القمة العربية في شرم الشيخ : بين الحزم والحزم !

1 521

ظهر جل الحكام العرب شائخين ومتعبين ومتهالكين،بلغ بهم العمر مبلغا،يلتقطون بصعوبة بالغة، بعضا من النّفس،للكشف عن الكلمات المكتوبة إليهم،وقد يتأتى لنا المعنى لكنه غالبا لايتأتى.لذلك،ليس غريبا تماما،أن يكون بدوره الواقع العربي ،مشهدا جليا لأقصى درجات الإنهاك،مادام هؤلاء يشرفون على كل صغيرة وكبيرة ،ويمسكون بمختلف تفاصيل مصائر الفرد العربي من سكناته إلى حركاته فمماته.إذن،هو واقع من صنع أياديهم بشتى مساوئه،وإلا سقطنا مجددا في دوامة السفسطة التي تبعث على الغثيان :هم مسؤولون سياسيا عن كل شيء، ثم لايتحملون وزر أي شيء سلبي.

صحيح،أن الشباب لايرتبط ميكانيكيا بالعمر البيولوجي،لكن أساسا بالزمن النفسي،هكذا قد تجد شابا من الناحية الفيزيائية،غير أنه يفوق عجز الشيوخ شيخوخة،عقلا وقلبا وفعلا وإرادة وتطلعا وقدرة على المبادرة.يقابله،رجل بلغ من الشيب عتيا،مع هذا،يوحي بفتوة وشباب، لافتين.

حجة وجيهة،يستحيل تطبيقها على الملتئمين في شرم الشيخ،ماداموا قد أبانوا شكلا ومضمونا،جسدا وروحا،عن كهولة واضحة المعالم،لاتخطئها نظرة خاطفة. ولعل من أهم تجليات الأمر، عدم مبادرتهم إلى إبداء أبسط لبنات التلويح بالحزم، كمدخل لأجواء عاصفة الحزم،عبر الإقرار بنقد ذاتي،ولو في صيغ لغوية بروتوكولية،على الأخطاء القاتلة التي ارتكبت سابقا،قطريا وقوميا،فشكلت بكل حتمية تاريخية،بدايات المحرقة الكبرى التي تلفنا اليوم،بحيث تبقى في نهاية المطاف،الجماهير والبسطاء، وقودا لنيرانها.

إذن مرة أخرى،وعلى ضوء مداخلات شرم الشيخ،فالنظام الرسمي العربي،جميل ومعاصر ومحبوب ووطني وديمقراطي وشعبي ومجد ومتطلع وصادق وشجاع ونبيل ويؤدي واجباته على الأوجه الأكمل،فقط نحن الشعوب لا نستوعبه،أو لنقل حظه قليل في الدنيا،بالتالي لايدري من أين تسقط عليه المصائب ظلما،بالأمس البعيد تغول إسرائيل،وأول أمس شرذمة الربيع العربي،وحاليا التوسع الإيراني،بينما مكونات الكيان العربي،تنم عن صحة جيدة :أنظمة مؤسساتية،ديمقراطية،عدالة اجتماعية،توزيع عادل للثروات،أضعف النسب العالمية في الفساد والفقر والأمية والعنف والجريمة،مجتمعات العلم والتصنيع والمشاريع التحديثية التي وضعت بالفعل الجغرافية العربية على الخريطة الدولية… . 

أضحت محفوظة عن ظهر قلب،تلك البيانات الختامية للقمم العربية منذ هزيمة 1967،بحيث تتغير فقط إشارات التاريخ والمكان،بينما تبقي المجال واسعا لسين التسويف،كي تخط مابدا لها حسب مقتضيات اللحظة،إرضاء باللغة للجميع،وإن ظلت طبعا فلسطين لازمة لغوية دائمة بناء على ذائقة “يجب الذي يجب”(محمود درويش)،مما يحتم ضرورة الإدلاء.أقول،والحال كذلك،باغتتني متواليات انبعثت من لسان السيد نبيل العربي،وهو يتلو البيان الختامي لقمة شرم الشيخ،حين أكد على ضرورة تحقيق العيش الكريم وحقوق المواطنة وحقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية وجودة التعليم…،من أجل تعزيز انتماء العربي إلى هويته.

مما يدفعنا إلى طرح التساؤل التالي :هل يمتلك حقا النظام الرسمي العربي،مايكفي من الشجاعة ونكران الذات، كي يقود مبادرات إصلاحية عميقة،تكرس حسيا تلك الحقوق؟هل بوسع الأنظمة العربية،أن تظهر حزما، يغدو عاصفة كاسحة، تواجه في ذات الآن، أعداء الخارج وقبلهم هزم أعداء الداخل،الذين يقفون حجرة كأداء أمام تحقيق سبل العيش الكريم،ويسلبون الناس مختلف الحقوق، ويسرقون الثروات، ويضعفون التعليم ومن تم العقول…، إنهم،أصل الهزيمة؟

نعم ، لتشكيل قوة عسكرية عربية موحدة،نرهب بها أعداءنا ونستنشق معها قليلا من نسائم الكرامة الضائعة منذ زمن سحيق أمام أمريكا وإسرائيل وإيران، حلم بقي غبارا،لأجيال طويلة،لكنه مشروع سيبقى بلا معنى،إذا لم تعرف أولا الأنظمة سلاما داخليا مع شعوبها،وتتصالح معها، فتتوخى تكريس قوة مدنية داخلية،تجابه الأنساق البالية والمنظومات العتيقة،التي تنخر الكيان العربي من أساسه.  

لنتكلم بصراحة،قبل أربع سنوات أشعلت بعض شعوب المنطقة،شرارة الربيع العربي،من أجل التمتع بهذا العيش الكريم الذي نطق به أمين الجامعة العربية،لأنه سواء قبلا أو آنيا،فالشعوب العربية لازال بينها والكرامة،قرونا طويلة.طبعا،ولكي لايزهر الربيع،وتتجلى نتائجه الحازمة،تبنى النظام الرسمي العربي ”عاصفة الحزم”،فرصد الأموال الطائلة، وعبأ الجيوش والأجهزة،وحرض فيالق البلطجية والمجرمين،وأغرق السياق بالأبواق الرخيصة، وحرك الإعلام التافه، ووظف الدين والمثقفين،وضلل ماأمكنه من التضليل،وخلط التاريخ بالأسطورة والعقل باللاعقل،كي يحول خضرة الربيع إلى مستنقع للدم و الصدأ ،فقط لأن ماشغل ويشغل وسيشغل النظام الرسمي العربي،هو مصالحه الضيقة الشخصية والفئوية.

خلال تظاهرات الربيع،أبانت الشعوب عن وعي حضاري مميز،فطرحت وفق أشكال النضال السياسي،مطلب البناء المؤسساتي للمجتمع سياسيا واقتصاديا،هكذا توارت الأطروحات المتكلسة إلى الوراء،بل اختفت تماما،فلم نعد نسمع عن إرهاب، ولاتفجيرات انتحارية،ولا هذا شيعي ولاذاك سني ولاتلك مسيحية ولاهؤلاء أولياء الله،بحيث استحضر الجميع المفهوم الجوهري وهو الشعب،الذي يريد التغييرالتاريخي بالقضاء على الفساد.لكن هيهات ! هبت الأفاعي من جحورها، نفتت كل حمولة سمومها،قتلت الحياة،النتيجة :المستنقع الحالي.

لو تعامل النظام الرسمي بحزم ايجابي مع مجريات وتطلعات الربيع العربي،لحوكم وقتها علي عبد الله صالح،محاكمة ثورية حازمة، ترتقي إلى جرائمه،ولما عثر في المظلة الخليجية بقيادة السعودية،التي لم يكن يهمها سوى قلب الطاولة على شعوب الربيع وتحوير المسار،حصنا حصينا للنفاذ بجلده.ولازلت أتذكر،الطريقة المسرحية التي وقع بها على المبادرة،واضعا رجلا فوق رجل،كأنه قائد كبير حول اليمن إلى صين جديدة،ويضحك ضحكة تحمل كل دلالات السخرية.

لاأحد يعلم المدة الزمنية المحتملة لعاصفة الحزم؟ ولا أحد يمكنه الجزم على وجه التحديد،بنوعية التطورات العسكرية والسياسية التي قد تتمخض عنها؟بيد أن الشيء المعلوم،والمؤكد على وجه اليقين، أن النظام الرسمي العربي،في صورته البيولوجية الحالية،وقبل اتصافه بالحزم يومياعلى جميع الأصعدة، لن يكون قادرا بحزم على انتشال السفينة العربية من براثين عاصفة هوجاء،وأمواج عاتية، وإعادة توجيهها بتؤدة نحو الوجهة الصحيحة،بالتالي، مرفأ الأمان.         

تعليق 1
  1. أحمدالمداني المغرب يقول

    لقد تم انشاء الجيش العربي وسيدافع عن الأهداف التي سطرت من أجله .فهو من أجل التخريب كما فعل في العراق لا من اجل البناء والحماية وهاهو يقوم بنفس الخطأ في اليمن .فهذا الجيش الذي يحمل اسمه العربي لم يكن ولن يكن في ظل هذه الأنظمة الا خائنا لكل ماهو عربي ,وهنا تجدر بي مقولة نيوتن ,: الغبي هو من يقوم بنفس الخطأ وينتظر نتائج مختلفة , ومن ينتظر الأنظمة الخليجية القائمة على القبلية والتفرقة وخدمة الغرب الذي يخدمونه بدون حساب كمن ينتظر سرابا أنها دولارات البترول التي تتحكم في الدول العربية الأخرى . مستغولة ايران التي اسست لنظام رئاسي قد يصعب على الدول الكبرى محاكاته ناهيك عن الدويلات المتشردمة ,

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.