الزهايمر..لعنة النسيان

0 430

نادية الهاني

“بنتو جات تسلم عليه قال ليها شكون أنت وولدو عيط ليه شفار في الزنقة” تقول لطيفة واصفة أولى علامات إصابة زوجها بمرض الزهايمر. من ذلك الحين وهذه المرأة تكابد الأمرين في سبيل الاعتناء بصحة زوجها.
داء الزهامير يصيب اليوم 100 ألف مغربي، حسب تقديرات الجامعة الدولية للزهايمر، وهو داء يحول حياة المصابين به ومرافقيهم إلى “جحيم”.

الزهايمر متاهة بدايتها النسيان

مرض الزهايمر يتجاوز النسيان إلى مظاهر أصعب و أخطر يصبح معها المريض شارد الذهن لساعات طويلة، وفاقدا للإحساس بالحيز المكاني الذي يوجد به وعاجزا عن إدراك تعاقب الليل و النهار.
“الآن أضع له الحفاظات وقد كان في ما مضى يتبول في المطبخ، وفي غرفة الضيافة، وفوق الأثاث، و قد حدث مرة أن تبول على ابنته وهي فوق فراش نومها..في أحايين كثيرة أجده يصلي داخل المرحاض…عندما يشعر بالجوع لا يفصح عن ذلك، وعندما يأكل لا يتوقف حتى أزيل عنه الصحن فهو يجهل معنى التخمة كما يجهل تماما معنى الجوع”. تحكي لطيفة بنبرة خافتة وملامح جافة وعينين ضيقتين محمرتين و يدين ترتعشان.
“الزهايمر مرض عضوي يصيب الباحة المرتبطة بالذاكرة ومن أولى أعراضه النسيان. تتدهور الخلايا الدماغية بشكل كبير الأمر الذي يجعل المريض عاجزا عن الكلام والحركة” توضح خولة مسؤولة التواصل في الجمعية المغربية للزهايمر و الأمراض المرتبطة.
وتتابع خولة بالقول ” إضافة إلى العجز عن الحركة تظهر أعراض كالخرف، والخوف من الناس والنظر في المرآة، والارتباط بذكريات الطفولة”. وتؤدي هذه الأعراض شيئا بشيء بالمريض إلى الانعزال عن محيطه الأسري والاجتماعي، كما يصبح التواصل معه شبه مستحيل، ما يزيد من محنة ذوي المرضى ومعاناتهم.

المريض بالزهايمر و مرافقه في خندق واحد

طيلة المدة التي استغرقها لقائي بها، ظلت لطيفة تذهب وتجيء من وإلى باب البيت لأزيد من عشر مرات خوفا أن تكون تركتها مواربة ،رغم أنها أقفلتها بإحكام عندما استقبلتني. وبين الفينة والأخرى، كانت تسترق النظر إلى الغرفة المجاورة حيث يستلقي زوجها فوق أريكة للتثبت من أنه على ما يرام.

“أحس أني مسجونة في عكاشة ” بهذه العبارة تلخص لطيفة حال مرافق مريض الزهايمر،الذي يجد نفسه مضطرا لمراقبة المريض أناء الليل و طيلة النهار خوفا من هروبه أو قيامه بفعل يعرض حياته للخطر.
“حدث مرة أن فر زوجي في غفلة مني، و بقيت أبحث عنه ساعات طوال، حتى تمكنت الشرطة من إيجاده، ومرة حاول القفز من النافذة ومرة أخرى هرب من المستشفى ولم يمض على اجرائه لعملية جراحية سوى أربع وعشرين ساعة” تتحدث لطيفة عن حال زوجها ذو الثمانين سنة عاش خمس منها في دوامة الزهايمر.
مرض الزهايمر يحول المرضى إلى شبه سجناء وأسرهم وذويهم إلى حراس، غير أن السجين في هذه الحالة يعامل مثل ما يعامل طفل أو بالأحرى كرضيع يعتمد على والدته في كل شيء.
محنة المرافق لا تتوقف عند علاقته مع المريض بل تتعداها إلى علاقته مع المجتمع الذي تغيب لدى عدد من أفراده ثقافة حول هذا المرض “يحز في نفسي عندما أسمع الجيران يوصنني بزوجي(تهلاي في راجلك)،ولا أحد يفكر في محنتي ،فمنذ أن مرض زوجي وأنا مصابة بداء السكري “تحكي لطيفة وهي تتنهد مرة تلو الأخرى ،وكأنها تلقي بعبء جاثم على صدرها.
هذه المأساة تعيشها أزيد من 100 ألف أسرة مغربية ،و الرقم مرشح للارتفاع إلى 524 ألف بحلول سنة 2050 حسب تقديرات الجامعة الدولية للزهايمر.

بين مطرقة غياب دعم الدولة وسندان غلاء الأدوية

إلى حدود اليوم ليس هناك علاج جذري لمرض الزهايمر ، وتبقى الأدوية التي تخفف منه و من الأعراض المرتبطة به جد باهظة “يكلفني مرض زوجي 3500 درهم شهريا في حين لاتتجاوز التعويضات الخاصة بالتقاعد 1520 درهم..لكن الحمد لله فبفضل أبنائي الذين يشتغلون يحصل زوجي على الدواء ولاينقصه أي شيء” تقول لطيفة بنبرة غاضبة ، كما أنها ساخطة على غياب دعم حقيقيي للدولة ،بالرغم من أن هذه الأخيرة وضعت مرض “الزهايمر ضمن “أولويات الصحة العمومية”.
من جانبها، تتكفل الجمعيات بتقديم مساعدات نفسية،وتلقن للمرافقين أساليب التعامل مع المرضى “نقوم ببعض الأنشطة الترفيهية لفائدة أفراد أسر المرضى لأنهم أيضا لهم الحق في الحياة خارج سجن المرض وتوتر الأعصاب و الاكتئاب اليومي” تقول خولة مسؤولة التواصل بالجمعية المغربية للزهايمر و الأمراض المرتبطة .
و من جانب آخر، يشكل غياب مراكز استقبال عمومية ،و أطر طبية متخصصة في هذا المجال تحديا أمام المسؤولين ،”أصبح لزاما تكوين أطباء مختصين ،وإدماج فصول تخص صحة الأشخاص المسنين في جامعات الطب،وكذا توفير الظروف الاستشفائية الملائمة لمرضى الزهايمر” تقول سمية الراشدي من مصلحة الأمراض النفسية و المنتكسة التابعة لمديرية الأوبئة ومحاربة الأمراض.
أسوء موقف عانت منه لطيفة حدث عندما تحرش به أحد الأشخاص “أخذت زوجي لأداء الصلاة بأحد المساجد، وعندما خرج كل المصلين باستثنائه بقيت أبحث عنه فاقترب مني رجل وقال لي: أنا هو من تبحثين عنه.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.