وزراؤنا ووهمية استراحة المحاربين ؟

0 358

سعيـد بوخليـط - باحث مغربي
سعيـد بوخليـط – باحث مغربي

لدى المجموعات الإنسانية،التي تتسامى حقا بوجودها،وعندما نعاين مسيرة مسؤولين محترمين كثيرين هناك،ثم ارتباطا بدورة سياسية لاتكف عن الدوران وفق أهداف مضبوطة،سنلاحظ بأن رجل الدولة لما ينهي وظيفته الموكولة إليه حسب ما تقتضيه الصيرورة من جد وجدة،سرعان مايروم صوب إتمام مشروعه المجتمعي العام،عبر اشتغالات فردية،بالكتابة والتأليف والمبادرة الإقتراحية،والتأسيس الفني والإعلامي،وقد يعود ربما إلى التدريس ثانية في الجامعة،منطلق أغلبهم،والفضاء الأمثل لديهم، من أجل التفكير في مجتمعهم وقضاياه المستقبلية.

في بلدنا المغرب،لازلنا بعيدين كل البعد وبمسافات سحيقة،عن هكذا نموذج حي ومتطور.منظومة،يدرك داخلها الوزير موقعا، يعكس جدارة وكفاءة،وزخما من الأهلية كي يدافع مجسدا قناعاته المذهبية،وأجرأة البرنامج الذي وعد به الناخبين. وحده منطق الصدفة،يسود مسارات واقعنا.يِؤتى بهم،على طريقة إسقاط المظليين،كي يتنافسوا في ترديد صيحات أسطوانات مترهلة. تنتفخ أوداجهم نعمة،تتكور بطونهم راحة،يقتحمون خريطة الكلام من الأقصى إلى الأقصى،بمفارقة فلكية،حيث التقدمي أو غير التقدمي،كلاهما سيان،وجهان لعملة زائفة.

تصير السياسة وازعا مشوها وممسوخا،وقد حلت عليها نفس لعنة غريغور الكافكاوي.تتوقف الحياة والدينامية،نتبين هؤلاء الوزراء غير الكائنات الآدمية،ماداموا هم صم بكم، لايشعرون، لا يحسون ،لا يتفاعلون، لا يحزنون ،لا يكتئبون  ،لايذرفون دموعا ،لا يندمون، لايعترفون، لا يتراجعون،إلخ،وقد فصلهم تهاوي السياسة عن كنه حيوانيتهم السياسية بالتصور الإغريقي،حيث يكونوا أو ينعدموا.

أشير، على إحالات من هذا القبيل،وأنا أتوخى بكيفية من الكيفيات،استيعاب حمولة مشاهد،استأنسناها مع يوميات إعلامنا المرئي والمكتوب،مظهرا صور وزراء هنا وهناك،قد تخلصوا من بروتوكول المهمة “الجسيمة”،فأرخوا العنان لعفويتهم كي يراقصوا في دروب وممرات عمومية،حشودا “تترنح سعادة”،على إيقاعات موسيقية متنوعة ومختلفة :غربية،افريقية،أمازيغية،روحية، صاخبة،إلخ.بمعنى،حلقات متوالية،لسلسلة كرنفالات غنائية لم تعد تستجمع أنفاسها،ملاحقا بعضها البعض.

شعب محظوظ ومسرور؟،لأن وزراءه يزفون له انتشاء وطربا،حصيلة موسم سياسي حافل بالنجاحات الاقتصادية والمجتمعية،لذلك وجب احتفال الجميع بالمنجز.

فجأة،انسكب صبيب البيولوجيا،وأخذ الحس يلهب حرارة أجسام عضوية في نهاية المطاف،لوزراء اعتقدناهم قبل هذا مجرد كتل لحمية كهفية أو جليدية،كانت تغط في سبات عميق.أطياف،مسرنمة تهذي بحكايات تليدة مستقاة من أساطير السند والهند،لقوم يعيش فيما وراء الشمس.إذن،على حين غفلة،فتلك الأبدان العقيمة، المكتفية بتبخيس موضوع السياسة ببؤس الأسلوب،قد ألقت من رحم جوفها بكائنات فعلا بشرية،تظهر مثل الباقي،مشاعر الفرجة والبهجة،وتفكك بدورها ألفبائيات اللغة الموسيقية الكونية،وهي التي عودتنا في إطار وظيفتها الرسمية،على ترديد آلياتي لخطاب هلامي وجاف،لايمتثل لقواعد اللغات الطبيعية،مستند على منطق حشوي وتوتولوجي،أو إرجائي يستحضر أزمنة مؤجلة دائما،تذكرنا باستشراف نصوص مثل التي كتبها الياباني “هاروكي موراكامي” أو الانجليزي “جورج أورويل” : ((إن شاء الله الرحمن الرحيم، مخطط2030؟؟؟)).إنه الغياب،الذي يمكر بالحاضر، دون أن يحضر هذا الحاضرعينا.

سيكون الانتشاء الفني لهؤلاء الوزراء مقبولا ومستساغا،لو ارتبط فعليا بسياق رؤية فنية عميقة وشاملة ومتكاملة،تكرس القيم الجمالية داخل مجتمع يزداد تصحرا. بدءا، بتجميل وتهذيب رسالتهم،واحترام أذواق ورغبات بل حيوات المحكومين.

مهرجانات،ستبدو جديرة باحترام باعثيها ومخاطبيها وبنياتها ومقاماتها،لو جاءت كتجل مفهومي لاستراتجية  ثقافية ومعرفية تستحضر مابعدها،قياسا إلى بلد تعتبر فيه ميزانية الثقافة حكاية مضحكة،وتنعدم داخله أبسط شروط الممارسة العلمية السليمة.أيضا وزراء،سيلتصق بهم الحشد  حبا وتقديرا،فاستحقوا لحظة استراحة ظافرة ومشروعة،لو بلوروا على أرض الواقع المنتظر منهم،فأنتجوا نظرية وممارسة سياسية متحضرة،تؤكد أننا شعب يستحق الحياة،قد راكم مجهودات هائلة في موضعة مصيره وتوضيبه بالكيفية التي يريد،فاستوعب هواجس الأنوار؟.

لدينا الكناوي والأمازيغي والحساني،إلخ،لكنها لازالت كما بقيت دائما،في حدود الفلكلرة السطحية التضليلية،المفتقدة لأفق سوسيو-ثقافي رصين،يستثمر التعدد الإتني والهوياتي،بهدف تفعيل لبنات مجتمع مدني يحظى بالمواطنة الكاملة،يزاوج بين رافدي التنعم المادي والإشباع المعرفي.

ولأن المنظور غير هذا تماما،فإن الوزير الذي سيتقاسم ظرفيا خلال لحظة كاريكاتورية،مع الكناوي بوهيميته ،لغايات سياسوية بهدف التسويق المجاني على الأقل خارجيا لمغرب”فرح واستثنائي” ،مع العلم أن هذا المكون التراثي مكث محتقرا ومهمشا لعقود طويلة ،عن أي تصور مؤسساتي يذكي روح الإبداع لدى المواطن،ويثري تعددنا السوسيولوجي بغية القطع مع البعد الواحدي الكلياني.

الفن فكر وروح،تصور وممارسة،عقيدة ومنهج،أنطولوجيا وإيتيقا.  ولاشك،أن الدافع الجوهري للفني،هو تلمسك الصوفي لذاتيتك الأصيلة،بحيث تغدو : شفافا،عميقا، واضحا، صادقا، أبيا، حساسا، كريما، طيبا، مرهف المشاعر، سريع التأثر،إلخ،أي ببساطة كما عبر جان جاك روسو،أن تكون إنسانا.ربما،تلقي بنفسك من الطابق العاشر،إذا أقدمت بأي شكل على أبسط ممارسة تدين إنسانيتك.

إن وزرائنا،وهم يجرون خلفهم ملفات مجتمعية ثقيلة،ويجترون بالتالي الوقائع التعيسة لملايين المغاربة،يحتاجون أولا وقبل كل شيء،إلى التشبع بمضمون كل دعوة فنية،التي تكمن في تصالحهم المبدئي مع ضمائرهم.حينذاك،لن تكون رقصات أماسيهم، وهمية.      

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.