التعليم الأولي و رهان إصلاح المنظومة التربوية
يعتبر اصلاح المنظومة التربوية من بين الأوراش الكبرى التي راهن عليها المغرب منذ فجر الاستقلال. قامت الحكومات المتعاقبة على الشأن السياسي و التربوي بمجموعة من الاجراءات و الاستراتيجيات، بدءا بالمخططات الخماسية، مرورا بالمبادئ الأربعة (التوحيد و التعريب و التعميم و مغربية الأطر)، وصولا إلى السياسة الحديثة التي تتمثل في الميثاق الوطني للتربية و التكوين و المخطط الاستعجالي… رغم التجربة الواسعة التي راكمها المغرب في مسألة اصلاح المنظومة التربوية، إلا أن هذه الاجراءات لم تعطي أكلها بالشكل المرغوب فيه، “فصار كل إصلاح لا يبارح مكانه في الزمان و الفضاء إلا و قد أحتاج ذاته لإصلاح”[1] .فظل اصلاح المنظومة التربوية خطاب سياسي يتم اجتراره من قبل الفاعلين السياسيين الذين يخلطون بين ما هو ايديولوجي حزبي محض و ما يتعلق بالأوراش الكبرى التي تحدد معالم المجتمع و أفقه.
أشارت مجموعة من التقارير الوطنية و الدولية إلى أن المنظومة التعليمية التعلمية بالمغرب تفتقد الجودة و تعتمد على التلقين بدل البناء، كل هذه الأمور و غيرها ألحت على المجلس الأعلى للتربية و التكوين و البحث العلمي بالعمل على صياغة رؤية جديدة هدفها ضخ دماء جديدة في هذه المنظومة. هذه الرؤية الاستراتيجية التي تحمل عنوان “مدرسة الانصاف و الجودة و الارتقاء الفردي و المجتمعي” 2015- 2030، يراها المجلس الأعلى للتربية و التكوين الصيغة المثلى لإصلاح المنظومة التربوية المغربية التي عانت الأمرين منذ سنين خلت. من بين النقط الأساسية المدرجة في هذه الصيغة هي إلزامية إدراج سنتين من التعليم الأولي في التعليم الابتدائي. تجدر الاشارة إلى أن هذه النقطة تعتبر من بين توصيات الميثاق الوطني للتربية و التكوين و لم يتم تفعيلها طيلة العقد الأخير. في السياق نفسه أشارت مجموعة من الدراسات إلى أن المستفيدين من التعليم الأولي هم الأوفر حظا في المتابعة السلسة و الموفقة لتعلمات التعليم الابتدائي
أثناء قراءتنا للتقارير و ملخصات التقارير المتعلقة بالشأن التربوي، يتضح لنا جليا أن الوزارة الوصية و الهياكل المختصة لا تعطي أهمية كبرى للعالم القروي، و لا تراعي خصوصياته الثقافية و السوسيو-مجالية. فعندما نتحدث عن الزامية التعليم الأولي فالعالم القروي لا يزال غارقا في مستنقع الأقسام المشتركة ( ست مستويات في قسم واحد و أستاذ واحد لكل المواد). كيف سنوفر أليات التعليم الاولى – بنفس مواصفاته في المدينة- و العالم القروي لا يتوفر على أهم الوسائل الديداكتيكية في حجرة الدراسة؟ من سيشرف على التعليم الأولي و الأستاذ المتدرب يخرج من مركز التكوين و لم يتلقى تكوينا كافيا عن القسم الأحادي و ما بالك بالقسم المشترك و التعليم الأولي ؟ كل هذه الأسئلة و غيرها لا نبتغي من خلالها طرح اشكالات تعيق أجرأت الرؤية الاستراتيجية بقدر ما نحاول من خلالها إنارة الرأي العام، و مطالبة الجهات المعنية بالأخذ بعين الاعتبار كل هذه الحيثيات.
حتى لا يفهم القارئ من هذا المقال أننا ننتقد من أجل أن ننتقد، فهذه مجموعة من الاجراءات و الاقتراحات التي نراها من جهة نظرنا، أنه سيكون لها وقع كبير في اصلاح المنظومة التربوية بالموازات مع الاجراءات الشجاعة التي اتخذتها الوزارة الوصية :
- محاولة تقليص الاكتظاظ في المستويين الأول و الثاني ( أن لا يتجاوز عدد التلاميذ في الفصل 20 إلى 25 تلميذا)
- توفير في كل مؤسسة قاعة للألعاب و الأنشطة الموازية للمستوى الأول تراعي خصوصياته السيكولوجية و حاجته في اللعب، و تمكينه من الخروج في الروتينية التي تطبع الأقسام العادية.
- تمكين الأطفال البالغين من العمر خمس سنوات الاستفادة من برنامج “تيسير” حتى يتسنى للأسر الفقير تسجيل أبناءها في روض الأطفال والكُتَّاب.
- تنظيم اجتماعات مع أولياء التلاميذ حتى يتسنى للأسرة و المدرسة معرفة مسار التلميذ و تقييم مدى تحقق كفايات كل مرحلة- لأن هناك كفايات لا يمكن أن يقيمها الأستاذ بمفرده-
- إعادة النظر في المظروف الزمني، لأن النهج الحالي لا يخدم بتاتا تلميذ القسم الأول خصوصا خلال الساعتين الأخيرتين من الحصة الدراسية.
[1] محمد عزيز الوكيلي : “الصيغة المثلى و رهانات المشروع و تحدياته” الجريدة التربوية العدد 64 – 2015
جزاكم الله خيرا على هذا الموضوع