إصلاحات التربية و التكوين و خلاصة الصفر على العشرين

0 764

عبد السلام الحميدي

هدفي من هذه المقالة بعيدا عن تشخيص الحال، فقد أُسيل حولها مداد كثير. لا أقصد وضع الأصبع على الداء، فلا حاجة لاستكشاف اعتلال مزمن. قصدي إعادة قراءة في مسلسل المشاريع و التدابير و محاولات الإصلاح المتخذة في سبيل انتشال نظامنا التعليمي المغربي من هوة تزداد عمقا منذ نحو ستين سنة. هذه المحاولات المختلفة تنقسم إلى عشرين مجالا أساس، وهي كالآتي:  

1- مشروع “اللجنة الملكية العليا لإصلاح التعليم” (1957): و التي قررت جملة من الإصلاحات أهمها توحيد البرامج وتعريب التعليم الابتدائي مؤكدة على جدية المبادئ الأربعة (التوحيد والتعريب والمجانية ومغربة الأطر التعليمية).

2- التصميم الثنائي (58- 59) لحكومة الاتحادي عبد الله إبراهيم: والذي بموجبه أصبح التعليم الخاص تحت وصاية وزارة التربية الوطنية إضافة إلى إحداث الجامعات المغربية.

3- المخططان/ التصميمان الثلاثيان (65- 67 و 78- 80): حيث تراجع الأول عن مبادئ التعميم والتوحيد والمغربة

و قلص ميزانية التعليم، بينما واصل الثاني توطين ظاهرة الازدواجية رغم كونها السبب في انخفاض مستوى التعليم باعتراف رسمي و خصوصا بعد تأكيد الخطاب الملكي (1978)على إبقائها.

4- التصاميم الخماسية الخمسة: إذ عرف الأول (60- 64) توقف تعريب المواد العلمية في السلك الابتدائي بعد عامين من إقراره و في خضم المفاوضات الأورومغربية و التي توجت بالاتفاقية التجارية لسنة 1969. و عرف الثاني صدور مذكرتي التكرار و تقليص نسبة الالتحاق بالتعليم الثانوي و تعريب مادتي الفلسفة والاجتماعيات. أما الثالث فقد جاء بهاجس اجتماعي داعيا إلى إصلاح شامل للنظام التعليمي مؤكدا من جديد على مبادئ التعريب و التعميم و المغربة..

5- مشروع بنهيمة في أبريل 1966: نكسة كبرى في مسلسل الإصلاح حيث 30٪ فقط من تلاميذ الابتدائي يمرون للثانوي و 2٪ من هؤلاء فقط يحصلون على البكالوريا و 7٪ منهم  فقط يصلون التعليم العالي. فخلاله تمت العودة إلى ورطة الازدواجية في الابتدائي و توقف تعريب مواد العلوم و الحساب و برنامج المغربة من جديد، كما تم إلغاء التعليم التقني و المهني بجرأة لبرالية.

6- مشروع إصلاح 1980: و هي السنة التي تم فيها إحداث شعبة الدراسات الإسلامية بكليات المغرب كما شهدت تدافع بين المد الفرنكفوني ودعوات حماية اللغة العربية من الامتهان و التهميش.

7- الميثاق الوطني للتعليم 1981 وما بعده: إذ بعد عامين من إقراره صدر الشعار التاريخي “التعليم قطاع غير منتج” و اتُخذت إجراءات مستقاة من توصيات البنك الدولي منها فرض رسوم التسجيل بالجامعات و تقنين عملية التكرار ثم إحداث إدارة التكوين المهني لاستقبال أفواج المطرودين من الدراسة و أعدادهم المتزايدة.

8- إصلاح 1985: والذي أسس استراتيجية تشجيع ولوج التكوين المهني و التعليم الخصوصي بكل أسلاكه.

9- مشروع وثيقة المبادئ الأساسية (94- 95): و التي دعت بحس وطني صادق إلى مجموعة مبادئ هامة منها ضرورة ترسيخ القيم الإسلامية والاعتناء بتحفيظ القرآن الكريم و اعتماد اللغة العربية – اللغة الرسمية للبلاد- محور التعليم و تعريب جميع مجالات الحياة و تعليم الأمازيغية. فما كان لهذه المبادئ والتوصيات أن تجد صداها في دواليب الدولة ليتم بالتالي إجهاضها وتعويض اللجنة التي دعت إليها بلُجينة (مصغرة حسب توجيهات المادة 39 من تقرير البنك الدولي لسنة 1995)، هذه اللجينة التي ستضع فيما بعد “مشروع الميثاق الوطني للتربية و التكوين”.

10- مشروع م. و. ت. ت (2000- 2009): و الذي جاء بنقيض المبادئ الأساسية السابقة و مهد لتخلي الدولة تدريجيا عن تحمل “ثقل تمويل التعليم” تماشيا مع بنود التقرير الدولي المذكور وبالأخص المادة 24 منه. و كما كان متوقعا كان نصيب هذا المشروع أيضا الفشل في تحقيق أهدافه و أعلن رسميا خيبته قبل سنتين من إتمام عشريته الضائعة.

11-  تشكيل اللجان ومنها: اللجنة العليا لإصلاح التعليم(1957) إبان حكومة البكاي الثانية ولجنة الثقافة والتربية (58- 59) التي عهد إليها تنظيم التعليم الخاص والجامعات المغربية واللجنة الوطنية للتعليم (94- 95) التي أصدرت وثيقة المبادئ الأساسية التي تحدثنا عنها أعلاه و لجنة بلفقيه لوضع مشروع م. و.ت . ت. و المكونة من 34 شخصية فقط على أنقاض اللجنة الموسعة السابقة لها.

12- إحداث مجالس و إدارات و أنظمة: إحداث كليات وطنية (58- 59)، إحداث معهد الدراسات و البحوث حول التعريب و مندوبية التكوين المهني والمدرسة العليا للأساتذة خلال الستينيات، المجلس الأعلى للتعليم في نسخته الثانية و مفتشيات التخطيط والتموين و نظامي المجموعات التربوية و التوالي خلال السبعينيات، إحداث إدارة التكوين المهني و تكوين الأطر وانطلاق نظام أربع سنوات في جميع التخصصات و نظام الأكاديميات ونظام الوحدات بالابتدائي في الثمانينيات، الشروع في تطبيق نظام المسالك المزدوجة (1997)..

13- المناظرات الوطنية و المؤتمرات و اللقاءات: أول مؤتمر للجامعة العربية حول التعريب من 3 إلى 7 أبريل 1961 بالرباط و اللقاء الأول و الأخير للمجلس الأعلى للتعليم في نفس السنة- مناظرة المعمورة التي حملت نداء المبادئ الأربعة (1964)- مناظرة إفران الأولى و تجاذب إرادتي الفرنكفونية و التعريب- أيام التربية الوطنية بإفران (1980) بالإضافة إلى مختلف الاجتماعات الماراثونية للجان المكلفة بإعداد مشاريع الإصلاح (57، 58، 95..) إلى الآن.

14- صيحات الغيورين من علماء و مثقفين و تربويين وهيئات المجتمع المدني: فقد ألفت كتب منتقدة مقترحة  مبينة و أجريت تصريحات و نظمت لقاءات و لم يبقى مهتم إلا تحدث عن المعضلة، المشكل، الأزمة، الفشل، لكن هذه الدعوات تبقى حبيسة مصادرها لما تعترضها جاهزية الإملاءات الخارجية وتعنت التعليمات الأحادية.  

15- مسألة التعريب:  في 1661 نظم أول مؤتمر عربي للتعريب بالرباط لم تطبق توصياته، و في 1692 تمت إقالة مدير معهد الدراسات حول التعريب أحمد الأخضر الذي وضع منهجا جديدا يضمن نجاح برنامج التعريب بمختلف الأسلاك التعليمية كما استقال المدير العام المساعد للوزارة إدريس الكتاني احتجاجا على سياسة الازدواجية التي تتشبث بها الدولة و التي اعتبرها الوطنيون “خطرا على مستقبل التعليم” واعترف وزير التعليم آنذاك في 1977 عز الدين العراقي بصحة هذا القول.

 16- إصلاحات تقسيم الوزارة: خضعت وزارة التربية الوطنية على مدى عمر الإصلاحات المتتالية منذ 1661 حتى الآن إلى عدة تقسيمات و محاولات إعادة تنظيم و اعتماد مديريات و غيرها من الأساليب الإدارية كإجراءات في سبيل استصلاح ما يمكن..

17- صدور المراسم و الظهائر و القوانين: كظهير إلزامية التعليم 7 – 13 سنة (1963)، مذكرات مذهب بنهيمة، ظهير الإصلاح الجامعي، قرار “التعليم قطاع غير منتج”، قانون إحداث الوكالة الوطنية لمحاربة الأمية (2011)، ظهائر تنفيذ الإصلاحات..الخ

18- الإصلاح الجامعي: أول تنظيم شامل للتعليم العالي صدر في 25 فبراير 1975، وفي سنة 1983 تم اعتماد سياسة التقشف من خلال التقويم الهيكلي جراء أزمة الديون و الأزمة الاقتصادية بالبلاد مما استدعى فرض رسوم التسجيل بالجامعات و إلغاء نفقات تجهيز التعليم العالي و الحد من المنح الدراسية بالخارج (مشروع 85)، و في 1990 خرج مشروع الإصلاح البيداغوجي للتعليم العالي، و في نفس سنة التحق أول فوج معرب إلى الجامعة مع بقاء التعليم العالي مفرنسا، و بعده بأربع سنوات صدرت الدورية الثلاثية الشهيرة بين الداخلية و العدل والأوقاف كتعبير عن الهاجس الأمني بالجامعة المغربية. و بعد تقرير البنك الدولي لعام 1995 و دعوته لربط التعليم بالسوق تم استصدار مراسيم 19 فبراير 1997 المتعلقة بإصلاح نظام الدراسات العليا و النظام الأساسي للأساتذة الباحثين كتعبير عن توجهات مشروع م.و.ت.ت.

19- ردود الفعل حول التقارير الدولية الخاصة بالتعليم: إبان الضيق الاقتصادي الذي عرفه المغرب أوائل الثمانينات حيث ارتفعت مديونيته إلى 12 مليار دولار جاء إصلاح 1981 استجابة لضغوط البنك الدولي لاسيما بعد اتفاقيتي 80 و 81 ثم دفعت اتفاقية جدولة الديون مع فرنسا سنة 1983 الدولة إلى اعتماد سياسة التقويم الهيكلي، و أملى تقرير البنك الدولي لعام1995 إلغاء وثيقة المبادئ الأساسية و استعاضتها بلُجينة مزيان بلفقيه التي جمعت بنود الميثاق الوطني للتربية و التكوين وعرضت بعض قوانينه على البرلمان لمناقشتها دون امتلاك صلاحية المصادقة على المشروع. ثم بعد سبع سنوات من تنزيل الميثاق طلع تقرير رائز pirls الكندي لتقويم التعلمات ليصنف تلاميذ المغرب في الرتبة ما قبل الأخيرة ب33 نقطة بينما المعدل العالمي 506. و بعد ذلك تقرير البنك الدولي بداية 2008 و قبيل اعتماد البرنامج الاستعجالي لوزارة اخشيشن، و تقرير دافوس 09- 10 و تقرير يونسكو 2011 و 2012 الذي أخبرنا بتفوق دول أفريقية  كأثيوبيا علينا في ميدان التعليم.

20- البرنامج الاستعجالي 2009- 2012: و الذي أتى بنفس إنقاذي قصد تدارك فشل م. و. ت. ت. و تسريع وتيرة إنجاز مقتضياته ولات حين مناص. فخطط مهندسوه 23 مشروعا طموحا و اعتبروا أنه ” تم استخلاص دروس رئيسية من الماضي، ولهذا آن الأوان للممارسة الفعلية “. وعبروا في خاتمة الوثيقة عن “بروز نظرة طموحة وإرادية لوزارة التربية الوطنية والتعليم العالي وتكوين الأطر والبحث العلمي، من أجل ربح رهان مدرسة الجودة للجميع، مدرسة تعلم وتربي، وتهيئ المستفيدين منها  بكل فعالية للاندماج الاجتماعي والمهني “. لكن سينبري الوزير الوفا في اجتماع لجنة التعليم والثقافة والاتصال بمجلس النواب، يوم الثلاثاء 24 يوليوز2012 و قبل إتمام تنزيل المخطط، ليعلن هو الآخر الفشل الرسمي لهذا المخطط “الطموح” الذي كلف الميزانية 33 مليار درهم و يوقف بيداغوجيا الإدماج التي شرع في تنزيلها.

خلاصة: فكانت نسبة النجاح المخزية التي لا مراء حولها والنتيجة الصفر على العشرين ليستمر مستقبل التربية و التكوين ببلادنا في متاهات لا مخرج منها بسبب إنتاج نفس الأخطاء التاريخية وذلك هو الغباء الذي قال عنه ألبرت إنشتاين: “الغباء هو فعل نفس الشيء مرتين (ومرات) بنفس الأسلوب ونفس الخطوات مع انتظار نتائج مختلفة”.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.