الزوايا ودورها التعليمي
الزوايا مؤسسة دينية وعلمية واجتماعية تبلورت أنشطتها ووظائفها وتجدرت داخل الأمة الإسلامية بصفة عامة، وداخل المجتمع المغربي بصفة خاصة مما جعلها تساهم في مختلف اهتماماته المادية والمعنوية، بل والتعبير عنها بصدق وموضوعية،ولا شك أن من أهم تلك المهام وأنبلها ما قامت به الزوايا المغربية من تدعيم وترسيخ للثقافة الإسلامية الصحيحة والأصلية ونشرها ، سواء تعلق الأمر بالعقيدة أو بالفقه وأصوله أو بالتربية الصوفية ، ذلك أنها في تلك المهام ظلت تستمد أصولها ومنابعها من الكتاب والسنة، وعمل السلف الصالح.
وقد حاولنا من خلال بحثنا هذا رصد ظاهرة الزوايا وتسليط الضوء على أدوارها المتعددة معتمدين في ذلك على نموذج الزاوية الناصرية ودورها التعليمي.
وقد انصب اهتمامنا بشكل خاص على الزاوية الناصرية لما لها من صيت ذائع وحظوة في المجتمع المغربي خاصة والدول الأخرى عامة بخلاف باقي الزوايا التي تراجع حضورها مع توالي الأيام.
إذا أردنا أن نلم بالموضوع إلماما دقيقا، لابد من تحديد مصطلح الزاوية في اللغة والاصطلاح وتطوره عبر الأزمنة والعصور.
جاء في لسان العرب الزوايا لغة : هي الركن من المكان، من فعل زوى الشيء يزويه زويا وزيا جمعه وقبضه.
واصطلاحا : هي مكان معد للعبادة وإيواء المجاهدين وطلبة العلم والمحتاجين وإطعامهم وتزويدهم بما يلزمهم وما يحتاجونه، وتسمى في الشرق “خانقاه”.
وقد عرفت دائرة المعارف الإسلامية الزاوية بقولها ” مدرسة دينية ودار مجانية للضيافة” وبصفة عامة ففي المغرب يطلق المفهوم على بناء مجموعة أبنية تخدم أدوار دينية، وتعليمية، واجتماعية، وتعتبر دار مجانية لإيواء المحتاجين، لأن رواد الزاوية من طلاب العلم والفقراء والغرباء”.
وكانت الزوايا في ما مضى تسمى رباطا والرباطة والأربطة والرباط هو المكان الذي يربط فيه الخيل للجهاد، كما جاء في القرآن الكريم لقوله تعالى:{ وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم } وقال أيضا : {يأيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون}.
وفي الاصطلاح الصوفي:” الزاوية والرباط هما مركزان خاصان بهؤلاء السادة الصوفية للاستعداد للجهاد ومحاربة الكفار وأعداء الإسلام والمذاكرة في أصول الطريق والسنة النبوية الشريفة “.
من خلال هذا التعريف الاصطلاحي يتضح أن الزاوية عبارة عن مؤسسة علمية تعمل على جلب الناس بالأوراد والذكر، ولم يقتصر عمل الزاوية على التربية الإسلامية الصوفية والحفاظ على المقومات الروحية لأتباعها بل سارعت إلى الخروج من نطاق مؤسسة الزاوية المحدود إلى المجال الاجتماعي الواسع إذ سنجد للزاوية عدة أدوار ووظائف داخل المجتمع المغربي ونريد أن نخص الذكر هنا الدور التعليمي للزاوية الناصرية. وعلاوة على أننا حاولنا أن نواجه هذه المصادر، بعضها بالبعض، فقد كنا متنبهين إلى أن لها منطلقات ذاتية وموضوعية، ومرجعية معينة، وسياق تاريخي، ومجال جغرافي، ومحيط ثقافي. لانشك في أن من كتبوها أو من صدرت عنهم لم يستطيعوا التخلص منها. وهذا ما حتم علينا التعامل معها بالنقد، سالكين سبيل المقارنة، غير متساهلين في التوثيق والإحالة.
وهذا المنهج الذي استوجب منا كثيرا من التحرز والاحتياط، وألزمنا بالتسلح بقدر كبير من الموضوعية، حتم علينا استيعاب المادة المصدرية المشار إليها، وفهم مضامينها فهما تاريخيا سليما، ووضعها في سياقها الصحيح. لنظل أقرب إلى روح الفترة التاريخية المدروسة.
نعم على ضوء هذه القاعدة، فإن أغلب المؤرخين والدارسين للخطاب التاريخي على عهدنا، يجمعون على أن زمن الفترة، بعد غياب المنصور، وبفعل التطاحن السياسي، كان عاملا سلبيا في حقل الثقافة والعلم لولا بعض المراكز الروحية والثقافية، التي حافظت واحتفظت على مقومات الوجود العلمي والصوفي في آن واحد…وهكذا ينعقد الإجماع من طرف أولائك وهؤلاء على صحة المقولة الشهيرة رغم اختلاف صيغها وألفاظها، تقول بعض الروايات: « لولا ثلاثة لانقطع العلم بالمغرب في القرن الحادي عشر لكثرة الفتن التي ظهرت فيه، وهم: سيدي محمد بن ناصر في درعة، وسيدي محمد بن أبي بكر الدلائي في الدلاء، وسيدي عبد القادر الفاسي بفاس… ».