الخلفيات الإديولوجية والتطبيع مع إسرائيل
تعود مختلف آراء المدافعين عن القضية الفلسطينية إلى ثلاث خلفيات إديولوجية، هي: اعتبارها قضية عربية أو قضية إسلامية أو قضية إنسانية.
القضية الفلسطينية قضية عربية: يتناول الكثير من المثقفين القضية الفلسطينية باعتبارها قضية العرب، وأغلبهم لديه مرجعية قومية متأسسة على الوحدة العربية من المحيط إلى الخليج، وأكثرهم نشاطا فئة كبيرة من المفكرين المسيحيين. وهذا المنظور جعلهم يعتقدون أن التطبيع مع إسرائيل لا يختلف عن إمدادهم بالأسلحة لتي بها يقتلون الأطفال والنساء والشيوخ في فلسطين.
القضية الفلسطينية قضية إسلامية: اعتبار القضية الفلسطينية قضية إسلامية موقف يتباه على الخصوص الخطاب الإسلامي الذي يعتبر المسيحيين أقرب إليه من اليهود، ومن ثمة، تعد مساعدة الفلسطينيين، مسيحييهم ومسلميهم، أمرا ضروريا وملحا، ويعتبرون التطبيع مع إسرائيل رديفا لنشر الظلم والفساد في الأرض، ويعتقدون أن كل فئات المجتمع تؤيدهم في هذه المسألة. وقد اعتبر المقرئ أبو زيد أن الهجمة التي سلطت عليه مؤخرا ليس سببها فلتة النكتة التي ذكرها في الكويت، بل موقفه المناهض للتطبيع.
القضية الفلسطينية قضية إنسانية: هذا الموقف نجده منتشرا في كل بلدان العالم، يتبناه مفكرون ومثقفون(مثل تشومسكي وجاك دريدا وغيرهم) يرون الدولة الفلسطينية الضعيفة تواجه دولة أخطبوطية مدعمة من أمريكا وفرنسا ودول أخرى كثيرة. وفي المغرب نجد المثقفين الأمازيغ يتبنون هذا الموقف لسببين هما: أن اعتبار هذه القضية قضية عربية لا يشملهم لأنهم ليسوا عربا، وأن اعتبارها قضية إسلامية فيه مواربة ماكرة، لأن فئة مهمة من الفلسطينيين ليسوا مسلمين.
إن تناول القضية الفلسطينية ومسألة التطبيع مع إسرائيل يقتضي التعرف على المرجعية الإديولوجية التي تصدر منها المواقف والآراء، وما دام النقاش مغربيا فالأكيد أنه سيضم ثلاثة أطراف: الإسلاميون والقوميون والأمازيغ.
يبدو أن الموقفين الإسلامي والقومي متفقان على مناهضة التطبيع، لكن الطرف الأمازيغي لا يمكنه أن يتبنى الموقف نفسه لأنه لا يؤمن بالمرجعيتين السابقتين، فلو طولب بالموافقة على مناهضة التطبيع وفق موقفه الإنساني لوقع في مفارقة؛ كل الأطراف التي لديها موقف إنساني عليها أن تناهض التطبيع، والحال أن المصالح الاقتصادية بين البلدان أولى من المواقف الإنسانية، والشاهد على ذلك أن الدول العربية التي خاضت حربا ضروسا ضد إسرائيل مثل مصر، انتهت إلى التطبيع معها ضاربة عرض الحائط وجع الرأس الذي اسمه فلسطين.
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على النبي المصطفى والرسول المجتبى وعلى آله وصحبه أولي الأحلام والنهى …
وبعد …
فإن القضية الفلسطينية قضية أمة بأجمعها قبل أن ننسبها إلى أصل أو فصل … يعني أن هذه القضية يجب أن نتشغل بال الأمة وتحتل حيزا أكبر من اهتمامها بغض النضر عن أي اعتبار آخر لأن مسألتها مسألة كينونة ووجود متكامل لا يجب أن يقتطع منه وصل من الأوصال أو طرف من الأطراف أما تلك الاعتبارات الضيقة والمناقشات العقية التي تقطع جسد الأمة وتجعلها أشتاتا فلا يروم منها أصحابها إلا الانتصار لأصل من الأصول في زعم صارخ على أحقيته وأسبقيته على الريادة حتى إنه يجعلها مواقفها وما تذهب إليه هو الحق الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه والله المستعان.