مؤسسة الزاوية في المغرب

4 837

     استوقفتني وأنا في طريقي إلى بلدتي عمق جنوب المغرب الشرقي _زاوية سيدي صالح_استوقفتني تامكروت.مرقد القطب سيدي محمد بناصر. ومستقر تلك الزاوية التاريخية التي أسسها، إلى جانب تلكم المكتبة المهيبة التي شيدها..للأسف الزاوية بخست حقها من التكريم والاهتمام من طرف دولة المخزن وإعلامه.. لكنها -ولله الحمد- ظلت شامخة صامدة تأبى الخفوت والانحسار..لذلك اقترح عليكم أيها القراء المتذوقون نافذة للتعريف بها وبالزوايا عموما خصوصا الجنوبية حتى تحفظ أسماءها ويعلم فضلها..

    لكن قبل ينبغي أن نقدم للموضوع بحيث نوضح إطاره ونبرز الإشكاليات التي يتوخى الإجابة عنها.

  فنقول- على وجه الإجمال؛- إن مؤسسة  الزاوية في المغرب انتهت عبر تطور وظائفها المختلفة لتصبح مكونا أساسيا في تاريخ المغرب لا يمكن تجاوزه أو الحيد عنه؛ فجعلت  تضطلع بمجموعة من المهام المختلفة اكتسبت من خلالها اعتبارا هاما، وسع من صلاحياتها ومسؤولياتها على السواء. لكن يكاد الباحثون في الزوايا يجمعون أن هذه الأخيرة لا تزال تكتنزها مجموعة من الأسرار التي شابت تكونها وتطورها داخل المجتمع المغربي، مما يحتاج معه بعد‘ إلى تجلية وإيضاح؛ بحيث إن كثيرا من قضاياها وأحداثها لا يزال يكتنفها الغموض والضبابية[1] يقول الأستاذ محمد أٌقضاض[2] :«لم يهتم الباحثون بالزوايا وأدوارها كثيرا في المغرب رغم أهميتها في تاريخه، إلا في العقود الأخيرة».[3] ويقول الدكتور عبد الرزاق لكريط: «وبالرغم من كثرة الدراسات والأبحاث التي أنجزت حول الزوايا فان بعض قضاياها وأحداثها لا زال يكتنفها الغموض ويلحقها الإهمال»[4].

    ولعل الباحثين يغمزون أساسا إلى تلكم الجزئيات الخاصة التي قد لا تبدو لكل العيان؛ كارتباط الزوايا بالمخزن أو السلطة والجانب الخفي في علاقاتهما؛ حيث هذه الثنائية قد شغلت أذهان مجموعة من المهتمين الذين حاولوا من خلال دراساتهم التاريخية بسط هذه العلاقة التي كانت دوما في تغير وتحول مستمرين، و تتحكم فيها بالأساس منطق المصلحة والأخذ في مقابل العطاء. وكثيرا ما كانت تطفو على هدوئها بعض التصدعات والانشقاقات التي تفرزها تقاطع الغايات والمزايدات؛يقول الدكتور عبد الرحيم العطري:« لم يكن موقف المخزن من الزوايا  يستند دوما إلى مقترب الإدماج والتطبيع؛ ففي اللحظة التي تتعارض فيها المصالح يكون الرفض والتهميش عنوانا لعلاقة الزاوية والمخزن».[5]     

     إضافة إلى الزوايا و العمل المجتمعي؛ حيث إن الزوايا قد توسع نفوذها، وانتشر امتدادها وعلى أفقها؛ فأضحت بعد أن كانت منابر تعليمية دينية؛ غدت مؤسسات اقتصادية مجتمعية جعلتها تتقلد مهمة الوصاية على المجتمعّ، فكان تستأثر بصلاحيات رمزية مهمة، أعطاها حاكمية ورسمية، وجعل لقراراتها فضاء أرحب للقبول والأخذ من طرف الرعية وعموم الناس. حيث أضحت  تتقاسم الشرعية في كثير من الأحايين مع المخزن. كذا البحث في تلكم الوظائف التي تقلدتها الزاوية المغرية من التعليم والتربية والإطعام والايواء..مما يحتاج بسطه حتى يعلم فضل هذه الزوايا ومزيتها الكبيرة.

   ومن جهة أخرى إلى شيء من بطولات شيوخ وأقطاب هذه الزوايا ومريديها، ومواقفهم التاريخية في محاربة الاستعمار والتدخل الأجنبي على ربوع المغرب، وسعيهم الدؤوب إلى توحيد الصف وإفشال مخططات الأعداء؛ مما تدعو الحاجة إلى تعريته وبسطه حتى تعرف انجازاتهم وتخلد أسماؤهم(…).

    فهذه المواضيع وغيرها غنية بالحقائق والأسرار، حرية بالبحث والتنقيب، و صالحة لأن تطور في أطار مشاريع علمية، خصوصا لمن يتشوف للبحث في تاريخ المغرب، ومن يستهويه طلب النصوص من المكتبات والأسرار من بطون الكتب التاريخية، ومتعة التحقيق في المعطيات التاريخية؛ ونحن في زمن أكثر ما نكون  محتاجين فيه  إلى الرجوع للماضي، ومعاودة قراءته وتفحصه حتى يتسنى لنا معرفة تراثنا وما كتبه أجدادنا في مدونة المغرب الكبير؛  وهذه محاولة بسيطة في ذلك نرجو من الله السداد والتوفيق.

  عنوان المقال القادم –إن شاء الله-مؤسسة الزاوية: إشكالية التعريف.

 

 

[1] ينظر مجلة المناهل العدد:80_81، 2007،مطبعة دار المناهل.هذا العدد جاء كل المقالات والدراسات فيه حول الزوايا.

[2] أستاذ باحث، المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، الرباط.

[3] الزوايا في الريف:دور في السياق،محمد أٌقضاض، مجلة المناهل،ص:173.

[4] الزاوية الكتانية: أنموذج للإسلام السياسي بالمغرب، عبد الرزاق لكريط، ص:163.

[5]  مؤسسة الزوايا بين الروحي والسياسي؛ الشرادية  نموذجا، اعبد الرحيم العطري،.الكتاب: 64، التصوف والحداثة قي دول المغرب العربي، تاليف مجموعة من الباحثين، يصدر عن مركز المسبار للدراسات والبحوث  ط:1، 2012، ص49.

4 تعليقات
  1. ouhaddou يقول

    ماتت الزوايا ومات معها دورها ولم يبقى فيها الا اسوارها

    1. محسن يقول

      صدقت اخي لكن هذا لا يغني عن البحث فيها واستجلاء الاسرار حولها….

    2. mouhssine يقول

      صدقت اخي لكن تراجع ادوارها اليوم له مبرراته..وفي كل الاحوال فان ذلك لا يغني عن البحث فيها واستجلاء الاسرار التي احتفت بها..

  2. lمحسن يقول

    صدقت اخي لكن ذلك لا يغني عن البحث فيها واستجلاء اسراراها

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.