أولئك آبائي فجئني بمثلهم

0 616

رجال والرجال قليل(لأن هناك فروقا جوهرية بين الذكر والرجل وبين الأنثى والمرأة-فليس كل ذكر برجل وليست كل أنثى بامرأة-).نعم إنهم أعلام من أعلام الأمة الإسلامية-أمة الشهود الحضاري بامتياز- سنحاول-إن كان في العمر بقية بإذن الله- في هذه السلسلة الرمضانية المباركة العطرة أن نسرد سيرهم، ونبسط حيوا تهم، لعلنا نتأسى بدرر أفكارهم وقبسات مبادئهم وجليل مواقفهم(خاصة بعد أن قل المثال والقدوة والنموذج المعتبر الذي يمكن أن يحتذى في زمن هجين ديدنه”اعطيني صاكي”و”حك لي نيفي”وهاك البانانا”…)، في زمن تضيع فيه القيم،وتذبح فيه الفضيلة آناء الليل وأطراف النهار في معظم الفضاءات والمجالات الإعلامية والتعليمية والفنية والرياضية، وتتدهور في بورصة أسهم المهرجانات و”الخواسر”اللغوية(التي خرجت من الباب وأطلت علينا من النافذة)،والمجاهرة بالإفطار في هذا الشهر الفضيل، والتعري”الفيميني”وسط حسان وتبادل القبل،و”شرعنة”الشذوذ والأفلام الخليعة(ل كتخلع حقا وحقيقة،وتطرح أسئلة مستفزة وماكرة عن واقعنا ومستقبلنا التربوي، وعن التربية الجمالية المنشودة)الساقطة(التي ستسقط في مزبلة التاريخ إن كانت للتاريخ مزبلة) التي تدغدغ الشهوات، وتثير المسكوت عنه، وتعري المحجوب، وتكشف المستور حتى افتضحت سوءاتنا جميعا في زمن التسريبات الشهيرة ،وصارت القضية معلقة(مع أن الآية الكريمة نصت-مع اختلاف السياق-“فلا تميلوا كل الميل فتذروها كالمعلقة”النساء:129)،بعد أن أدخلت سراديب البحث و أنفاق التحقيق(ولله الأمر من قبل ومن بعد) بحثا عن كبش فداء أو شماعة تعلق على مشجبها الضحية(ألا يقال إن لكل قرار ضحية أو ضحايا؟) حتى تكون عبرة لمن اعتبر و”كفى الله المؤمنين القتال”(الأحزاب:25)؟؟.

ضيف حلقتنا اليوم هو رجل من العيار الثقيل،من ذلك الزمان الغابر السحيق،رجل ممن سارت بذكرهم الركبان(ولد بسمرقند عام 107ه)، مارس اللصوصية وقطع الطريق على الحجاج(أو شاطرا بلغة عصره أو رئيس عصابة إجرامية بلغة عصرنا )-إلى درجة أن المرأة كانت تأتي بطفلها في الليل تسكته وتقول له: “اسكت وإلا أعطيتك للفضيل”- .لأنه كان يأخذ فأساً وسكيناً ويتعرض للقافلة فيعطلها-والتفزيع والترهيب والترويع قبل أن يصبح من أهل التربيع والتربية والهدى والرشاد في بلاد الحرمين(فلقب بعابد الحرمين)، وأحد علماء الدنيا وعبادها وزهادها، بعد أن لازم العلماء وخاصة أهل الحديث منهم الذي برع فيه عالمنا،(كما وصفه مجتمع أهل العلم)،وكان لصويحبات يوسف وقع على حياته، و أثر في توبته بعد أن تسلق الجدران طلبا للتملي بطلعة وقوام حبيبة القلب،ورفيقة الدرب، الحسناء الجارية(الذي رفضه أهلها بعد طلب يدها نظرا لسمعته السيئة فمن الحب ما هدى وليس ما قتل فحسب)-وهي تهيئ العشاء- التي كانت بمحاذاة شيخ كبير الذي استقبل القبلة،وانخرط في قراءة القرآن وهو يبكي،بينما صاحبنا هم بسرقة الشيخ ،الذي ليس في مقدوره الدفاع على نفسه، فتلا قوله تعالى: “ألمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنْ الْحَقِّ وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمْ الأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ [الحديد:16]،فتفاعل الفضيل مع النور الآسر لمنطوق ومحمول الآية الكريمة، فنظر إلى السماء وقال: “يا رب! إني أتوب إليك من هذه الليلة”، أو قال:”بلى يا رب قد آن،نعم قد آن أن يخشع لله”(وهذا ما يسمى عند العلماء ب “مبدأ الحياء من الله” الذي استحوذ على وعي الفضيل ودفعه إلى التصريح بأنه “لو خير بين أن يبعث يوم القيامة أو لا يبعث،لكان خياره ألا يبعث”)، فعاد إلى قواعده سالما غانما بعد أن آوى إلى خربة تشتمل على سابلة”فقال بعضهم: نرتحل،وقال بعضهم: “حتى نصبح فان الفضيل على الطريق يقطع علينا”، قال: ففكرت فقلت:”أنا أسعى في الليل في المعاصي وقوم من المسلمين يخافونني هاهنا،وما أرى الله ساقني إليهم إلا لأرتدع”، ثم نزل فاغتسل ولبس ثيابه وذهب إلى المسجد يبكي حتى الصباح، فتاب الله عليه وجاور الحرم المكي وبعده الحرم المدني،بعد أن اغترف من معين العلوم الشرعية الذي لا ينضب،فأخذ يدرسها نصف العام في الحرم المكي والنصف الباقي في الحرم المدني بعد أن ذاع صيته،وعلا كعبه،واتسعت دائرة معارفه،وقويت حافظته،فلا تكاد تجد مسألة أو نازلة فقهية إلا وله فيها رأي وباع طويل، حتى لقب بإمام الحرمين إلى درجة أن الإمام أحمد بن حنبل،على قدره في محراب العلم،كان كلما ذكر الفضيل بن عياض(ت 187 ه )لا يقول قال إمام الحرمين، بل كان يقول:قال سيدنا وسيد سيدنا”لأنه كان قامة شامخة، وهرما من أهرامات العلم الشرعي في زمانه ، وعلم من أعلام الزهد والتقشف اللذين يرفضون عطايا الآخرين إلا ما تعلق منها بما كان يأخذه من عبد الله بن المبارك الذي كان ينفق على جماعة من أهل العلم ،وهو القائل:”لولا أربعة ما تاجرت” لأنهم كانوا رؤوس العلماء في الزمان(منهم السفيانان و الحمادان:سفيان الثوري، وسفيان بن عيينة، وحماد بن زيد، وحماد بن سلمة).ومن هنا، كان يقسم الفضيل بن عياض عطايا عبد الله بن المبارك على أربعة أقسام،ثلاثة أقسام أوقفها على الغرباء والفقراء وفيمن جاور،والقسم الرابع خص به نفسه حتى انه كان لا يجد ،أحيانا،كما ذكر أهل العلم، ما يعول به عياله لمدة سبعة أيام حتى ذكر “بشر الحافي”(وهو من زهاد وعباد زمانه):”إني لأعلم عشرة من علماء الزمان لا يأكلون إلا حلالا، وما يدخلون إلى بطونهم شبهة ولو أنهم سفوا الرماد الحار أو أكلوا التراب”،ومنهم الفضيل بن عياض وسفيان الثوري، وهذا مصداق قول الشاعر عنترة العبسي:

          ولقد أبيت على الطوى وأظله         حتى أنال به كريم المأكل                      

ولذلك،قال عنه الرسول الأكرم صلوا ت ربي وسلامه عليه:”ما وصف لي أعربي قط فأحببت أن أراه إلا عنترة”(الطوى هو الجوع).

والجدير بالذكر أن الله تعالى وهب الفضيل بن عياض ابنا صالحا ورعا دينا فاق أباه في الزهد والعبادة، اختار له من الأسماء عليا،بحيث كانت للفضيل طريقة خاصة في العبادة(حتى تقرحت جبهته وركبتيه ويداه)، إذ كان يشتمل بيته على حصير ،بدون فراش، هذا مرقده وهذا مجلسه، وفي مكان مرتفع من البيت يضع كتبه وأوراقه طلبا للعلم وللعبادة، وكان كلما تقدم للإمامة في المسجد وقرأ آية من آيات العذاب ،وابنه يصلي خلفه مع المأمومين خر مغشيا عليه،بل إن ابنه عليا من شدة فقر أبيه وعوزه اشتغل حمالا في السوق ،مما جعله يرق لحال ابنه الذي كان يحبه حبا جما، ويصرفه عن هذا العمل الشاق. .ويحكى أن عليا بن الفضيل بن عياض سمع أباه يقول:”اثنتان من الأشياء زينة للفتى:الصدق وطعمة من حلال”،فقال علي:”إن هذا قليل يا أبي”(يعني يصعب أن تعثر في ذلكم الزمان على لقمة من حلال)،فقال الفضيل:”إن القليل من هذا يكثره الله يا بني” أو كما قال القائل:”قليل يغنيك خير من كثير يطغيك”،وقد قبض الله عليا بن الفضيل بعد أن أغمي عليه وهو يصلي خلف أبيه الذي تلا قوله تعالى:”ألهاكم التكاثر حتى زرتم المقابر”،فظل يعالجه ولم يستفق إلا في منتصف الليلة الموالية وهو يردد الآية الكريمة”ألهاكم التكاثر”،ثم أغمي عليه مرة أخرى،ثم أفاق في الليلة الموالية فقال :”لا الاه إلا الله” ثم قبض.

وفي موسم الحج قدم هارون الرشيد حاجا،فسأل عن علماء مكة ،فدلوه على سفيان بن عيينة الذي جلس معه مدة،فسأله الخليفة عن حاجته،فأخبره عن ديون تثقل كاهله فأعطاه مسألته،فقال هارون:”ما هذا الذي أريد” ،فطلب غيره من العلماء فأحضروا له عبد الرزاق بن همام الصنعاني الذي حدث له مثل ما حدث له مع سفيان بن عيينة،فسأل هارون عن غيره،فقيل له:الفضيل بن عياض ،فذهب الحاجب فطرق باب الفضيل،فأخبره أن أمير المؤمنين يريدك،فقال الفضيل: “أعوذ بالله ما لأمير المؤمنين ولي؟”،فقال الحاجب:”اتق الله فان لك بيعة في عنقك لأمير المؤمنين”،فرفض الفضيل مرافقة الحاجب لملاقاة هارون الرشيد الذي ظن أن الفضيل ممن يرون الخروج على أمير المؤمنين،فنفى الحاجب ذلك لأن الفضيل صرف همته للعلم والعبادة والزهد،فقرر هارون الذهاب للفضيل بمعية الحاجب(وهذا يذكرنا بما قاله الإمام مالك إمام دار الهجرة لهارون ذات يوم: “العلم يؤتى ولا يأتي” وتلك حكاية أخرى)،فخرج إليه الفضيل،فقال هارون الرشيد:”جئتك يا فضيل مستفتيا سائلا” ،فأصعده إلى أعلى البيت،فقال هارون :”يا فضيل عظني وذكرني بالله”،ففكر الفضيل مليا وحدق في وجه هارون الصبوح فخاطبه قائلا:”يا صبيح الوجه ما أحسن وجهك ،وجهك جميل وان كل هذه الرعية اللذين في أطراف الأرض سيسألك الله عز وجل عنهم جميعا،فاتق الله في هذا الوجه أن يسود إن غمس في النار”،فبكى الرشيد،ثم قال له:يا فضيل زدني،فقال له:”يا أمير المؤمنين إن كل مظلمة وقعت في الرعية فيما بينهم هي منك فان عدلت عدلوا وان جرت جاروا”،فبكى الرشيد،وظل الفضيل على مواعظه لهارون إلى أن قال الحاجب:”اسكت كدت أن تقتل أمير المؤمنين”،فقدم هارون صرة من المال للفضيل الذي قال:”أعوذ بالله بئس ما ظننت بي يا أمير المؤمنين أظننت أني أعظك من أجل هذا اتق الله وخذ مالك وضعه في جيبك أو فرقه على فقراء المسلمين؟”،فنظر هارون إلى الحاجب فقال:لعله استحيى منا”،فانصرف هارون وحاجبه،علما أن أبناء الفضيل بدون طعام منذ ثلاثة أيام،فصرخت زوجته في وجهه ومعها ولدان من دون علي فقالت:”اتق الله فينا يا فضيل”،فأمر هارون حاجبه بالرجوع إلى البيت لتسليم الفضيل الصرة،فبكى الفضيل طالبا من الحاجب الانصراف لأن لا حاجة له بصرة هارون،فسبت الجارية السوداء الحاجب وقد رأت بأم عينيها الأذى الذي لحق سيدها،فازداد صراخ الزوجة المعدومة الطعام،فأمرها الفضيل بالسكوت مخاطبا إياها قائلا:”إن مثلي ومثلكم كمثل قوم كانت عندهم بقرة يحرثون عليها ويأكلون من لبنها،فلما هرمت وما كان لها من منفعة ذبحوها،فلما هرم الفضيل أردتم أن تذبحوه والله لن تذبحوا فضيل موتوا جوعا.”.

ومن أكبر المصائب التي نزلت بساحة الفضيل بن عياض وفاة ابنه عليا،فكان يجلس في بيت الله الحرام ويرفع عينيه إلى السماء،وحدث أن سفيان بن عيينة جلس إليه مرة،وقال له :”ما لك يا فضيل حزين؟”،فقال(وقد تجاوز الثمانين):”كان لي عكاز أتوكأ عليه فا نكسر، فأ صبحت أسير على أربع.”.

ويحكى أن الفضيل بن عياض كان من العلماء الربانيين العالمين العاملين،فكان يقول لطلابه:”كم عملتم بما علمتم فان العبرة بالعمل وليس بالعلم فحسب؟”،كما أنه دعا الله تعالى أن يقبض،وهو في الحرم المكي، بعد أن ماتت الزوجة والولد وازدادت أحواله سوءا،فانتقل إلى جوار ربه ساجدا على شاكلة ابنه عليا على إيقاع آية من آيات العذاب.

أما الدروس والعبر التي يمكن أن نستنبطها من سيرة هذا الجبل الشامخ الراسخ البازغ، فهي:

-الإسلام يجب ما قبله:فرغم حياة الصعلكة واللصوصية و”السجل الإجرامي” الذي عاش في ثناياه الفضيل في شبابه،فانه لما شرح الله صدره للإسلام وتاب صار من أكبر الدعاة والوعاظ على اعتبار “أن خياركم في الجاهلية خياركم في الإسلام إذا فقهوا.”.انظر(islamweb.net)

-أثر الثقافة الشرعية الواعية المستنيرة في تغيير مسار الإنسان لأنها تعرفه بحقيقة وجوده والمقصد من خلقه وطبيعته الرسالية الاستخلافية والعمرانية في الكون مصداقا لقوله تعال:”وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون”(الذاريات 56)،كما أن بضاعة الله غالية، وهي زيادة على الجنة، هذا العلم الرباني وهذا النور الذي لا يقذفه الله عز وجل إلا في قلوب عباده المخلصين،فقد علمنا حال الفضيل قبل توبته فكان قلبه فارغا كقلب أم موسى من العلم الشرعي،وكيف صار عالما محدثا دينا بعد أن استقام حاله مصداقا إلى قول الإمام الشافعي:شكوت إلى وكيع سوء حفظي   فأرشدني إلى ترك المعاصي

              وأخبرني بأن العلم نور     ونور الله لا يهدى لعاصي

-أهمية الصدق مع الله في القول والعمل قصد التمكين والترقي في مدارج العلم والعبادة لأن العلم إمام العمل، فلا عمل دون علم ولا علم ليس له أثر عملي، مصداقا لقول الله تعالى:”من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا.”.(الأحزاب:23).

-قيمة التربية الوالدية:إذ تمكن الفضيل بن عياض من تربية ابنه عليا تربية حسنة أهلته للنسج على منوال أبيه، والسير على منهجه وطريقته،وهذا ما يتعارض ،أحيانا، وحال بعض المنتمين للشأن التربوي اللذين يغفلون عن تربية أبنائهم كما لو أن القيم التربوية مركوزة فيهم بالقوة لا بالفعل فقط لأن آبائهم من أهل “بياجي” و”كزافييه” .

-الثقة في الله واستمداد العون منه وقوة شخصية العالم:إذ رغم قلة ذات يد الفضيل، فانه تقشف وزهد في الدنيا ولم يمد يده لأي مخلوق مهما كانت مكانته وحظوته(حواره مع الرشيد وحاجبه.)،ولذلك عاش حميدا ولقي ربه سعيدا.

-حسن الخاتمة:إن الصدق مع الله، وحسن الظن به، والثبات على المبدأ ورثت الفضيل نهاية سعيدة: إذ لقي ربه وهو ساجد،علما أن الإنسان يبعث ويلقى ربه على ما مات عليه،لأن عالمنا عرف فلزم وعرف قصده فهان عليه ما وجد.

الهوامش:

– //aleman-lidfa-aledman.net/

-انظر حديث الشيخ صلاح الدين بن عبد الموجود عن الفضيل بن عياض في اليوتيوب

-الفضيل بن عياض مثالا للحياء والندم،أديب نايف ذياب،دراسات العلوم الإنسانية والاجتماعية،مج34،ع1،2007

بعد أن تابعنا في الحلقة الماضية،ضمن هذه السلسلة الرمضانية المباركة العطرة،قصة العالم الجليل والعابد الزاهد الفضيل بن عياض من خلال انتقاله من حالة الصعلكة واللصوصية إلى حالة التوبة والاستقامة،واجتراحه لسلوكيات ومواقف دعوية وتربوية،سنحاول في هذه الحلقة الجديدة الوقوف عند علم من أعلام الدعوة الإسلامية ،وسيرة من سير أعلام النبلاء ،ونجم من نجومها، وفرس من فرسانها الأشاوس الذين لا يشق لهم غبار.يتعلق الأمر بالقدوة، الإمام العارف، سيد الزهاد، إبراهيم بن أدهم(ت262ه) المولود بمكة حوالي السنة المائة الهجرية( ببلخ وهي المدينة العظيمة التي شهدت أكبر حركة تنزع نحو التصوف والإقبال على الآخرة) حينما حج والده الملك على خراسان ،الذي كان من أهل المال والخدم والمراكب، وكان سبب زهده مايلي:(فبينا إبراهيم في الصيد على فرسه يركضه ، إذا هو بصوت من فوقه : يا إبراهيم : ما هذا العبث ؟ “أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا” اتق الله ، عليك بالزاد ليوم الفاقة . فنزل عن دابته ، ورفض الدنيا وترك ملك أبيه فأكثر من السفر في طلب العلم والازدياد من الطاعات.) (انظرww.darulfatwa.org.au/ar/أئمة-الهدى/الصوفي-إبراهيم-بن-أدهم وlibrary.islamweb.net).وقد صاحب إبراهيم علماء أجلاء وزهاد عظماء هم: الفضيل بن عياض وسفيان الثوري والإمام الأوزاعي،وهذا يحيلنا على أهمية الرفقة الصالحة في تكوين وبناء شخصية الإنسان المسلم وإنضاج شروط إعدادها للمستقبل مصداقا لقول الرسول الأكرم صلوات ربي وسلامه عليه:”لا تصاحب إلا مؤمنا ولا يأكل طعامك إلا تقي”.(.المقصود منه : المصاحبة والمخالطة والمؤاكلة المجردة التي لا يقصد من ورائها مصلحة شرعية ، أو لم تقتضها حاجة ؛ لما في مصاحبة أهل المعاصي والفسق ، من أثر على دين العبد وخلقه ، وكما يقال : الصاحب ساحب ، إما إلى خير أو إلى شر ، وفي الحديث الذي رواه البخاري (5534) ، ومسلم (2628) قال عليه الصلاة والسلام : ( مَثَلُ الْجَلِيسِ الصَّالِحِ وَالسَّوْءِ ، كَحَامِلِ الْمِسْكِ وَنَافِخِ الْكِيرِ ، فَحَامِلُ الْمِسْكِ : إِمَّا أَنْ يُحْذِيَكَ ، وَإِمَّا أَنْ تَبْتَاعَ مِنْهُ ، وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ مِنْهُ رِيحًا طَيِّبَةً ، وَنَافِخُ الْكِيرِ : إِمَّا أَنْ يُحْرِقَ ثِيَابَكَ ، وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ رِيحًا خَبِيثَة)(انظرwww.rouqyah.com .).كما أن عالمنا طاف الشام و”المصيصة”(وهي مدينة في الشام يقال لها المنصورة)،و”طرسوس” بحثا عن الحلال، وملاقاة للصالحين والعارفين بالله نزولا عند رغبة مشايخه،ومن هؤلاء خلف بن تميم الذي استقبل إبراهيم بن أدهم القبلة عندما رآه وسجد شكرا لله،واستبشارا برؤيته،وهذا درس آخر من دروس تعظيم المريد لشيخه(أو شيوخه بصيغة الجمع) ،دون أن يعني هذا السقوط في مجال تقديس الأشخاص أو ما يسميه المرحوم الأستاذ فريد الأنصاري ب”عقلية المشيخة” وتأليه الأشخاص “وتحنيطهم” و”تصنيمهم”(انظر:التوحيد والوساطة في التربية الدعوية). “قال خلف بن تميم : سألت إبراهيم : منذ كم قدمت الشام ؟ قال : منذ أربع وعشرين سنة ، ما جئت لرباط ولا لجهاد ، جئت لأشبع من خبز الحلال”(راجع library.islamweb.net)،وهذا يرشدنا إلى أهمية هجر المسلم لأوكار السوء ومعاقل الفتنة حفاظا على دينه والتزامه،وحرصه الشديد على المطعم الحلال والرزق الطيب الذي يدخل جوفه،ولذلك قال إبراهيم بن أدهم: “من أراد التوبة ، فليخرج من المظالم ، وليدع مخالطة الناس ، وإلا لم ينل ما يريد” . وهذا مصداق قول الرسول صلى الله عليه وسلم(عن أبي هريرة رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلي الله عليه وسلم إن الله تعالى طيب لا يقبل إلا طيبا ، وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين فقال تعالى :{ يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا } ، وقال تعالى :{ يا أيها الذين امنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم } ، ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يده إلى السماء : يا رب ! يا رب ! ومطعمه حرام ومشربه حرام وملبسه حرام وغذي بالحرام فأنى يستجاب له ؟. رواه مسلم رقم : 1015www.almeske.net] .)-وهذا لا يفهم منه أن على الإنسان المسلم أن يقاطع الناس ويهجرهم هجرا مليا،بل أن يبتعد عن مجالس السوء أو التي فيها شبهة اتقاء لدينه وخلقه مادام الإنسان كائنا اجتماعيا بطبعه يألف ويؤلف،بل إن الْمُؤْمِنُ الَّذِي يُخَالِطُ النَّاسَ وَيَصْبِرُ عَلَى أَذَاهِمْ أَعْظَمُ أَجْرًا مِنَ الَّذِي لا يُخَالِطُ النَّاسَ ، وَلا يَصْبِرُ عَلَى أَذَاهِم” كما قال الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم .(راجعlibrary.islamweb.net ) .ومن هنا،قسم إبراهيم بن أدهم الزهد على ثلاثة أقسام وهي:” زهد فرض ، وهو الزهد في الحرام . وزهد سلامة ، وهو : الزهد في الشبهات . وزهد فضل ، وهو : الزهد في الحلال” .والجدير بالذكر أن الزهد ورد ذكره مرة واحدة في القرآن الكريم إذ قال تعالى في سورة يوسف:”وشروه بثمن بخس دراهم معدوة وكانوا فيه من الزاهدين”(الآية 20).

ولما كلن إبراهيم بن أدهم ممن يلتمسون المطعم الحلال،فقد كان مستجاب الدعوة(أسوة بسعد بن أبي وقاص خال الرسول الأكرم صلى الله عليه وسلم)،إذ يروى أن إبراهيم كان مع أصحابه في البحر”فهاجت ريح ، واضطربت السفينة ، وبكوا ، فقلنا : يا أبا إسحاق ! ما ترى ؟ فقال : يا حي حين لا حي ، ويا حي قبل كل حي ، ويا حي بعد كل حي ، يا حي ، يا قيوم ، يا محسن ، يا مجمل ! قد أريتنا قدرتك ، فأرنا عفوك . فهدأت السفينة من ساعته”(راجع library.islamweb.net).

ومن المواقف الربانية المنقوشة في ذاكرة الزمان، أن إبراهيم بن أدهم مر ذات يوم على رجل مهموم،فقال له:”إني سائلك عن ثلاثة فأجبني”،قال:”أيجري شيء في هذا الكون لا يريده الله؟”أينقص شيء من رزقك قدره الله؟”أو ينقص من أجلك لحظة كتبها الله؟”فقال الرجل:لا فقال إبراهيم:فعلام الهم إذن؟إن الهم جند من جنود الله يبتلي به عباده لينظر ما يعملون، وهو وان كان شعورا وليس مادة إلا أنه أشد أثرا من الأمور المادية.ويؤكد ذلك ما ذكره علي بن أبي طالب رضي الله عنه حينما سئل من أشد جند الله؟فقال :الجبال،والجبال يقطعها الحديد،فالحديد أقوى،والنار تذيب الحديد فالنار أقوى،والماء يطفئ النار فالماء أقوى، والسحاب يحمل الماء فالسحاب أقوى، والريح تعبث بالسحاب فالريح أقوى، والإنسان يتكفأ الريح بيده وثوبه فالإنسان أقوى، والنوم يغلب الإنسان فالنوم أقوى، والهم يغلب النوم فالهم أقوى،فأقوى جند الله هو الهم يسلطه الله على من يشاء من عباده مصداقا لقول ربنا عز و جل:”فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ ) الأنعام/ 125.(راجع:السلطان إبراهيم بن أدهم على الفيس بوك).وفي هذا الصدد يسوق إبراهيم بن أدهم وصايا ذهبية لمن أراد أن يسلك مدارج السالكين، ويسير على هدي الصالحين، ويقتفي أثر الربانيين يلخصها في ستة شروط أو عناصر بقوله:” اعلم أنك لا تنال درجة الصالحين حتى تجوز ست عقبات: أولاها تغلق باب النعمة وتفتح باب الشدة، والثانية تغلق باب العز وتفتح باب الذل، والثالثة تغلق باب الراحة وتفتح باب الجهد، والرابعة تغلق باب النوم وتفتح باب السهر، والخامسة تغلق باب الغنى وتفتح باب الفقر، والسادسة تغلق باب الأمل وتفتح باب الاستعداد للموت.” (انظر إبراهيم بن أدهم على الفيس بوك).ومن شدة يقينه في خالقه وتوكله عليه يحكى أن إبراهيم بن أدهم “خرج إلى الحج ماشيا فرآه رجل على ناقته فقال له:إلى أين يا إبراهيم؟قال:أريد الحج،قال:أين الراحلة فان الطريق طويلة؟فقال لي مراكب كثيرة لا تراها قال:ما هي؟قال:إذا نزلت بي مصيبة ركبت مركب الصبر،وإذا نزلت بي نعمة ركبت مركب الشكر،وإذا نزل بي القضاء ركبت مركب الرضا،فقال له الرجل:سر على بركة الله فأنت الراكب وأنا الماشي.” (انظر إبراهيم بن أدهم عل الفيس بوك).

“ومن القصص العجيبة التي حدثت مع إبراهيم بن أدهم بعد انتهائه من العمرة ﺫﻫﺐ إﻟﻰ ﺍﻟﻤﺪﻳﻨﺔ ﺍﻟﻤﻨﻮﺭة ﻟﺰﻳﺎﺭة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وﻭﺻﻞ إﻟﻰ ﺍﻟﻤﺪﻳﻨة ﻣﻊ ﺻﻼﺓ ﺍﻟﻌﺸﺎﺀ، ﻭﺑﻌﺪ أﻥﺻﻠﻰ ﺍﻟﻌﺸﺎﺀ ﺟﻠﺲ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺴﺠﺪ ﻳﺴﺒﺢ ﻭﻳﺬﻛﺮ ﺍﻟﻠﻪ ﻭﺑﻴﻨﻤﺎ ﻫﻮ ﻛﺬﻟﻚ إﺫ ﺟﺎﺀﻩ أﺣﺪ ﺍﻟﻤﺸﺮﻓﻴﻦ ﻋﻠﻰ ﺧﺪﻣﺔ ﺍﻟﻤﺴﺠﺪ ﻃﺎﻟﺒﺎ ﻣﻨﻪ ﺍﻟﺨﺮﻭﺝ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﺴﺠﺪ إﻥ ﻛﺎﻥ ﻗﺪ أﻧﻬﻲ ﺻﻼﺗﻪ لأنهم يغلقون ﺍﻟﻤﺴﺠﺪ، ﻓﻘﺎﻝ ﻟﻪ إﺑﺮﺍﻫﻴﻢ ﺑﻦ أﺩﻫﻢ: ﻫﻼ ﺗﺮﻛﺘﻨﻲ أﺑﻴﺖ ﻫﻨﺎ، ﻓﻠﻢ أﻛﺘﺮﻱ ﺑﻴﺘًﺎ ﺑﻌﺪ، ﻭأﻏﻠﻘﻮﺍ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺒﺎﺏ ﺛﻢ إﺫﺍ ﺭﺟﻌﺘﻢ ﻓﻲ ﺻﻼﺓ ﺍﻟﻔﺠﺮ ستجدونني ﻫﻨﺎ بإذن ﺍﻟﻠﻪ.

ﻓﻤﺎ ﻛﺎﻥ ﻣﻦ هذا الرجل إﻻ أﻥ ﻧﺎﺩﻯ ﻋﻠﻰ آخرين ﻭأﺧﺬﻭﺍ ﻓﻲ ﺷﺪ إﺑﺮﺍﻫﻴﻢ ﺑﻦ أﺩﻫﻢ ﻣﻦ عباءته ﻭأخرجوه ﻣﻦ ﺍﻟﻤﺴﺠﺪ ﺧﻮﻓﺎ أﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﻳﺮﻳﺪ ﺑﺎﻟﻤﺴﺠﺪ ﺷﺮًﺍ، ﻭﺑﻴﻨﻤﺎ ﻫﻢ ﻋﻠﻰ ﺗﻠﻚ الحالة ﻭﻋﻨﺪ ﻭﺻﻮﻟﻬﻢ إﻟﻰ ﺑﺎﺏ ﺍﻟﻤﺴﺠﺪ ﺭﺁﻫﻢ أﺣﺪ ﺍﻟﻤﺎﺭﻳﻦ ﺑﺠﺎﻧﺐ ﺍﻟﻤﺴﺠﺪ ﻭﻫﻢ ﻋﻠﻰ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺤﺎلة، ﻓﺠﺎﺀ إﻟﻴﻬﻢ ﻭﻗﺎﻝ ﻟﻬﻢ: ﻣﺎ ﺑﺎﻟﻜﻢ؟ ﺍﺗﺮﻛﻮﺍ ﺍﻟﺮﺟﻞ، ﻓأﺧﺒﺮﻭﻩ ﺑﺎﻟﻘصة، ﻓﻘﺎﻝ ﻟﻬﻢ: أﻧﺎ أﺧﺬﻩ ﻟﻠﻤﺒﻴﺖ ﻋﻨﺪﻱ فأخذه الرجل ﻭﺫﻫﺐ ﺑﻪ ﻭﻓﻲ ﺍﻟﻄﺮﻳﻖ ﻗﺎﻝ ﻟﻪ: أﻧﺎ ﺭﺟﻞ ﺧﺒﺎﺯ أﺧﺒﺰ ﺍﻟﺨﺒﺰ ﺑﺎﻟﻠﻴﻞ ﻭأﺑﻨﺎﺋﻲ ﻳﺒﻴﻌﻮﻧﻪ ﺑﺎﻟﻨﻬﺎﺭ ﻭﻋﻨﺪﻱ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺨﺒﺰ ﺳﺮﻳﺮ ﺗﺴﺘﻄﻴﻊ أﻥ ﺗﻨﺎﻡ ﻋﻠﻴﻪ ﺣﺘﻰ ﺍﻟﺼﺒﺎﺡ، ﺛﻢ ﺗﺴﺘﺄﺟﺮ ﻟﻨﻔﺴﻚ ﻣﻜﺎﻧًﺎ آﺧﺮ إﻥ ﻛﻨﺖ ﺗﻨﻮﻯ ﺍﻟﺒﻘﺎﺀ ،ﻓﺬﻫﺐ ﻣﻌﻪ إﺑﺮﺍﻫﻴﻢ ﺑﻦ أﺩﻫﻢ إﻟﻰ ﺍﻟﻤﺨﺒﺰ، ﻭﻫﻨﺎﻙ ﻟﻢ ﻳﺴﺘﻄﻊ ﺍﻟﻨﻮﻡ، ﻓﻈﻞ ﻳﺮﺍﻗﺐ ﺍﻟﺨﺒﺎﺯ ﻭﻫﻮ ﻳﻌﻤﻞ ﻓﺮﺁﻩ ﻳﻘﻮﻝ: ﺑﺴﻢ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻨﺪ إﺩﺧﺎﻟﻪ ﺍﻟﺨﺒﺰ إﻟﻰ ﺍﻟﻔﺮﻥ، ﺛﻢ ﻳﻘﻮﻝ ﺍﻟﺤﻤﺪ ﻟﻠﻪ ﻋﻨﺪ إﺧﺮﺍﺟﻪ ﻣﻨﻬﺎ، ﻭﻇﻞ ﻳﻔﻌﻞ ﻫﺬﺍ ﻋﻠﻰ ﻛﻞ ﺧﺒﺰﻩ، ﻓﺴأﻟﻪ إﺑﺮﺍﻫﻴﻢ ﺑﻦ أﺩﻫﻢ: ﻳﺎ أﺧﻲ أﻣﺎ ﻟﻚ ﺫﻛﺮ ﻏﻴﺮ ﻫﺬﺍ؟.

ﻓﻘﺎﻝ ﻟﻪ: ﻭﺍﻟﻠﻪ إﻥ ﻟﻲ ﻋﺸرين ﻋﺎﻣًﺎ ﻭأﻧﺎ ﻣﺎ أﺩﺧﻠﺖ ﺧﺒﺰﺓ إﻟﻰ ﺍﻟﻔﺮﻥ إﻻ با ﺑﺴﻢ ﺍﻟﻠﻪ، ﻭﻻ أﺧﺮﺟﺘﻬﺎ إﻻ ﺑﺤﻤﺪ ﺍﻟﻠﻪ، ﻓﻘﺎﻝ إﺑﺮﺍﻫﻴﻢ ﺑﻦ أﺩﻫﻢ: ﻭﻫﻞ ﻭﺟﺪﺕ أﺛﺮﺍ ﻟﻬﺬﺍ ﺍﻟﺬﻛﺮ ﻋﻠﻰ ﺣﻴﺎﺗﻚ؟، ﻓﻘﺎﻝ: ﻧﻌﻢ ﻣﺎ ﺳﺄﻟﺖ ﺍﻟﻠﻪ ﺷﻴﺌًﺎ إﻻ ﺍﺳﺘﺠﺎﺏ لي، إﻻ ﺩﻋﻮﺓ ﻭﺍﺣﺪﺓ ﺩﻋﻮﺗﻬﺎ ﻭﻻ ﺯﻟﺖ أﻛﺮﺭﻫﺎ ﻣﻨﺬ ﺧﻤﺲ ﺳﻨﻮﺍﺕ! ﻓﻘﺎﻝ ﻟﻪ ﻭﻣﺎ ﻫﻲ !؟ ﻓﻘﺎﻝ ﻟﻪ ﺳﺄﻟﺖ ﺍﻟﻠﻪ أﻥ ﻳﺠﻤﻌﻨﻲ بإﺑﺮﺍﻫﻴﻢ ﺑﻦ أﺩﻫﻢ أﺟﻠﺲ ﻣﻌﻪ ﻭأﺳﺘﻔﻴﺪ ﻣﻦ ﻋﻠﻤﻪ..

ﻓﻀﺤﻚ ﺑﻦ أﺩﻫﻢ ﻭﻗﺎﻝ ﻟﻪ: ﻳﺎ أﺧﻲ ﻭﺍﻟﻠﻪ إﻧﻚ أﻓﻀﻞ ﻋﻨﺪ ﺍﻟﻠﻪ ﻣﻦ إﺑﺮﺍﻫﻴﻢ ﺑﻦ أﺩﻫﻢ، ﻓﻘﺎﻝ ﻟﻪ ﺍﻟﺮﺟﻞ: ﺍﺗﻘ ﺍﻟﻠﻪ ﻳﺎ ﺭﺟﻞ، ﻭأﻳﻦ أﻧﺎ ﻣﻦ إﺑﺮﺍﻫﻴﻢ ﺑﻦ أﺩﻫﻢ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﺮﺟﻞ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﺍﻟﻮﺭﻉ؟ ﻓﻘﺎﻝ ﻟﻪ: ﻭﺍﻟﻠﻪ ﻳﺎ أﺧﻲ إﻥ ﺍﻟﻠﻪ ﻗﺪ ﺟﺎﺀ ﻟﻚ بإبراهيم ﺑﻦ أﺩﻫﻢ ﻣﺠﺮﻭﺭًﺍ ﻣﻦ ﺛﻴﺎﺑﻪ ﺣﺘﻰ أﻟﻘﺎﻩ ﻋﻨﺪ ﻗﺪﻣﻴﻚ.. أﻧﺎ إﺑﺮﺍﻫﻴﻢ ﺑﻦ أﺩﻫﻢ، ﻓتعجب ﺍﻟﺮﺟﻞ ﻭﺣﻤﺪ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻰ ﺍﺳﺘﺠﺎﺑﺘﻪ ﻟﺪﻋﺎﺋﻪ”(راجع موقع المصراوي –إسلاميات)،وهناك تشابه كبير بين هذه القصة وقصة الإمام أحمد بن حنبل

ولما كان الإنسان يرفل في نعم الله عز وجل من أرنبتي أذنيه إلى أخمصي قدميه التي لا يمكن تعدادها وإحصاؤها(سواء كانت نعما مادية أو معنوية لأن التفكر في النعم يورث محبة الحق على وصف الحقيقة لأن النفوس جبلت على حب من أحسن إليها )،فقد استشعر إبراهيم بن أدهم نعمة كبيرة ألا وهي نعمة الستر التي لولها لما تصافح الناس ولا تحابوا ولا تقاربوا ولا تبادلوا الاحترام فيما بينهم: إذ يروى أن بعض الأمم السابقة كان إذا أذنب أحدهم كتب على جبهته فعل كذا وكذا، وأخرى إذا أذنب أحدهم في الليل كتب على باب بيته فلان فعل كذا وكذا.وفي هذا السياق يحكى أن إبراهيم بن أدهم كان بشمي ذات يوم فوجد رجالا مقطوع الأطراف(لا يدين ولا رجلين) به جذام(جلده متناثر) أعمى ملقى على قارعة الطريق في حالة رثة والناس يمرون ويضعون الطعام في فمه إشفاقا عليه،فأخذ يتأمل فيه وسمع الرجل يقول:”الحمد لله على نعمه العظيمة وعطاياه الجسيمة”،فألقى عليه إبراهيم السلام فرد عليه الرجل قائلا:”وعليك السلام يا إبراهيم،فسأله إبراهيم:”كيف عرفتني؟” –رد الرجل:ما جهلت شيئا مذ عرفت الله”،قال له إبراهيم:ماذا كنت تقول آنفا؟قال:منت أقول: :”الحمد لله على نعمه العظيمة وعطاياه الجسيمة”،قال إبراهيم:”ما الذي جرى لأطرافك؟قال: بترت،قال :ما الذي على جلدك؟قال :الجذام؟نقال:أين بصرك؟قال:كف،قال:أين منزلك؟قال:قارعة الطريق التي تراني عليها،قال:من أين تأكل؟قال مما يسوقه الله لي على يد خلقه،قال إبراهيم:فأين النعم العظيمة والعطايا الجسيمة يا هذا؟قال:يا إبراهيم:ألم يبق لي لسانا ذاكرا وقلبا شاكرا؟قال:بلى:قال:فأي نعمة أعظم من هذا؟ وهذا يكشف لنا حقيقة الدنيا، وكيف تتلاعب بأهلها تسترهم حينا، وتفضحهم حينا آخر،وكيف تدوس من أخلص لها وترك إخلاصه لله عز وجل، وتستخدم من خدمها لأنها قليلة العطاء، كثيرة العناء، سريعة الفناء،فشتان ثم شتان بين من يسكر بشرب الإثم وبين من يسكر بنور التفكر والشوق إلى الله عز وجل.(انظر الحبيب علي الجعفري على اليوتيوب).

جاء رجل إلى إبراهيم بن أدهم فقال له:عظني،فقال له:كثرت عليك الذنوب؟قال نعم، قال:إذن عليك إذا أردت أن تعصي الله بما يلي قال:هات الأولى قال:فلا تأكل رزقه،قال:ويحك يا إبراهيم وهل في هذا الكون كله بعلوه وسفله ،بأرضه وسمائه من رزق سوى رزق الله رب العالمين؟،فقال:وهل يعقل أن تأكل رزقه وتعصي أمره؟قال:هات الثانية،قال:إذا ما أردت أن تعصي الله رب العالمين وأنت تأكل رزقه،فلا تسكن داره،فقال :يا إبراهيم وهل هناك من دار سوى أرضه وسمائه يمكن أن ألوذ بها؟فقال:فهل يعقل أن تأكل رزقه وتسكن داره وتعصي أمره؟قال:هات الثالثة،فقال:إذا أبيت إلا أن تأكل رزقه وتسكن داره وأن تعصي أمره، فلا تدعه يراك عند معصيتك إياه،فقال:فكيف ذلك يا إبراهيم وهو يطلع على السر والنجوى؟،فقال:فهل يحسن أن تأكل رزقه وتسكن داره وهو يراك ثم تقوم بمعصيته؟قال:هات الثالثة،قال:إذا جاءك ملك الموت فدافعه حتى تِؤخره،قال:انه لا يدفع إذا جاء ولا يؤخر،قال:ربما أتاك وأنت على الذنب،فماذا أنت صانع؟ قال:صدقت،قال: إذا كنت في قبرك وجاءك منكر ونكير فدافعهما جهدك وصاولهما ما استطعت بقوتك،قال:إنهما لا يدافعان ولا يصاولان،قال:إذا وقفت يوم القيامة وعرضت على الله رب العالمين،فعليك حينئذ إذا ما أمر بك إلى النار أن تقول إني لن أذهب إلى النار،قال:حسبي حسبي يا إبراهيم.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.