“عبد الهادي التازي” رجل مر من هنا

0 1٬192

        نعت وسائل الإعلام يوم 02/04/2015 العلم العالم العلامة الأستاذ الفاضل سيدي عبد الهادي التازي رحمه الله. و قد خلف هذا النبأ أسى في نفوس محبيه بليغا. فقد عهدنا الرجل حمالا لهموم هذه البلاد، سباقا إلى ما يبوئها أعلى الدرجات، بحاثة بين المخطوطات عما يثبت لها قدم سبق في العالمين. فهو الأستاذ الرحالة الألمعي الديبلوماسي المحقق المولع بمأثور السلف المغربي. رحمه الله وأحسن إليه. و قد كنا يومها في الندوة الوطنية التي نظمها المجلس العلمي الأعلى في موضوع:السلفية ـ تحقيق المفهوم و بيان المضمون. و قد خطر ببالي يومها لما أعرفه عنه من تدقيق المحققين في ما أثر عن السلف الصالح رضي الله عنهم.

 

عبد الهادي التازي

                 أرأيت إذ أصغى كيف يدقق و يحقق؟

       و ما عدنا إلى الديار حتى حط الهم رحله. فقد كان عبد الهادي التازي رحمه الله رجلا مر من هنا بدرعة. و كان ذلك بمناسبة الندوة الوطنية حول الزاوية الناصرية التي نظمتها جمعية علماء سوس برعاية ملكية سامية في يوليوزعام 2006. فقد بادر رحمه الله ومعه من الأفاضل أعضاء أكاديمية المملكة الأستاذ محمد بن شريفة حفظه الله و الأستاذ العلوي العبدلاوي اطال الله عمره، فشرفوا درعة الزمان و المكان و الإنسان بحضورهم، واغنوا ما ألقي في الندوة من عروض بمداخلاتهم و مناقشاتهم. فكان حضورهم قيمة مضافة لندوتنا المباركة تلك.

     لقد كان الرجل في تمام الصحة و العافية ساعتها، على الرغم من ملازمة أحد أحفاده له راعيا مواقيت تناوله لأدويته. و كان مداوما على رياضة المشي على الرغم من حرارة الجو بدرعة. وكان حاضرا حضور الباحث الوازن المحقق. لا تخطئ العين أنه كان يتفرس في أوجه الناس هنا تماما كما يدقق في الوثيقة التاريخية في كل مكان. و كان يستمع بإمعان إلى أي متحدث شأن الباحث عن الدر بين أكوام من سواه، مبتسما طول وقته، فرحا بوجوده، مباركا لجهود تلامذته و ابنائه من الباحثين الشباب من مختلف الكليات الذين لم يفته حضور عروضهم.

الأستاذ التازي أثناء تقديمه لعرضه حول قصيدة ابن رشيد بزاكورة
الأستاذ التازي أثناء تقديمه لعرضه حول قصيدة ابن رشيد بزاكورة

 

         و قد تفضل الفقيد رحمه الله بتقديم عرض رصين رفيع دقيق مفيد. و يتعلق الأمر بتوثيق القصيدة الذهبية في الرحلة الناصرية. و هي عبارة عن رحلة حجية منظومة، منسوبة إلى ابن رشيد البغدادي من أعلام القرن السابع الهجري. و قد اثار الباحث المدقق أن الشيخ سيدي أحمد بن ناصر الملقب بالخليفة استشهد كثيرا بأبيات من هذه القصيدة في رحلته الحجية دون أن ينسبها إلى قائل معين.فكان أن بحث أستاذنا و دقق و صبر، و ضم المعلومة إلى الأخرى لينتهي بالقصيدة مجموعة من مصادر شتى، منسوبة إلى صاحبها الرحالة المغربي. و يقول في ختام بحثه: و المهم بالنسبة إلينا نحن الذين نؤرخ لأدب الرحلات و ما دونه الحجاج والمعتمرون،أننا اكتسبنا رحلة جديدة لشخصية مغربية لفها النسيان رغم مكانتها العلمية و الأدبية.

الأستاذ التازي متدخلا في مناقشة  العروض
الأستاذ التازي متدخلا في مناقشة العروض

عبد الهادي التازي -3

         و سننسى الكثير شأن كل إنسان طبيعته النسيان، و لكننا لن ننسى ابدا وقوف الأستاذ التازي رحمه الله منفعلا بقصيدة كان يلقيها أستاذنا و شيخنا الدكتور اليزيد الراضي بصحن الزاوية الناصرية بتمكروت، و التي مطلعها:

       أم الزوايا أتى قلبي لمغناك     فهل علمت بأن القلب يهواك

سمعت عنك من الأسرار ما برزت للعين آثاره في حسن مرآك

حتى إذا بلغ الشاعر إلى قوله:

أم الزوايا دموع العين سائلة       ترثي بليل الأسى شموس أفلاك

ماذا جرى لمغان أنت زينتها       قد أقــفــــرت، و بها أثار نعماك

هل كان شيخك في الفردوس منشغلا  بالأنس بالله عن أخبار دنياك

أم هاله ما رأى في الأفق من ظلم   و آلم القلب منه صوت مبكاك

اهتز أستاذ الأجيال منفعلا، مطالبا الأستاذ الشاعر بإعادة المقطع، واهتزت الساحة بمن فيها منفعلة بانفعال الأستاذ، و بقوة عبارات الشاعر المفلق. فرحمة الله على فقيدنا الغالي، و عوض الله هذه الأمة في خسارتها بموته، و الحقنا به في الصالحين لا مبدلين و لا مغيرين. و إنا لله و إنا إليه راجعون.

 

عبد الهادي التازي -4

         الأستاذ التازي في صحن الزاوية الناصرية بتمكروت

 

عبد الهادي التازي -5

                 الأستاذ التازي في مناقشة بقاعة العروض

 

عبد الهادي التازي -6

                       و مع وسائل الإعلام

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.