المنع أقبح حل للرفض…

0 456

بداية لابد من التأكيد على أن الضجة التي أثارها فيلم نبيل عيوش غير بريئة، لأن مخرج الفيلم ومن يدعمونه ليسوا بهذا الغباء، فهم، لاشك، توقعوا هذا الرفض الطبيعي من مجتمع محافظ مثل المغرب، لكنهم عرفوا من أين تؤكل الكتف.. فوجهوا بهذا الفيلم ضربات قوية وموجعة إلى الهوية المغربية المهددة سلفا بالتلاشي لعوامل كثيرة.. 
لقد أدركوا ضعف الفيلم من حيث الجودة السينمائية، بشهادة أهل الاختصاص، لكنهم استثمروا في موضوع حساس، أظنه مفتاح الشخصية العربية عامة والمغربية خاصة، إنه الجنس وما يثيره مجرد ذكره في مخيلة كل عربي.. لهذا كله أظن أنهم حققوا مرادهم، واستطاعوا بطرقهم الخاصة ربما التغطية على فشل الفيلم فنيا وسينمائيا، وذلك بجعل الموقف الرسمي يسقط في فخ المنع، الذي انتظروه وأعدوا له العدة، أكثر من ذلك لقد منح الموقف الرسمي لخصومه السياسيين بقرار المنع هذا فرصة أخرى لركوبها واتخاذها مطية للتأكيد على موقفهم المعلن والمفضوح بأن الحكومة التي يقودها الإسلاميون ضد الفن، والهدف البعيد من هذا طبعا التأكيد على أن الإسلام ضد الفن..
لنتخيل مثلا أن منجز عيوش هذا عرض في القاعات السينمائية كغيره من الأفلام، هل كان ليثير كل هذه الردود والمواقف التي لم تعد شخصية أو داخلية فقط، بل أصبحت سياسية وخارجية أيضا..؟ لاشك أن الفيلم كان سيمر لو عرض في القاعات السينمائية المغربية مرور الكرام، أولا لأن جمهورها خاص وروادها معروفون أصلا، ويعدون على رؤوس الأصابع، ولا يمثلون حقيقة الشعب المغربي عموما كالفيلم نفسه، إذ لا يمكن الحكم عليه بأنه صورة للواقع كيفما كان الحال، كونه يظل محاولة لتصوير الواقع، وهذا تحكمه مجموعة من المقاربات لعل أبرزها زاوبة نظر المخرج وهدفه.. 
ومهما يكن من أمر فإن الفيلم يصدق عليه المثل المغربي السائر “الممنوع مرغوب”، فالشبكة العنكبوتية اليوم تعج بالمتهافتين وراء الفيلم، بناء على الصورة التي صنعها النقاش الدائر حوله، صورة مستفزة طبعا.. استغلها تجار الممنوعات المنتسبون للفن للربح السريع، قد لا يكون المخرج استفاد ماديا، وهو للإشارة في غنى عن ذلك، فنحن نعرف من يكون عيوش، لكنه، ولا نخجل من قولها، استطاع رفقة من يدعمونه من رجالات “الفن” وتجار السياسة تحقيق نصر “فني” و”تاريخي” على الموقف الرسمي، كيف لا ؟ والفيلم الذي تجرأ على الهوية المغربية تمكن من الظهور بمظهر الضحية المغتصبة، ولو لفترة، لأن الحقيقة تظل حقيقة مهما طال الزمن، ولن نستطيع حجبها عن أعين المتعطشين إليها بالإيهام أو المنع أو الرفض أو غيره، لا لشيء إلا لأنها حقيقة تفرض نفسها على الجميع لموافقتها للفطرة السليمة.. 
     إن الحقيقة المرة التي عراها الفيلم وسعى الموقف الرسمي لتغطيتها وتلميعها هي مدى هشاشة المجتمع المغربي، بفعل الجهل المتفشي، والتبعية، فالفرد المغربي اليوم يعيش صراعا ذاتيا مع نفسه، صراع يمكننا اعتباره إيجابيا إلى حد ما، لأنه سيمهد الطريق أمامه لبناء شخصية مستقلة قادرة على الاختيار والوقوف في وجه كل التيارات والعواصف.. وإن اشتدت، وهذا ما وجب الاستثمار فيه والتركيز عليه لا الهوامش والفروع.. فالمواطن الحق لا خشية عليه ولا يحتاج محاميا، لأنه آنئذ يكون قد اكتسب مناعة ضد كل ما لا يلائم حسه وطبعه وذوقه.. 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.