حقيقة العمل التطوعي بالمغرب..
يشهد الجميع بأن المغرب بلد متميز، مخالف لباقي بلدان العالم في كل شيء، ولعل هذا راجع إلى طبيعة تركيبته البشرية وطريقة تفكير أهله ومسؤوليه الغامضة والمحيرة.. إنه بلد الاستثناءات كما يحلو للبعض نعته، في ظل ما سمي بالربيع الديموقراطي، وإذا كان الأمر كذلك فعلا، فإن هذا مدعاة للتساؤل، ومحفز في الوقت ذاته للبحث عن العوامل والأسباب الحقيقية التي جعلته حالة استثنائية في عالم أصبح شبيها بقرية صغيرة، خاصة وأن المغرب يصنف اليوم كأول دولة عربية من حيث الأمن والاستقرار ظاهريا على الأقل، لأننا نعلم حقيقة الأمر.. ولاشك أن هذا الاستثناء الذي شكله المغرب وحير معه المتتبعين نتاج عمل جبار، إنه دليل قاطع على أن هنالك جنود خفاء يشتغلون بصمت ليل نهار بتزكية من المسؤولين والمؤسسات الرسمية، ويضحون بالغالي والنفيس لأجل الحفاظ على المكتسبات، مستحضرين قوله تعالى: { وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمومنون}، نعم إنه العمل، فلا ثمار تجنى بدون عمل.. لكن عن أي عمل نتحدث هنا؟ إنه عمل من نوع خاص، فالعمل أنواع وأشكال وألوان، يختلف باختلاف العامل والوسيلة والغاية، عمل اصطلح على نعته بالعمل التطوعي غريب وعجيب، لأنه أصبح متفشيا في مجتمعنا لدرجة تثير الاستغراب وتطرح أكثر من علامات استفهام، قبل ذلك أوضح المقصود به، إنه دور أو مهمة تناط بفرد داخل المجتمع يقوم بها وفق شروط ومعايير محددة يوافق عليها الفرد دون الحصول على مقابل.. قمة الوطنية والتفاني في خدمة الوطن… أحسن به من خلق ومبدأ.. لن أبالغ إذا قلت إنه لا تكاد تخلو مؤسسة عمومية في وطننا الحبيب من نماذج لأولئك الوطنيين، بل إن عددهم في بعض الأحايين يفوق عدد الموظفين الرسميين، والعدد في تزايد مستمر، أليس هذا أمرا غريبا حقا ؟ ألا تستحق هذه الظاهرة وقفة تأمل ؟ ويا ليت أولئك الوطنيين التطوعيين يتحملون مسؤولية أنفسهم فقط، إننا نجدهم يعيلون جيشا من الأفراد، ما يعني أن أسرا أو عائلات بكاملها مجندة لخدمة الوطن، فقد تنوب الزوجة عن الزوج، والإبن عن الأب، وهكذا دواليك، المهم أن المهمة تؤدى بشكل يضمن السير العادي للمؤسسة. ما رأيكم في هؤلاء ؟ وما قولكم فيمن يمتص دماء أولئك الوطنيين ؟
ألا يطرح هذا أكثر من علامات استفهام ؟ نتبجح بشعارات رنانة كالديموقراطية والعدالة والمساواة، عن أي ديموقراطية يتحدثون ؟ إنه الفساد بعينه ينخر المجتمع، إنه الاستغلال والنهب والانتهازية الممنهجة في أسمى تجلياتها وتمظهراتها.. ما معنى أن فردا معيلا لأسرة أو عائلة يشتغل متطوعا في مؤسسة عمومية لسنوات وبانتظام ؟ ألا يعتبر هذا ضوءا أخضر لاستشراء الفساد ؟ أليس هذا تخريبا وتدميرا للوطنية الحقيقية والوطن ؟ إنه تطاول متبادل على حق الغير، وتعد سافر على حقوق الأفراد وكرامتهم، إننا بذلك أيها المتطوعون الوطنيون نسهم ونشارك في صناعة الفساد، فالمسؤولون في شخص المؤسسات عديمو الضمير يتطاولون على حقوق الأفراد بسياسة السرقة والتسويف والتماطل والظلم واستخفاف بالمسؤولية بوعي تام وإدراك لحقيقة الوضع. والمتطوع الوطني يتطاول هو الآخر على حقوق الآخرين، بالسرقة والتدليس والتزوير والتحايل، مستمدا قوته من لافتة يضعها على جبينه مكتوب عليها متطوع، قد تعفيه حتى من المتابعة والمحاسبة، من ستحاسب أصلا عاملا غير موجود قانونا، عامل يحاول إيجاد تبريرات واهية يشرعن بها لنفسه امتصاص دم الأبرياء من المستضعفين والمقهورين الذين لا حول لهم ولا قوة، على اعتبار أنه ممثل مباشر أو غير مباشر لمؤسسته، ذاك عامل النظافة يسرق أدوات التنظيف، وذاك طباخ يقتسم مع التلاميذ منحهم، وهذا متطوع في جماعة أو محكمة يفرض مكوسا على المواطنين، وهذا سائق متطوع يسرق البنزين وإطارات العجلات.. والآخر أستاذ متطوع يبتز التلاميذ داخل الفصل أو في حصص الدعم، والطامة الكبرى أن البعض يتخذ من التطوع قناعا في جمعيات ومنظمات حكومية لتصفية الحسابات مع خصومه أو السرقة بغطاء قانوني…إنه ظلم تراتبي تنازلي مسلط على الرقاب والعباد… ولكن من المستفيد ومن المتضرر ؟ لا شك أنه المواطن أولا والوطن أخيرا، فالمواطن الصالح يبني وطنا صالحا… وا أسفاه… وا ضميراه…
هكذا يتضح لنا إذن لماذا المغرب يشكل استثناء وبلد استقرار وأمان، تتعايش فيه ألوان وأصناف من البشر، تدعي الوطنية وما هي من الوطنية في شيء.. إنه فعلا استثناء.. السفينة في أعماق البحر، والجميع يصطاد في ماء عكر مع اختلاف الطعم، الحيتان كبيرة وصغيرة ستنوء السفينة بحملها يوما أيها المتطوعون الوطنيون.
تحية خالصة من أعماق القلب للأستاذ اسماعيل ,على هذه المساهمة القيمة , التي سلط من خلالها الضوء ,على العمل التطوعي بالمغرب , وأتمنى من أن تكون الرسالة وصلت إلى كل من يعنيهم الأمر . شكرا
بعد السلام، مشكور الأستاذ عبد الرحمن أيت قاسي على مرورك من هنا