أهلا و سهلا في عالم الأموات

4 432

رغم الظلام حضرت عائشةُ و زوجها لتوديع وحيدِهما قبل انطلاق حافلته المُتوجهة نحو مراكش، كان الشابُ البالغ من العمر ثمانية عشر ربيعا مُقبلا على عهد الدراسة الجامعية، و قد تمكنت عائلته البسيطة أخيرا من العثور على وسيط وَعَدهم بأن يحُلّ لهم مشكلة السكن الجامعي مُقابل مبلغ كدحت الأسرة في جَمعه، فعاشت صيفا جافا لم تكتف الأسرة فيه بصيام رمضان فقط. و هذا أمر ضروري الولدُ النبيه سيذهب إلى مراكش الساحرة ليدرُس في الجامعة و ستفخر العائلة بابنها المُتعلم “فلا يهُّم أن نجوع نحن الآن…المُهم أن يشبع ابني و يتعلم” يقول الأب بنبرة بئيسة.

جاءت لحظة الوداع صرَخ السائق عدّة مراتٍ في الأُم لكي تنزل من الحافلة و لكن هذه الأخيرة احتضنت ابنها في مشهدٍ دمعت له عينا الأب و لكنه تمالك نفسه مُؤديا دور البطلِ الشجاع:” و باراكا من البكا راه مسافر غي فالمغرب ماشي الخارج”.

نزلت الأم من الحافلة و هي تُكرر على ابنها ضرورة الاتصال بها بمجرد الوصول، فانطلقت “أهلا و سهلا” تاركة وراءها  دموعا  حارة…و لكن مهلاً فليست هذه إلا بِداية العَبرات…..

كانت عبارة “أهلا و سهلا”  المكتوبة على جانب الحافلة تجتذب ركابها، لكن أحداً منهم لم يخطر بباله أنه ذاهب في رحلة الموت، وما تصور أحدهم أن الدار الآخرة ترحب به و تفتح له أبوابها قائلة بالخط العريض “أهلا و سهلا”، و ما كان أحد من المسافرين يتصور أنها رحلة ألا رجوع …….

أغمض الإبن عينيه على غِرار أغلب الرُكاب، لقد كان ذاك النائِمُ يحلم أن يَفتح عينيه و قد أشرقت عليه شمس النهار في المدينة الحمراء، و لم يتصور أبدا أنه سيفتح عينيه أوّل ما يفتحها على صورة ملك الموت و قد جاء يلتقِطُ روحه و يتركه جثة مُبعثرة تُلّفُ فيما بعد في كيسٍ بلاستيكي أسودَ تماما كذاك الذي يلُفّ القُمامة ! و لكنه لم يكن لوحده فقد كان معه أكثر من أربعين قتيلا مُدّدوا كلّهم على جانب الطريق في مشهد مُروّع من مَذبحة لا ينساها إلا عديم الإحساس أو ميت الضمير. أما عائشة و غيرها من المكلومين و المكلومات فالمرجو أن تعذروني لأنّ كل قواميس اللغة لم تسعفني في وصف حالهم فارتأيت الصمت على البوح بما لا يَصِفُ و لا يشِف

ما أقسى أن تموت قتيلا بلا سبب و لا ذنب !  و ما أفجع أن تموت من أجل لا شيء !  أه ما أوجع أن تدفع حياتك ثمن العدم و الاستهتار و العشوائية !

لا…. أنتَ لستَ رخيصا و دِماؤك لم تذهب سُدى، لقد أيقظتنا من نُعاس كاد يُفضي بنا إلى سُبات عميق، رحمك الله و رزق أهلك الصبر و السلوان.

 أما أنا فما تمنيت في يومٍ من الأيام العودة إلى حياة البدو و السفر في قافلة كما حدث معي اليوم و قد تقطّعت بي الأوصال من هَولِ ما رأت عيناي، فلم يعد أمامي إلا أن أكتري بغلة أو أن أضل في مكاني لبقية أيامي !

رامية نجيمة

4 تعليقات
  1. ابن زاكورة يقول

    مرة اخرى اجدد عزائنا لدوي الاموات،وندعو بالرحمة والمغفرة للاموات،وانا لله وانااليه راجعون،مع الاسف نسينا اننا بشرا،واننا لانملك اعمارنا بيدنا،واننا لانعلم الغيب،واننا مخلوقات بيد الخالق،فمهما كانت ديانتنا مسلمين او غير مسلمين ،او حتى عباد الاصنام،فانهم يؤمنون بان الموت لي بيد احد،فهاؤلآء قدر الله لهم ان يموتوا في هذا المكان وبهذه الطريقة المفجعة،كما يقو المثل {الموة واحد،والأسباب تتخلف}وحوادث السير ليست هذه الاولى ولن تكون الاخرة،فما دامت الدنيا فلابد من الحوادث،الزلازل زالفياضنات والحرائق والحروب والبراكن وغير ذالك من الكوارث التي يسمونها بالطبيعية،ومثل ما وقع في تشكا يقع متكررا في مناطق اخرى من العالم،كالهند وبنكلاديش ودول اسيوية تقع الحافلات في الوديان،والقطارت تتصادم فيما بينها ،والفياضانات وتذهب الاف الارواح،والهند من الدول المتقدمة الصناعية،ومع ذالك لم تسطيع منع هذه الكوارث،وفيما ذالك سقوط الطائرات،والعالم كله تقع فيه حوادث اخطر من هذه التي وقعت في تشكا،والله سبحانه قال في كتابه الحكيم{{وما تدري نفس بأي ارض تموت}}وقال ايضا{{وماكان لنفس ان تموت إلا بإذن الله كتابا مؤجلا}}إذا فكفانا من الركوب على هذه الفاجعة،ونصب غضبنا على جهات لاجمل لهم فيها ولاناقة،الا لشيء في نفوسنا،كفانا من البكاء على الأطلال،البكاء وراء الميت خسارة كما يقول المثل،هذه سنةالحياة،فالنشمر على سواعد الجد،ونبحث في فيما يعود على بلدنا بالخير والتقدم ،ونبحث عن حلول ناجعة لتجنبنا مثل هذه المصائب ،اللهم لانسألك رد القضاء ،ولكن نسألك اللطف فيه؛

  2. Mohamed يقول

    المدينة غارقة في الفساد و السكان صامتون منذ مدة طويلة. العصبية القبلية مهيمنة، ضد المغتربين من أبناء “الداخل” و حتى بين “الدواوير” التي جُمعت و سُميت ب”زاكورة”. مشكل النقل ليس وليد الساعة. لقد عانينا منه و يعاني الناس يعانون، خصوصا “البراني”. و الطرق حاشا أن تسمى كذلك. أصحاب النفوذ و اللصوص لا يستقلون إلا “4*4” و الطائرات “فابور” (بعد إحداث المطار الذي أظن أنه مغلق حاليا)…
    هذا و أشياء كثيييييييييييييييييييييييرة يعلمها كل “زاكوري” أو قاطن بزاكورة جعلتها مهمشة، وأهمها “الأنانية” التي تتميزون بها. موظفون اغتنوا و لم تحركوا ساكنا (عمال ، قواد،…). الآن فكت عقدكم !!! عجبا لكم !!!
    منكم الأغنياء لا هم لهم سوى جمع المال.
    ما يحدث في “تيشكا” نتيجة قبولكم به. مثلا : الحافلة عند بلوغها وارزازات تصبح ك”الطاكسي” أو “الخطافة” : “هز ، حط”. والمسافر المسكين القادم من الرباط/البيضاء أو أبعد يعاني من التعب، الروائح “الزكية” التي يتمتع بها بعضكم و كأن الماء نادر (رغم رداءته)
    على فكرة منذ 2009 و أنتم تطالبون بإدراجكم ضمن المناطق النائية لتستفيدوا من التعويضات. لماذا لم تطالبوا بفك العزلة عنكم بدل “الفلوس” ؟؟؟ لأن أكثركم يجمع المال و يهاجر المنطقة. خصوصا الموظفين منكم في إطار الحركات المفبركة بين أبناء البلدة إلا قلة من الغيورين الأحرار. من دون الخوض في موضوع الوحدة الترابية و بعض “الانفصاليين” المنتسبين لكم.
    هل بكفي هذا الكلام المختصر جدا فهنالك “الكثير”
    و السلام

  3. Mohamed يقول

    الآن أقول اللهم ارحم موتى “تيشكا” على مر الزمن و إنا لله و إنا إليه راجعون

  4. عبد لكبير العلوي الصوصي- دكتور في الحقوق، تاكونيت، حاليا بالرباط يقول

    لقد قرأت بتمعن مقال ” أهلا وسهلا في عالم الأموات” وانتابني إحساس بالفخر ونشوة في البوح، وأقول يكفي الشهداء شرفا أن من بني جلدتهم- درعة- اناس أمثال كاتبة المقال.
    إلى أخونا محمد سامحك الله.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.