تاريخنا المفترى عليه

0 559

من 1912 إلى 1975 مرورا ب 1956 سنوات لا تزال محفورة في أذهاننا البريئة على طول سنوات الدراسة خصوصا بمادة التاريخ. كنا نحفظها و لا نتوانى في ذلك، ليس حبا في تلك التواريخ بل خوفا من جحيم عقوبة الأستاذ. لم يكن لنا الحق في طرح السؤال و البحث عن إجابات جوهرية و موضوعية عن ما وقع في تلك التواريخ.

تراكم تلك التواريخ في عقولنا، بدء بعهد الحماية من 1905 إلى 1912 , لم نعرف سبب قدوم الفرنسيس و كيف و ما الغاية من وراء ذلك. أستعمرنا إلى غاية 1956 يوم نلنا الاستقلال. و الله أعلم بما نلناه فليس الإستقلال الذي كان يطمح إليه سيدي محمد بن عبد الكريم الخطابي و رفاقه كذلك الذي وقع عليه متطفلون أن لم نقل مجهولون عن المقاومة من أمثال أهل فاس الشريفة. و سلطاننا الذي رأيناه في القمر لما ثم نفيه إلى مكان ما. لتأتي سنة 1975 العزيزة على قلوب المغاربة بمسيرة عذرا ملحمة أسطورية تجاوزت ملحمة الهوميروس و باقي الملاحم اليونانية و العنترية، و التي أتحفنا إعلامنا المشكور في كل ذكرى لها حتى أصابتنا التخمة بذلك .

في تاريخ المغرب، ذلك الذي لم يدرس في المدارس والجامعات، تعشش نقط سوداء، لحكايات أليمة مريرة، إخصاء التاريخ منها و بتر الأعضاء التي وقعت تحت الظل بطلها الرصاص، وكاتب قصتها الحرمان والخذلان، وفصولها تمتد لسنوات عبثا نحاول التصالح معها فتخيب الآمال، لأن كمية الظلم التي سكنت في تلك الفترة، قد نحتاج معها لغسيل الدماغ كي تسقط من الذاكرة.

            ليس هذا هو موضوع دراستنا, فذلك له من يسوق و يطبل له كل سنة و كل حين، غرضنا هو طرح أسئلة ما وراء النص التاريخي الذي تفضل به علينا أساتذتنا الكرام، خصوصا تاريخ ما بعد 1956 التي تم بتره و كأن المغرب كان خارج التاريخ و الزمان ليصل بنا مباشرة إلى سنة 1975. و السؤال إليك سيدي الاستاذ.

سيدي الأستاذ، أخبرني عن حقيقية الأبطال الذين سطروا بدماءهم الزكية أروع مشاهد البطولة و التضحية في الجبال و القرى, الأبطال الذين لا يتوانون عن تلبية نداء الوطن. أحكي لي أكثر عن مجموعة الخطابي، عسو با سلام و المئات من أمثالهم، وليس أفراد عائلة ” بن شي حاجة” الذي درسوا بأفخم جامعات فرنسا ليأتوا على رأس الموقعين على “وثيقة المطالبة بالاستقلال”. كيف ثم ذلك؟.

سيدي الأستاذ، خبرني عن كفاح المهديًين، بن بركة و المنجرة. جهابذة الفكر و رواد حركة التغيير و القطيعة الراديكالية مع الاستغلال الإمبريالي، ليس وفقط من الداخل بل على المستوى الأممي. أساتذة إن تقرأ سطرا واحدا من كتابتهم يكفيك لتجيب بامتياز عن أصعب أسئلة امتحانات الباكالوريا.

سيدي الأستاذ، سمعت بأنه بعد ” الاستقلال” تأسست تنظيمات تتعدد أساميها لكن كان القاسم المشترك بينها هو حب الوطن و تشكيل طلائع تكتيكية و جبهات مقاومة بتعدد أساليبها و وسائلها، خبرني عن ” إلى الأمام” ، ” الشعلة الحمراء” و غيرهما. أستاذي العزيز سمعت بأن هناك شيئ يطلق عليه ” 23 مارس 1995″ تاريخ سال الدم أنهار بمدينة البيضاء و أن رجلا يقال له أفقير قد تفنن في قتل و تعذيب زملائي التلاميذ أمام الثانويات لا لشيء إلا أنهم كانوا صوت عائلاتهم التي ضاقت ذرعا جراء الأوضاع الاجتماعية و غيرها خبرني أكثر عن تلك الوقائع ؟ !. أستاذي أ حقيقي أن ذاك اليوم مات فيه شباب في عمر الزهور، ودُفنوا في مقابر جماعية لا زالت عائلاتهم لا تعرف مكانها؟؟؟.

أستاذي المحترم، كثيرا ما سمعت عن مصطلح رنان و مرعب في نفس الوقت” سنوات الرصاص”، أصحيح أنه تم فيه إخراس كل الأصوات المطالبة بمغرب العدالة و الكرامة الاجتماعية. تميز بالاضطراب السياسي و الاعتقالات، و الاختطافات القسرية، و المحاكمات السياسية، و وجود المعتقلات السرية، و نفي المعارضين السياسيين، مما شكل انتهاكا جسيما لحقوق الإنسان من طرف المخزن. بالإضافة إلى انقلاب الصخيرات ومحاولة انقلاب أوفقير . خبرني عن سجن تازمامارت، مولاي شريف، سجن القنيطرة و مختلف معتقلات دار الكلاوي بكل من أكدز و تاكونيت و غيرهم من السجون التي تجاوزت سجن أبو غريب و غوانتانامو في طرق التعذيب و المعاناة التي اودت بشرفاء هذا الوطن في غياباتها.

سيدي الأستاذ، خبرني عن ما وقع في مدينة البيضاء، سباتة، الحي المحمدي و درب السلطان، عن وقائع تم طمسها من طرف الجهات الرسمية، خبرني عن انتفاضة “الكوميرة “سنة 1981، أ صحيح أننا فقدنا فيها أزيد من ألف شهيد و اختطافات قسرية للأحرار البلد لا نعرف مصيرهم إلى اليوم؟

سيدي الأستاذ، حدثني اكثر عن أبرهام السرفاتي، أصحيح أنه بعد اعتقلاه لأزيد من 17 سنة ثم نفيه و إنكار جنسيته المغربية. حدثني عن بن جلون، عن عبد الله الحريف و غيرهم من أصحاب الفكر و المواقف الصلبة. حدثني عن ناس الغيوان حدثني ، حدثني ، حدثني …

سيدي الأستاذي، تاريخ بلادي لا يختزل في 12 قرنا بل يتعداااااه إلى اكثر من ذلك.

سيدي الأستاذ، أعذرني عن هذا الفضول، ولكن سأختمه بسؤال لا زال يحيرني، ماذا لو طبقنا مشروع المهديين بن بركة و المنجرة، أين ستتموقع رتبتنا بين الدول المتقدمة؟ .

شكرا على سعة صدرك سيدي الأستاذ.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.