الخيمة منبع الثقافة الحسانية – الزهرة احمكات

0 2٬207

الخيمة منبع الثقافة الحسانية بقلم الزهرة احمكات

alkhayma-1تعد الخيمة في الصحراء من أبرز العناصر التي ساهمت في تذليل الصعاب أمام الإنسان الصحراوي في علاقته مع الطبيعة الصحراوية القاسية وتعد مسكنه و المكان الذي يوفر لحظة الاستقرار المنشودة في زحمة التفاصيل … وتشكل الخيمة الوحدة الأساسية المكونة ل ” لفريك” وهو مجموعة خيم يجاور بعضها البعض سواء لسبب قرابة أو انتجاع مراعي أو لقرب المياه أو لسبب من الأسباب وبذلك لا تكون الخيمة وحدة للاستقرار المادي فحسب وإنما تجسد إطارا قويا للعلاقات الاجتماعية و العائلية فإن قيل: خيمة أهل فلان،تعني أسرتهم الصغيرة أو الكبيرة وإذا قيل فلان تخيم أو استخيم بمعنى تزوج أي أصبحت له خيمة خاصة به… وباعتبار الخيمة مفهوما حضاريا وموروثا ثقافيا يتطلب المحافظة عليه ونفض الغبار عنه والإحاطة به ، فهي وإن كانت بسيطة في شكلها إلا أن نسجها ليس بالأمر الهين ويتطلب ردحا من الزمن قد يصل إلى أشهر ، فماهي أهم مراحل أنجازها؟

جمع المادة الخام أو عملية ” الزز”

في فصل الربيع و المسمى محليا ” تيفسكي” وهو وقت زز الإبل و الغنم ، يقوم رجال ” لفريك بالتعاون على هذه العملية و التي تسمى ب” التويزة” وهي تسمية تطلق على العمل الاجتماعي وتختصر في تجمع رجال لفريك عند أحدهم ، لمساعدته على زز غنمه أو إبله وتصاحب هذه العملية طقوس معينة من بينها قيام صاحب الخيمة بإفطار المجموعة المشرفة على العملية ب”كرن الكبش” وهو “لبسيس الميدوم بالزبدة أو الدسم”، ليتبعه بعد ذلك ذبح خروف يسمى “بوفتك ( عمره من 3 الى 4 أشهر) أو” أغيار” من المعز في نفس العمر السابق وينشدون عند مباشرتهم لعملية الزز ما يلي: ماهو اصديگ ألي ماجابو أرغاها *****يوم ززها ويوم إطلاها*ومفاده أن الجار إذا لم يهب لمساعدة جاره في عملية الزز والتي يكثر فيها ضجيج الإبل ،كعلامة بارزة ومظهر من مظاهر بداية هذه العملية ليس بصديق حقيقي يحب الخير لجاره. كما وينشدون عند ززهم النعاج قولهم: ززو أبريرة وأحسنو أعليها ***النبي المختار وصى أعليها*ويستشف من هذا الإنشاد أن الإنسان الصحراوي ، يرأف بالحيوان أثناء هذه العملية التي تستعمل فيها أدوات حادة ك”لمززة بالنسبة للنعاج والسكين بالنسبة للماعز ومن المظاهر كذلك إنشادهم: ززيتك بالنية ربي شاهد أعليا…* وقولهم: ولاس ولاس لا ريت باس…* وفي نهاية هذه العملية يتم ذبح رأس من الغنم لإعداد وجبة الغذاء وهو خلاف ما تم ذبحه عند الإفطار وخصوصا أن هذه العملية تتطلب مجهودا عضليا شاقا وهو ما يفسر استهلاكهم لهذه الرؤوس المذبوحة. ومما ينبغي الإشارة إليه هنا أن هذه العملية تتم بالدور بين أفراد المجموعة وبروح من التنافس و المرح كشكل تضامني وتكافلي بين مكونات المجموعة وتتوج عملية الزز بجمع ما تم ززه كل على حدى ،لوبر بالنسبة للإبل و الصوف بالنسبة للنعاج و الشعر بالنسبة للماعز، في حاويات تسمى ب” لغزاير” وبذلك ينتهي عمل الرجال نسبيا ويبدأ عمل النساء؟.

المرحلة الأساسية: إعداد ” لفليج”

وبعد ذلك تأتي عملية ” التشعشيع” ويتم خلالها ضرب الشعر أو لوبر بعصا رقيقة تدعى ” لمطارك” و الهدف من ذلك هو إزالة كل الشوائب و العوالق من غبار وغيره حتى تصبح المادة الخام نظيفة وجاهزة لعملية” اتغرشيل” و التي تهدف إلى فك عقد الشعر أو الوبر وعزل كل شعرة أو وبرة على حد وهي تشبه عملية مشط الرأس عند الإنسان وتتم هذه العملية بواسطة آلة تسمى ” أغرشال” لها أسنان من الحديد كأسنان المشط وتتكون من طرفين يتحركان في اتجاهين مختلفين ، بينهما كمية غير كبيرة من الشعر أو الوبر وبعد ذلك تستدعي صاحبة الخيمة كل نسوة لفريك أو الحي في الوقت الحالي لمساعدتها في عملية ” لغزيل ” وهو عمل جماعي يدعى التويزة كذلك وتتلخص في تجميع وفتل الشعيرات الصغيرة لتصبح خيطا رقيقا بواسطة آلة 0تقليدية أخرى تسمى ” المغزل” وهو عصا ملساء رقيقة لا يتعدى طولها ذراع ،تحرك بشكل دائري بواسطة اليد اليمنى وبذلك يجتمع حولها الخيط المفتول و اليد اليسرى تساعدها هي الأخرى على الربط بين الشعيرات المتفرقة بطرف الخيط المفتول و تستمر هذه العملية لتتشكل كبة من الخيط الرقيق حول “المغزل” وعند انتهاء هذه العملية تتجمع عند صاحبة الخيمة كمية من الكبب (جمع كبة) من الخيط الرقيق ،لتأتي بعد ذلك عملية جديدة تسمى ” لبريم” وتتلخص في جمع كبتين من الخيط الرقيق ، لتصبح كبة واحدة ذات خيط أقوى من السابق الرقيق و تتم هذه العملية بواسطة ” المبرم ” وهو عبارة عن عصا رقيقة ك” المغزل” مثبت على رأسها طرف من عظم دائري الشكل وفوقه طرف من حديد معقوف كرأس الصنارة ويعقد على هذا الأخير طرف خيط الكبة المكونة من خيطين رقيقين ومن ثم يتم تحيرك “المبرم”بشكل دائري حتى يتم فتل الخيطين الرقيقين ليصبحا خيطا قويا مبروم بشكل سليم ويتم لفه في شكل كبة متقنة اللف ومباشرة بعد ذلك تأتي عملية ” لمحيط” ويتم خلالها تثبيت وتدوير ولف الخيط المبروم بينهما مع وضع عصا في الوسط ومن ثم يتم إحضار حوض من الماء وتنزع جهتي الخيط” الممحوط” وتبلل بالماء جهة بجهة ويعاد من جديد إلى الأوتاد وبعد ذلك تبدأ عملية محط جديدة من خلال إدارة العصا قصد تمتين الخيط الممحوط. وتأتي بعد ذلك عملية التحضير لصنع ” لفليج” وهو عبارة عن جزء من الخيمة ،مستطيل الشكل على طول الخيمة ويتم تحضيره من خلال نسج الخيوط بشكل متقن وهي عملية معقدة للغاية وتتطلب مجهودا كبيرا ولا بد لصاحبة الخيمة من استدعاء جاراتها من أجل مساعدتها في عملية” اتسدية” و التي يتم خلالها تثبيت أربعة أوتاد في رؤوس المستطيل الأربعة التي هي مساحة ” لفليج” وغالبا ما يفوق عرض هذا الأخير ذراعين وطوله 14 ذراعا وبعد ذلك وضع عصاتين وراء الأوتاد ولف الخيط حولهما . وبعد هذه عملية ” التسدية” تأخذ صاحبة الخيمة عصا تلف عليها خيط مفتول تسمى” الميشع وتستعمل ” الصوصية” وهي أداة مصنوعة من الخشب على شكل قطعة رقيقة وهي احدى الأدوات التقليدية الصحراوية و ” المدرة” وهي أداة رأسها في شكل صنارة ولها قبضة خشبية وهذه الأدوات الثلاثة تستعمل في نسج لفليج. وتتوالى بعد ذلك عمليات إعداد ” الفلجة” بنفس الطريقة ويتراوح عددها بين سبعة وتسعة، من ثم إعداد ” المطنبتين” وهما “فليجين” أقل عرضا من بقية” الفلجة” ويوضعان في الحواشي.

alkhayma-2جمع الفلجة و وضع التفاصيل النهائية:

بعد إعداد كل هذا، يتم إستدعاء مجموعة النسوة من جديد، وتبدأ عملية خياطة الخيمة وذلك من خلال جمع ” الفلجة” ، لتصبح في شكل قريب إلى المربع من الثوب السميك من الوبر أو من الشعر وهو الشكل النهائي للخيمة وتنتاب الحاضرين موجات من الفرح عند الوصول إلى هذه المرحلة من خلال تعالي الزغاريد وتوزيع التمر وقطع السكر وذلك احتفالا بخروج خيمة صحراوية جديدة إلى الوجود. ومن ثم تأتي عملية تثبين ” لخراب” وهي عبارة عن قطع من جذور الأشجار الصحراوية في شكل رأس سهم تتم البداية بالأركان الأربع التي تسمى ” لخوالف” وبعدهم “الظهرة” وبعد ذلك مباشرة يتم إعداد ” لحگاب” وهي حبال مصنوعة من الوبر أو الشعر ، ليحدد بعد ذلك مركز الخيمة و الذي يتم بواسطة خيوط بيضاء تسمى” لكتاب” وهو مكان الركيزتين والتي لا يتجاوز طولهما ستة أذرع في الغالب ويتم كذلك تحضير عودين سميين ” البيبان ويوضعان في مدخل الخيمة وفي النهاية يتم نصب الخيمة بعد تثبيت الأوتاد في الاتجاهات الصحيحة المحددة وبعد ذلك يتم وضع ” الكفية “التي تغلق اتجاهات الخيمة الثلاثة وتبقى الجهة الأمامي بدون و التي تكون دائما في اتجاه الجنوب –گبلة- وبعد ذلك يوضع الفراش الذي كان في الغالب يتكون من حصائر السمار- نبتة متواجدة في الصحراء الغربية- المصنوعة محليا ، وبذلك تفتح الخيمة ذراعيها لاستقبال البدوي التواق إلى الاستقرار بعد يوم شاق من العمل الدؤوب… اتمنى في الأخير أن يكون هذا التوصيف الذي نخاله دقيقا قد رصد كل مراحل وعمليات إعداد الخيمة عند الشعب الصحراوي ويبقى باب الإضافة و النقد، مفتوحا من أجل تقيم السهو وإصلاح الاعوجاج .

بقلم: الزهرة احمكات

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.