العنف المدرسي، الشبح الذي يهدد تعليمنا
العنف المدرسي: العواقب و الحلول.
عواقب العنف المدرسي
يمكن اعتبار العنف المدرسي قنبلة متفجرة لا يسلم من شظاياها أحد مهما كانت المسافة التي تفصله عن المدرسة بعيدة أو قريبة ، فإما أن تصاب بشظية صغيرة فتسبب في جروح بسيطة وإما أن تكون الشظية خشنة فتصيب المرء في مقتل . فالأب أو الأم أو الولي حينما يكون الابن مصدرا للعنف يعيشون دائما تحت تأثير الهواجس و الكوابيس خوفا مما قد يجره هذا الابن على الأسرة من مشاكل . كما أن المدرسين لا يأمنون على حيواتهم حينما تكون أجواء التدريس مشحونة بالعنف ، أما التلاميذ – الأبرياء منهم – فإن الكثير منهم يؤدي فاتورة هذا العنف بالتسرب أو التكرار أو الانجرار وراء هذه الفئة المصابة بهذا الوباء .
هذا بشكل عام أثر العنف المدرسي ، غير أن هناك ثلاثة أعمدة يصيبها هذا العنف بشكل يومي ، و توشك أن تنهار من قوة الضربات :
العمود الاول ، التلميذ : يعتبر محور العملية التعليمية التعلمية ، وبقدر ما تتحقق فيه مجموعة من الكفايات و يطورها الى سلوكيات تعكس رقيه وتطوره ، بقدر ما نحكم على تعليمنا بالنجاح . إلا أن العنف المستشري في مؤسساتنا قد نتج عنه ما يلي :
تنامي الحقد والنفور من بعض المواد .
تشكل وتنامي رد الفعل العنيف لدى التلاميذ ، حتى غدا التلميذ قنبلة قابلة للانفجار في أية لحظة .
ضعف المردودية بسبب الشرود الكلي أو الجزئي .
الشعور بالظلم مما يولد شعورا بـ”لا عدالة ” المجتمع ، وهذا يؤدي الى الاحباط والتسرب والضياع .
فقدان الثقة في المدرسة كمؤسسة للتربية والتكوين ، والارتماء في أحضان الرذيلة والمخدرات .
العمود الثاني ، الأستاذ : لا يمكن الحديث عن التعليم دون أن يذكر على رأس الفاعلين فيه الاستاذُ ، فهو القائد الذي يقود هذه الآلة المعقدة ويوجهها لخدمة الأهداف العامة والخاصة ، المسطرة والضمنية في البرامج والمناهج الدراسية . هذه القيادة تضع الأستاذ وجها لوجه مع أصناف مختلفة من العناصر والسلوكيات ، وتفرض عليه التعامل معها ومواجهتها بشكل يومي وبطرق مختلفة وكأنه في حرب توجب عليه وضع الخطط والحيل لربحها . ولا شك أن المعركة مع التلاميذ من جهة والبرامج الدراسية المكدسة من جهة أخرى معركة غير متكافئة يخرج منها الأستاذ بالخسائر التالية :
تهاوي النظرة المثالية للمهنة في نظر الأستاذ ، بعدما كان يُنظر إليها بكونها من أشرف المهن وأعلاها قدرا بحكم الرسالة النبيلة التي يحملها المدرس ( التنوير والتوعية …)
تراجع في أداء الأستاذ كمٌا وكيفا نتيجة الشعور بالإحباط بسبب اللامبالاة التي يبديها بعض ” المشاغبين ” والتفكير في بدائل للخلاص مما يسميه رجال التعليم ” الفرٌان ” (القسم )
التأثر نفسيا بسبب الضغوط الشديدة التي تؤدي ، في كثير من الأحيان ، الى توترات عصبية تفضي الى انهيارات عصبية أو إصابات بأمراض نفسية أو عضوية مزمنة .
العمود الثالث ، المنظومة التربوية : أصبح الكل ، مختصين وغير مختصين ، ينتقد الوضع التعليمي ببلادنا لعدة أسباب أهمها تراجع المردودية / المنتوج من حيث الكيف وانعدام التناغم بين التكوين ومتطلبات سوق الشغل ، وحتى عندما يتم تجديد البرامج الدراسية فإنها تظل محافظة على روح النمط القديم ، وعندما يتم استيراد بعض المناهج أو التقنيات أو حتى القوانين الغربية ، يحاول القائمون عليها تنزيلها بطرق تشبه ” الاغتصاب ” مما يؤدي في غالب الأحيان الى إحداث ارتباك كبير يفوت على تعليمنا فرصة للنهوض ومعالجة الملفات الكبرى كالأمية وتعميم التمدرس ، إلا أن هذه المشاكل على ضخامتها تضل قابلة للحل لو توفرت الارادة الحقيقية للإصلاح ، ولكن المشكل الذي يؤرق رجال التعليم وينخر المنظومة التربوية من الداخل هو العنف المدرسي بشتى ألوانه ، ويمكن حصر آثار هذا العنف على المنظومة فيما يلي :
النظر الى المؤسسات التعليمية كمؤسسات سجنية تقليدية تخنق أنفاس نزلائها ، مما يؤثر سلبا على التحصيل الدراسي للتلاميذ وكذا على مردودية الأستاذ ، وهذا راجع الى تراجع الانضباط وغياب أجواء السكينة والوقار التي تتطلبها العملية التعليمية التعلمية .
تردي المستوى التعليمي بشكل عام في سلم التنقيط الدولي بسبب انعــدام المحفــزات النفسية و شيــوع ثقافة ” اللامبالاة ” في صفوف التلاميذ والاساتذة على حد سواء .
نتيجة الوضعيات المشار إليها أعلاه ، يفقد المدرس كل شهية للإبداع والابتكار في المجال التربوي ، مما يفرغ المواد الدراسية من كل روح وتمسي موادَّ محنطةً تلوكها الألسن ثم تلفظُها عند كل تقييم دونما فهم لمضامينها العميقة أو قدرة على تنزيلها والعمل بمقتضياتها في الواقع .
حلول للحد من العنف المدرسي
إن أكبر مشكل يهدد تعليمنا اليوم وينذر بكارثة مدمرة هو العنف المدرسي ، ذلك أن المشاكل الاخرى يمكن التغلب عليها و لو بعد حين ، أما هذا العنف الذي نعيشه اليوم ، وتتجدد أساليبه و أدواته يوما بعد يوم فإنه يتطلب وقفة حازمة من المسؤولين و اتخاذ تدابير صارمة ومؤلمة لحماية مؤسساتنا التربوية ، من ذلك :
• تكثيف الدوريات الأمنية في محيط المؤسسات التعليمية بشكل يومي لمحاربة المنحرفين وتجار المخدرات وإنزال أشد العقوبات على كل من تثبت إدانته .
• تعديل المذكرتين 118 و 137 بحيث تسمح بالرجوع فقط لكل من أعاقه مرض عن متابعة الدراسة أما المفصولون بسبب التكرار فينبغي توجيههم الى التكوين المهني .
• تحديد المعدل الموجب للنجاح في 10/5 في الابتدائي و 20/10 في الثانوي لتحفيز المتعلمين على الجد والاجتهاد ، كما هو معمول به في النظام القديم ، و طرح فلسفة الخريطة المدرسية ، في شقها المتعلق بالنجاح ، جانبا فقد جرَّت على المدرسة المغربية الخراب والدمار.
• إعادة النظر في القوانين المنظمة للمجالس التأديبية ، فقد أثبتت الوقائع أن الكثير من القرارت التي تتخذها هذه المجالس لا تكون محصنة بما يكفي من القوانين بسبب اللغة الفضفاضة التي تميز قانون وإجراءات عقد المجالس التأديبية ، مما يجعل رئيس المؤسسة ( رئيس المجلس ) بين مطرقة الطرف المتضرر وسندان التلويح باللجوء الى القضاء من طـرف الجانـي بحجة رفـع الحيف والضـرر نتيجة الشطط في استعمال السلطـة ، مما يؤدي في الأخير الى البحث عـن الحلـول الـوسطى ( الصلح) الشيء الذي يفقد المجالس التأديبية مصداقيتها ويفرغها من محتواها ، وهذا ما يشجع على المزيد من العنف .
إننا نعيش في حياتنا اليومية شتى أنواع العنف اللفظي والبدني ، ويتم تقبله أو تجاوزه ولكن العنف المدرسي لا ينبغي السكوت عليه أو غض الطرف عنه لان المدرسة و المؤسسات التعليمية عموما ، هي المكان الطبيعي بعد الوسط الاسري ، لبناء المجتمع ثقافيا واقتصاديا وأخلاقيا … ومن تم فإن تحصين مؤسساتنا هو السبيل الوحيد لكل تقدم وازدهار .