السعودية-إيران :ببساطة، العرب لايشتغلون !
أنا مجرد مواطن بسيط،لاأدري في شأن الساسة والسياسة،قدر منظور جدتي،بالتالي،ماألاحظه:أن أمريكا لها مشروع،وإيران تمارس السياسة الخارجية بذكاء استراتجي ثاقب،وإسرائيل تخطط لمسارات طويلة،وتركيا تتطلع بتؤدة الحكماء إلى فرض ذاتها موضوعيا،بلغة لائكية يفهمها الجميع،وروسيا تضخ رويدا رويدا دما في شرايين الدب السوفياتي،وأمريكا اللاتينية تنبت كل عقد من السنين،بفضل الروح الغيفارية مولودا يشرئب إلى حياة أفضل، والصين أضحت معادلة دولية، فككت مختلف حمولة منطق حساب الاحتمالات،وأوروبا لن تشيخ قط رغم الارتدادات العابرة مادمت ثوابتها المؤسساتية متجذرة ومتفق عليها من طرف الجميع… .فقط،العرب هي الجماعة، التي ترفض التخلص من سمة كونها ظاهرة صوتية-خطابية،والوصف في حدود علمي،أوجده المثقف السعودي غازي القصيبي.
نعم،إيران تعمل،وتوظف بحرفية سياسية كل هفوات الممكن كي تفرض ذاتها،طرفا يستحيل الاستغناء عنه،إقليميا ودوليا،فأظهرت حتى الآن تفوقا،وسجلت في مرمى السعودية ومن خلفها باقي المجموعة العربية،نقطا غير هينة،بينما شقيقتنا الكبرى لم تبرح موقع اجترار نفس الكلام بالرطانة عينها،وذات التصريحات وجنس ردود الفعل،مع الارتهان دائما إلى “مسكنة” مرجعية المؤامرة حيث إيران شر متربص بنا وإسرائيل لن تتركنا وأمريكا تأبى إلى أن تركعنا… .فقط نحن العرب،شعب طيب، خير أخيار هذه الأرض،نشتغل بجد وتفان، لكن الآخر جحيمنا الأبدي.
مبدئيا،إيران والسعودية،نظامان عقائديان –كل بطريقته -عتيقان،لاعلاقة لهما بالمنظومة الحقوقية والفكرية والحقوقية بالتصور الدستوري للكلمة،بحيث لازالا يستندان سياسيا على مرجعية تيولوجية قروسطية،بعيدة تمام البعد،عن مرتكزات الدولة المدنية المعاصرة.بالتالي،فجملة المشاكل الميتافيزيقية التي تنخر حاليا الكيان العربي،من إرهاب ديني وعقائدي وطائفي ونعرات قبلية وعشائرية،سببه المطلق،تحنيط العقل والتفكير المتمدن،لصالح الارتقاء بالأصوليات البالية العمياء،وهو السياق المنبعث من جوف حقبة البيترودولار،التي أجهزت مع سبق الإصرار والترصد على كل منابع الفكر النهضوي،ثم تواصل السعي، مع ثورة الملالي وتكريسهم بقيادة الخميني لمبدأ تصدير العقيدة،فجاءت الحرب الأسطورية مع العراق،التي تشكلت مقدمة لبداية اضمحلال هذا الأخير،بكل رمزيته الحضارية والتاريخية،وماتأتى عنه من انفراط سريع للعقد :من كان بوسعه أن يستشرف على سبيل التنكيت مثلا،قبل 1990،مشهدا عربيا بهذه الحقارة الحالية؟هل يمكننا بالقطع تصور جغرافية للعراق،بغير عراق ماقبل 1990؟وهل يمكننا للحظة تمثل خريطة عربية،بغير عراق الدولة الوطنية العلمانية،ذات التطلعات القومية؟.
إذن، بعد وجوب الإقرار،بالمبدأ الأصل،أود الإشارة بلغة المتتبع الأبله، لما يجري،محاولا وصف المعطيات بأسمائها :صحيح،إنه من الناحية الأخلاقية،وتوافقا مع مقولات الضمير البشري، يمثل النزوع نحو امتلاك الأسلحة النووية،أمرا مرفوضا يثير الاشمئزاز،مادمنا نتمنى عالما تحكمه الحملان الوديعة، فينعم الجميع بالسلام !لكن للأسف الشديد،هذه رؤية حالمة تحويها نظريا النصوص الطوباوية في شقها الرومانسي،أما حال السياسة الدولية،فلا يحسب لك وزنا تحت سقفها وحضورا موضوعيا،إلا بناء على موقعك ضمن الدوائر الضيقة لما يعرف بتوازن الرعب.بشكل مفارق،الأنظمة العربية نفسها، لا تجيد داخليا سوى لغة الرعب الحاسم لإخضاع شعوبها،فلماذا تريد خارجيا من المكونات الدولية،أن تحترمها لمجرد احترامها؟.
لايعرف أحد على الوجه الأصح،مايجري داخل أقبية المفاعل النووي الإيراني،ومدى مستويات التخصيب؟وحدها الأجهزة الإستخباراتية، لاسيما الإسرائيلية والأمريكية،تراقب الأنفاس عن كثب .أما، ما يتداوله الإعلام فيظل فضفاضا،يبني مقارباته وتحليلاته على ضوء التصريحات الصادرة من طهران وواشنطن أو تل أبيب.غير، أن سفر نتنياهو مؤخرا، وبكيفية تشي عن غضب غير عادي،كي يسمع صناع القرار في واشنطن كلاما داخل الكونغرس،متحديا بجرأة البروتوكولات الدبلوماسية عموما ووجود بناية اسمها البيض الأبيض على وجه الخصوص،يمثل مؤشرا لالبس فيه على أن الأمور،ولجت مرحلة الجدية سواء فيما يتعلق باجتهادات علماء إيران،حسب تقارير الموساد؟أو ربما،إمساك المفاوض الإيراني –الأمريكي،بالخيوط الأولى قصد صياغة وتوقيع اتفاق نهائي.
امتلكت إيران أم لم تمتلك؟فما تتوخاه إسرائيل ومعها دول الخليج،ضربة عسكرية على طريقة ما أقدمت عليه الطائرات الإسرائلية، بداية الثمانينات،بخصوص المفاعل النووي العراقي،من أجل”تأديب”حكام طهران، وإرجاعهم إلى قوقعة مجال الأدعية وآماسي سجالات الحلال والحرام،وتأبيد مكانة إسرائيل في المنطقة.
من حق إيران المشروع،أن تمتلك سلاحا نوويا،كي تستخدمه سلميا أو تحقق به عسكريا توازنا مع باقي الدول النووية،ذلك شأنها الخاص.بمعنى آخر،ماالذي يمنع السعودية وقطر والإمارات والبحرين ومصر…،الرهان على أفق من هذا النوع؟لماذا لا تستثمر عائدات بليارات الدولارات، في سبيل تكريس قاعدة صناعية علمية عتيدة، وبناء قوة عسكرية عربية؟ عوض الأبراج والقصور وإسطبلات الخيول والفنادق والسيارات وناطحات السحاب وقنوات الموضة، …؟أنا شخصيا،وعذرا على وعيي السياسي المدرسي، لاأستوعب كل صفقات التسلح الفلكية التي تدفقت على الثكنات العربية لعقود طويلة، ثم نتابع هذه الأيام،العجز الواضح عن مجابهة تنظيم بدائي اسمه داعش،لم نعد نتكلم عن إسرائيل،لقد أضحى هذا ضمن سجل سابع المستحيلات!! وإلا فالأحداث مجرد مسرحية اقتضت تكتيكيا،اتفاقهم الصامت،مادام كل طرف يبتغي من “فرنكشتانية” داعش،حاجة في نفس يعقوب،لا نتبينه نحن بسطاء القوم.
إيران، بمنطق اللعبة الدولية في مرتكزاتها الموضوعية،لم تظلم أحدا،لأنها ببساطة تمارس السياسة كما ينبغي أن تمارس،تفاوضا واستراتجيا وتكتيكا وعسكريا واستخباراتيا وحربا وسلاما وسرا وعلنا ،العرب هم الباحثون دائما عن الجاهز والسهل،بل لايشتغلون، وينكرون على الآخر أن يشتغل.