الإهمال التربوي عامل من عوامل الانحراف و الاستغلال

0 482

أطفال “يتسكعون” بمفردهم ويحرمون من فرح الطفولة، يرسمون للحياتهم مسارا ذو ركائز خطيرة عبارة عن حفات عديدة، حقوقهم في مهب الريح، يعانون الألم والاستغلال والاحتقار، ولا حياة لمن تنادي تعود أسباب معاناتهم إلى عوامل سياسية واقتصادية واجتماعية، فيما تبقى الحماية والرعاية والمساعدات شحيحة بحقهم، أطفال يجوبون الشوارع ليل نهار، يتجولون بين المقاهي ويجلسون أمام المساجد خلال أوقات الصلات، أو يترصدون العابرين أمام المحالات التجارية والابناك بوجوههم الشاحبة وأيديهم الممدودة لكسب درهم أو نصفه أو سنتيمات محدودة، جائعون مشردون اتخذوا من الشارع ملجئا لهم للترفيه وقضاء سويعات من التشرد المؤقت أجسادهم متسخة أقدامهم حافية أحيانا وثيابهم لا تتناسب فصول السنة! منهم من يعمل في مجالات مسح الأحذية والتسول، بيع السجائر آو الأكياس البلاستيكية أيام السوق أو دفع عربات النقل، ومنهم من يقوم بابتزاز الجالسين في المقهى بتصرفاتهم الصبيانية و البعض الأخر منهم يهوى ويحترف رياضة الأصابع “إوا فهم يا الفاهم” وآخرون يشتهي استعمال بعض أنواع المخدرات التقليدية كشم “السيراج والتيبا” في حين يجب أن يكون مكانهم الأصلي مقاعد في المدرسة يتحضرون لمستقبل واعد يليق بهم، هؤلاء الأطفال يعانون من التهميش و الإقصاء، تنتهك حقوقهم، حقهم في الترفيه واللعب، والتعليم وحقهم في الحماية من العنف و الاحتقار، والمشاركة في الحياة العامة و التأطير، هذا الإقصاء يمكن تصنفه ضمن لائحة الإهمال التربوي للطفل الذي يتمثل في مجموعة من الأشياء نذكر منها على سيبل المثال : عدم الاهتمام بالتعامل مع هؤلاء الأطفال على أساس مصلحتهم الراقية، عدم تواجد الآباء أو عدم اكتراثهم لتوجيه والنصح والمشورة والمساندة للأطفال حين يحتاجونها، حرمان هذه الفئة من المدرسة و السماح لها بالتسيب، عدم توفير الرعاية الضرورية لها للوصول إلى المدرسة وما يؤدي للتعلم والنجاح، حرمانها من اكتساب المهارات الضرورية التي تساهم في نمو شخصيتها وتقويم سلوكها، حرمانها من المشاركة في مجموعة من الأنشطة التربوية والترفيهية والمناسبات الأخرى المتعلقة بالطفل…. الخ.
يشكل كل من غياب حنان الأم وسلطة الأب كارثة حقيقية في مسألة تربية الطفل وتحقيق تكامله النفسي والاجتماعي، فإذا كان نقص العطف و الحنان يعود إلى عوامل عديدة وفي مقدمتها غياب بعض الأمهات عن البيت نتيجة انشغالاتهن المهنية ثم لامبالاة أمهات أخريات بأطفالهن نتيجة أنانيتهن أو عدم نضجهن أو حتى نتيجة ظروفهن المعيشية والنفسية المزرية، فإن نقص سلطة الأب يعود على العموم إلى الغياب الفعلي له، إما نتيجة عمله المستديم أو سلوكه المنحرف وإما بفعل انهماكه داخل البيت لتلبية رغباته وهواياته المفضلة إلى الحد الذي لا يختلف فيه حضوره عن غيابه وإما نتيجة موت أحد الوالدين أو مرضه…الخ، وفي هذا السياق تكمن أهمية الإشارة إلى أن درجة معرفة الطفل لوالديه وتعلقه بهما لا تتوقف كما يتوهم الكثيرون على عدد الساعات التي يقضيانها معه، بل تتوقف أساسا على نوع هذه الأبوة بكل ما توظفه من أساليب المعاملة والطرق التربوية، فالأبوة أو الأمومة الحكيمة، لا تقاس بعدد الساعات داخل البيت بل ترتكز من جهة على ما يمنح للطفل من حب ومودة وعناية، ومن جهة أخرى على ما يقدم له من أشكال التحفيز والحث البيداغوجي المتمثل خاصة في مراقبة تصرفاته و أنشطته وتخليق سلوكاته وتطوير علاقاته وذلك من خلال إمداده بالقيم الأخلاقية وعادات التفاعل والتواصل وإكسابه المعارف والتمثلات الخاصة بالهوية الأخلاقية، وهذا يعني أنه من الخطأ النظر إلى غياب الأب أو الأم عن البيت على أنها وضعية ستحرم الأسرة فقط من مصدر مادي هام يفي بجميع المطالب والحاجات، بل الحقيقة الحقيقية من ذلك هي أن هذا الغياب أو الحرمان يفقد الأسرة والطفل على حد سواء من عناصر الاتصال النفسي والإشراف التربوي والتوجيه البيداغوجي التي تشكل الركائز الأساسية للتربية المأمولة في المجتمع، بمعنى التربية التي تحقق نمو الطفل واندماجه الاجتماعي عبر مجموعة من الاستراتيجيات المتمثلة أساسا في التضبيط الذاتي والتلاؤم والتعاون.
إن من الأولويات الأساسية و التي يجب كسبها في كل مجتمع يريد الرقي و الازدهار و التقدم نحو الأفضل في الحقل الاجتماعي، هو ضمان مشاركة الأطفال في المجالات التي تشكل الركيزة الأساسية لأي محيط كالمجال الاجتماعي وكذا الثقافي التربوي، إن العمل التربوي لم يعطي فرصة لهؤلاء الأطفال للمشاركة الفعالة لهم رغم أن هذا العمل في منطلقاته وأهدافه يشكل وعاء لصقل إبداعات المواهب و مدها بأسس ثقافية هادفة، ليس فقط لكونه يهدف إلى تغيير بنيات الواقع فقط، وإنما إحداث تغيير على مستوى أشكال التفكير فيه و طريقة ذلك البناء، والعمل التربوي هو حقل متميز ومجال خصب تنتعش فيه روح تحمل المسؤولية بشكل جماعي و يتم فيه الدفع بالأطفال نحو تحرير طاقاتهم و إمكانياتهم الإبداعية وخلق أفراد يحكمون ضمائرهم الحية في الإنتاج والإبداع والنقد، ونظرا للأهمية التي يحتلها العمل التربوي من حيث التأطير و تعبئة إمكانيات الأطفال ولكون هذه الفئة تشكل دعامة أساسية للدفع بالعجلة التنموية إلى الأمام عـلى غرار الدول المتحضرة، يتوجب الاهتمام بهذه الشريحة و تشجيعها معنويا و فكريا و نفسيا من أجل ضمان مشاركة فعالة لهم وإعطاءهم فرصة لتفعيل قدراتهم المعرفية، وعلى غرار ما سبق يتوجب البحث عن المشاكل التي تعترض هؤلاء الأطفال دون المشاركة الفعالة في الأنشطة التربوية.
و الجدير بالذكر انه في عام 1989، أقر زعماء العالم أن الأطفال بحاجة ماسة إلى اتفاقية خاصة بهم، لأنه غالبا ما يحتاج الأشخاص دون الثامنة عشر إلى رعاية خاصة وحماية لا يحتاجها الكبار تتمثل مهمة اليونيسف في حماية حقوق الأطفال ومناصرتها لمساعدتهم في تلبية احتياجاتهم الأساسية وتوسيع الفرص المتاحة لهم لبلوغ الحد الأقصى من طاقاتهم وقدراتهم، وتتضمن الاتفاقية 54 مادة، وبروتوكولان اختياريان، و توضح هذه الاتفاقية حقوق الإنسان الأساسية التي يجب أن يتمتع بها الأطفال في أي مكان، ودون تمييز، وهذه الحقوق هي : حق الطفل في البقاء، والتطور والنمو إلى أقصى حد، والحماية من التأثيرات المضرة، وسوء المعاملة والاستغلال، والمشاركة الكاملة في الأسرة، وفي الحياة الثقافية والاجتماعية، وتتلخص مبادئ الاتفاقية الأساسية الأربعة في عدم التمييز، تضافر الجهود من أجل المصلحة الفضلى للطفل، والحق في الحياة، والحق في البقاء، والحق في النماء، وحق احترام رأي الطفل، وكل حق من الحقوق التي تنص عليه الاتفاقية بوضوح، يتلازم بطبيعته مع الكرامة الإنسانية للطفل وتطويره وتنميته المنسجمة معها، وتحمي الاتفاقية حقوق الأطفال عن طريق وضع المعايير الخاصة بالرعاية الصحية والتعليم والخدمات الاجتماعية والمدنية والقانونية المتعلقة بالطفل، وبموافقتها على الالتزام (بتصديقها على هذا الصك أو الانضمام إليه)، تكون الحكومات الوطنية قد ألزمت نفسها بحماية وضمان حقوق الأطفال، ووافقت على تحمل مسؤولية هذا الالتزام أمام المجتمع الدولي، وتلزم الاتفاقية الدول الأطراف بتطوير وتنفيذ الطفولة وتغيير مفهوم الاهتمام بالطفل فلا يبقى على هامش المسؤوليات بل تتصدر حقوقه قائمة الأولويات في المجتمعات كافة، هذه الاتفاقية التي من مميزاتها أنها جاءت لتؤمن مصلحة الطفل في جميع سياسات والبرامج الحكومية واعتبرت من المبادئ العامة التي طرحتها والتي من ضمنها حق الطفل في البقاء والنماء وعدم التمييز وحقه في المشاركة الذي يضمن حق الطفل في التعبير عن رأيه، هذا الحق الذي كفلت تنفيذه الدول الموقعة على الاتفاقية التي أقرت حق الطفل في إبداء رأيه والتعبير عنه في كل المجالات المتعلقة به وبمصالحه وإعطائه حق المشاركة الفعلية منذ طفولته المبكرة ضمن إمكانياته ومستوى نضجه الزمني والاجتماعي والجسدي، جميع إجراءاتها وسياساتها على ضوء المصالح الضرورية للطفل،

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.