصبات والزوايا الى جانب القيام بإشارات وبرامج وثائقية إعلامية في هذا الإطار لجلب السياح الأجانب بل وحتى المحليين الذين لايعرفون القليل ولا الكثير عن هذه البنايات البديعة في الجمال والهندسة .

4لخلفيات الثقافية المرتبطة بهذا المنزل
إن أول مل يكتمل بناء المنزل يأخد صاحبه خروفا أو ديكا فيدبحه على عتبة الباب وفي ذلك معتقد بطرد شيطان من المنزل وطلب الإذن من الجن الذي يعتقدون أنه أول من يسكن المكان ويجب إرضائه وطلب الإذن منه للدخول , ينضاف إلى هذا أن هذه الذبيحة تعبير عن الفرحة وانتظار زيارة الجيران وإكرامهم في ذالك نمط من التعاون الاجتماعي وإبداء كرم صاحب المنزل , ( الساكن الجديد)
– باب الدريبة الباب الثانوي لباب القصر به يوجد ما يسمى بالناقور ” الخرسة” وهي بشكل شبه دائري تلصق بالباب ثم توضع أسفلها قطعة حديدية أخرى للنقر عليها وإذا كنت زائرا غريب عن القصر فإنك تنقر بالباب ثلاث مرات متوالية وتقول “ضيف الله ” وذلك أيضا يقال ثلاثا , وإن لم يرد عليك فأنت غير مرغوب فيه لدخول القصر أما إذا كنت من سكان القصر فإنك تنادي باسم أهل المنزل بعد النقر على الباب ثلاثا في صمت حتى تسمع صوتا من الداخل ثم تقول على سبيل المثال ” ياأيت لحسن ” وعندما يفتح لك الباب تقول بسم الله وتدخل بالرجل اليمنى .
– باب الدار وبه ثقب صغير ينظر منه النساء والأطفال لمعرفة من أتى قبل فتح الباب من أتى مع رب العائلة أو الذي فتح باب الدرب فإذا كان من العائلة فلا بأس أن تفتح له النسا ء أو الفتيات أما إذا كان غريبا فلا يفتح له إلا الرجال أو الأطفال الذكور أما اذا كانت إمرأة فلا يفتح له الباب إلا إذا كان معها رجل كزوجها أو إبنها . وإذا كانت مناسبة سعيدة فالزائر غالبا مايلبس الأبيض واذا كان حزنا فلا يلبس إلا الأسود والنساء لا يظهر أي جزء من أجسامهن فلا ترى منهن الا العينين وهذا طبعا كان في هذه القصور ولا زال البعض منه حتى يومنا هذا , وهذه الأشياء الرائعة البالغة في الحياء والإحترام بين النساء والرجال .
– بصمة اليد على بيت الخزين إذا نظرت إلى مدخل هذا البيت تجد أعلاه خمس بصمات يد بالجبس الأبيض تأخد شكل المدخل الذي يكون مقوسا وتوضع هذه لإعتقادهم أنها ترد العين أما اللون الأبيض ففيه دعوة إلى النظر بعين السلام والجود وأنه بين الكرم وأن أهله ذو القلوب الصافية ويكرمون الضيف بكل وأحسن ما لديهم , عن يمينك تجد غار عميق شيئا ما يسمى ” تاخبوتا “وبه توضع المفاتيح وقد جعل مظلما لتخويف الصغار من إدخال أيديهم فيه .
– طاجين أسود بأعلى الدار إذا ما نظرت الى هذا القصر أو غيره في تلك الفترة ستجد هذا الشيء الأسود وقد وضع لإعتقاد السكان أنه يحفظ المنازل من التأثر بالشتاء القوية وأيضا حفاظ الأهل من الأمراض وكذا لاعتقادهم أن الشيطان عندما يراه فإنه يخاف ويبتعد لضنه أنه أقوى منه وأقوى منه عداوة فلا يقرب منه . هذا وهناك العديد من الأشياء التي لم يسعني الحض في الكشف عنها وكتابتها نظرا لصعوبة أخد المعلومة ولو شفويا .

basmat-amal-daraa-25 – خلاصة
وخلاصة القول يبقى هذا الذي ذكرناه من أهم وأبرز مميزات البناء المنزلي بواحات وادي درعة رغم أنه لابد وأن نكون قد أغفلنا بعض التفاصيل وإن كانت صغيرة وذلك إما لصعوبة الحصول عليها أو عدم مجيئها في السياق إلا وأنه بكل ذلك حاولنا إعطاء صورة ولو شبه ملخصة عن الهندسة المعمارية وطريقة البناء وكذا أنواعه بهذه المنطقة التي لازال وإلى حد كبير يحاول سكانها الحفاظ على هذا التراث الثقافي المادي والمعنوي على الرغم من الزحف الذي نراه للبنايات الحديثة على هذا التراث , وقد يسعنا الزمن للمزيد من البحث والعطاء في أنواع أخرى من التراث الذي تزخر به مدينة زاكورة.

Hassan Garaaouch            Ms:Bassir Abd Samad

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.