الكرامة أولا وأخيرا يا “آل دانيال”..

0 424

عرف المغرب في الأيام الماضية هزة عنيفة كادت تعصف بالعديد من المتلاعبين ببراءة أطفال هذا الوطن الذي نكن له كل التقدير و الاحترام. لذلك، أصبح الكل يتحدث اليوم عن وحش اسمه “دانيال كالفان الاسباني” مغتصب أحد عشر طفلا مغربيا بعد سبق إصرار و ترصد. وهو ما جعلنا نقف مشدوهين منبهرين لإطلاق سراحه بعفو ملكي بمناسبة عيد العرش المجيد.. الشيء الذي أفاض الكأس الممتلئة سالفا، وجعل قضية الطفولة المغربية تعود إلى الواجهة من جديد بعد قضية الطفلة زينب وانتحار أخريات بسبب تزويجهن وهن قاصرات..إلى أن ظهرت فضيحة “دانيال” التي بينت بالملموس أن قضية الطفولة يجب اعتبارها قضية وطنية بامتياز..مادام هؤلاء الأطفال هم مستقبل هذا الوطن الذي لا نريد له أن يكون مغتصبا..
إن إطلاق سراح وحش بشري، أعتقد أنه مريض نفسيا مارس نزواته الشادة على أطفال أبرياء في عمر الزهور، بقرار ملكي هو خطأ فادح لا نعلم على وجه الدقة من المسئول الذي يقف وراءه، ومن هذا الذي باع كرامة أبناءنا و وطننا.. لولا القرار الحكيم و الصائب الذي أعلن عنه الملك محمد السادس بإلغاء العفو عن “أخطر المجرمين” و إصدار مذكرة بحث وطنية في شأنه.. ويمكن القول إن هذه القضية قد طرحت على الواجهة مجموعة من النقاط الأساسية التي ينبغي مناقشتها، و من أبرزها ما يلي:
_ التدخل العنيف للحكومة في مواجهة الرافضين لقرار العفو، الشيء الذي يدفعنا لنتساءل كالتالي: ألا تتقن هذه الحكومة أسلوبا آخر غير أسلوب الترهيب والتخويف و”التزرويط”؟ و تهشيم رؤوس المناضلين و المناضلات؟
_ الغياب التام للمثقفين العضويين ( مع العلم أن الكثيرين منهم مرتزق أو حزبي..إلخ)، المطالبين بالدفاع عن حقوق و كرامة الإنسان، و التنديد بكل التصرفات المخلة بالمبادئ الكونية و الإنسانية..
_ مسطرة العفو الملكي عن السجناء، وكيف تتم هذه المسطرة و من يقوم بها و بحضور من؟
_ ثم من سمح لهذا الوحش “دانيال” بالعبث بطفولة المغاربة، و من عبد له الطريق للوصول إلى مآربه؟..ألم يجد هذا الوغد سوى أجساد غضة ليدنسها و يدوس على براءتها؟
_ إن المؤسسة الملكية مطالبة بالانفتاح على عموم الشعب، و أن تضرب بيد من حديد على كل من يحاول أن يهدد استقرار المغرب من رؤوس طامعة وبطون منتفخة، لا هم لها سوى تحقيق مصالحها و لو بالحط من الكرامة الإنسانية..
و بالرغم من ذلك، فإننا لا نتخذ من التشاؤم مرجعية لنا، و لا نفعل كالذين لا يرون سوى الجزء الفارغ من الكأس، بل إن قضية “الوحش دانيال” جعلتنا نقف على مجموعة من الإيجابيات المحسوبة على أصحابها، و يمكن إجمالها فيما يلي:
_ القرار الشجاع و الحكيم الذي عبر عنه الملك محمد السادس، من خلال إلغائه قرار العفو، مع إقالة المدير العام لمندوبية السجون و إعادة الإدماج، كونه مسئولا أولا عن إطلاق سراح ” الوحش دانيال”..و هو ما يمكن اعتباره – في نظرنا- اعترافا فاضلا بالخطأ..
_ حيوية المجتمع المدني المغربي، و قدرته على التعبئة الجادة و الملتزمة في مواجهة كل القرارات التي لا تخدم مصلحة الإنسان، خصوصا جمعيات الدفاع عن الطفولة و حقوق الإنسان، و بعض مكونات المجتمع من صحافيين و إعلاميين إلكترونيين، أضف إلى ذلك العديد من بيانات الاستنكار و الشجب على بعض المواقع الإلكترونية ..
_ قرار الإسراع بتقديم مشروع قانون لتقنين مسطرة العفو..
_ الاستقبال الملكي لعائلات الأطفال المغتصبين، عله يكون بلسما يشفي وجعهم، و يداوي الآثار النفسية المتدهورة التي خلفها حادث الاغتصاب..
سوف لن نتتبع سيناريوهات القضية حتى آخر لحظة، لأن هذا أمر راجع للمستجدات التي ستكشفها الأيام القادمة، كما أنه مرتبط بمسألة الحقيقة و رهاناتها المستقبلية، لكن الفرصة مواتية لنعيد النظر بشكل جدي في مسألة الطفولة و حقوقها التي ينبغي على الكل أن يدافع عن وجودها و تحقيقها، كالحق في الحياة، العيش الكريم و النمو، و المشاركة الاجتماعية..كما أن الدولة وحدها مطالبة بتطبيق قانون منع تشغيل الأطفال، و الضرب من حديد على كل من سولت له نفسه الحط من كرامة أطفالنا سواء في المركز أو الهامش..وإذا كان مسرح هذه الجرائم قد ارتبط بمدينة كبيرة، فما بالك حينما يتعلق الأمر بأطفال الجبال و المناطق النائية و المهمشة، خصوصا في ظل غياب شبه تام للجمعيات التي تنشط في هذا المجال..ما يوسع من دائرة اشتغال الدولة في هذا الإطار، لأنها الساهرة على حماية الطفولة و الإنسان و ضمان كرامته..
إن كرامة وطننا رهينة بالسهر على حماية كرامة أطفالنا ماداموا هم أجيال المستقبل الصاعدة. والإنسان، لا يكون إنسانا إلا بكرامته، لا يمكن معاملته كوسيلة في خدمة غايات الآخرين، بل إنه الغاية نفسها و الكرامة عينها باعتبارها قيمة داخلية مطلقة، كما يقول الفيلسوف الألماني كانط، كرامة تتيح له أن يقارن نفسه مع كل بني جنسه بوصفه ندا مساويا لهم..
لا يمكن، والحالة هذه، أن نساوم على كرامتنا، و لا أن ندع فاقدي الضمير يتلاعبون بمشاعرنا و مشاعر أطفالنا ما دمنا أحياء في هذا الوطن..صوتنا لن تخنقه الأيادي الظالمة، موقفنا تجاه القضايا الإنسانة راسخ لا يتغير.. كرامتنا أولا و أخيرا يا سادة..

الصديق اروهان

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.