خاص..تزايد المترامين على العقار السلالي الخاص بالجماعة السلالية الكعابة أمام مرأى و مسمع السلطات الإقليمية و المحلية بزاݣورة

0 1٬056

عرفت بلادنا في السنوات الأخيرة نقاشا مستفيضا حول الأراضي السلالية لتعبئتها و جعلها رافعة للتنمية، خصوصا في المجال القروي الذي يعاني الهشاشة و الفقر، و ذلك بتشجيع ذوي الحقوق أو الأغيار لتنفيذ مشاريع فلاحية، وفق ما تقتضيه المساطر القانونية في هذا الصدد. و هو ما أسفر عن تحديث الترسانة القانونية الخاصة بأملاك الجماعات السلالية؛ من خلال إصدار القانون رقم 63.17 و الذي تم بموجبه تحديد المساطر و الإجراءات الخاصة بالمصادقة على التحديدات الإدارية، و كذا القانون رقم 62.17 بشأن الوصاية الإدارية على الجماعات السلالية و تدبير أملاكها، و المرسوم رقم 2.19.973 الخاص بتطبيق أحكام هذا القانون، بالإضافة إلى المصادقة على مجموعة من التحديدات الإدارية، المستوفية للشروط المنصوص عليها في القانون رقم 63.17، و التي همت مختلف ربوع المملكة.

فالقانون رقم 62.17 تضمن إلى جانب الأحكام العامة، أحكاما خاصة بتنظيم الجماعات السلالية و بأملاكها، تدبير مواردها المالية و الوصاية الإدارية عليها، التي يبقى من أهم أدوارها حسب الفقرة الثانية من المادة الثلاثين من هذا القانون، السهر على إحترام الجماعات السلالية، جماعات النواب للقوانين و الأنظمة الجاري بها العمل، كذا ضمان المحافظة على أملاك الجماعة السلالية، مواردها المالية و تثمينها.

في سياق الحماية التي منحها المشرع للأراضي السلالية، سواء في مواجهة أعضاء الجماعة السلالية المخالفين للقوانين (المادة 34 من القانون 62.17)، أو في مواجهة كل من إعتدى أو إحتل بدون موجب عقارا تابعا لجماعة سلالية، عمل المشرع على تشديد العقوبات ضد الأشخاص الذين يقومون بهذه الأفعال، و في هذا الإطار نصت المادة 35 من القانون رقم 62.17 أنه “دون الإخلال بالعقوبة الأشد المنصوص عليها في القوانين الجاري بها العمل، يعاقب بالحبس ستة أشهر إلى سنة و غرامة من 5.000 درهم إلى 20.000 درهم أو بإحدى العقوبتين، مع إرجاع الحالة إلى ما كانت عليه، كل من إعتدى أو إحتل بدون موجب عقارا تابعا لجماعة سلالية”.

كما نصت المادة 36 من نفس القانون أنه “دون الإخلال بالعقوبة الأشد المنصوص عليها في القوانين الجاري بها العمل، يعاقب بالحبس من ستة إلى خمس سنوات و غرامة من 10.000 درهم إلى 100.000 درهم :
• كل من قام أو شارك بأي صفة في إعداد وثائق تتعلق بالتفويت أو التنازل عن عقار أو بالإنتفاع بعقار مملوك لجماعة سلالية خلافا للمقتضيات القانونية الجاري بها العمل؛
• كل من قام أو شارك في إعداد وثائق تنفي الصبغة الجماعية عن عقار تابع لجماعة سلالية، خرقا للنصوص التشريعية و التنظيمية الجاري بها العمل.

و إذا كان المشرع عمل على تشديد العقوبات على المترامين دون سند قانوني على الأراضي السلالية، و جعل حماية هذه الأراضي على عاتق السلطة الوصية، فإن واقع الحال الخاص بالتحديد الإداري رقم 379 المتعلق بالعقار الجماعي المدعو “كدية بوجنيبة” الكائن بتراب قبيلة الكعابة بقيادة ترناتة و تنزولين دائرة تنزولين إقليم زاكورة، المصادق عليه بموجب المرسوم عدد 2.19.1009 الصادر في 14 من ربيع الآخر 1441 (11 ديسمبر 2019) المنشور بالجريدة الرسمية عدد 6842 الصادرة بتاريخ 26 ديسمبر 2019)، لازال لم ينل نصيبه من الحماية المقررة لأملاك الجماعات السلالية التي نص عليها القانون رقم 62.17.

هذا العقار، خصوصا المساحة الصالحة للزراعة به، التي تتوفر على فرشة مائية مهمة، المحددة بالترسيمات و العلامات (B15. B16. B17. B18. B19. B20. B21. B22) المتواجدة بمنطقة الفايجة (بوجنيبة) التابعة لقيادة ترناتة، عرفت في الآونة الأخيرة بعد سنة 2018 مع إنتشار زراعة البطيخ الأحمر (الدلاح) بمدينة زاكورة، تزايد عدد المترامين عليها من خارج ذوي الحقوق، إذ إنتقل عدد المترامين على هذه المساحة الأرضية من ثلاثة أو أربعة مترامين (ينتمون لقبيلة مسوفة)، سبق و أن صدرت في حقهم قرارات من مجلس الوصاية المركزي و أحكام قضائية قضت بإفراغهم و إرجاع الحالة إلى ما كانت عليه، إلى ما يزيد عن سبعين متراميا حاليا، حيث شيدوا فوقها ضيعات فلاحية و بنايات سكنية، و وصل حد إستهتار العديد منهم في ظل غياب أي تدخل للسلطة إلى تحويل أشجار النخيل من مناطق أخرى إلى هذه الضيعات الفلاحية، في سبيل خلق واقع يرومون من خلاله التأكيد على أنهم يستغلون هذه الأرض منذ زمان.

و حال من أفتى عليهم هذه الممارسة، إما أنه يجهل أو يتناسى المقتضيات القانونية التي تؤكد أن الأملاك السلالية لا تكتسب بالحيازة و لا بالتقادم (المادة 15 من القانون 62.17)، و هو ما يسائل دور السلطة المحلية بصفتها ممثلة للسلطة الوصية في حماية هذا العقار.

فإذا كان تشييد هذه الضيعات الفلاحية (و ما يستوجبه من حفر الآبار لإستغلال الفرشة المائية) و البنيات السكنية بدون التراخيص التي تنص عليها التشريعات الجاري بها العمل، فلماذا لم تتدخل السلطة المحلية بصفتها ممثلة للسلطة الوصية لتوقيفها و هدمها، لكون أهم الأدوار التي تقوم بها هذه السلطة حسب الفقرة الثانية من المادة 30 من القانون 62.17 كما أوضحنا سابقا، هو ضمان المحافظة على أملاك الجماعة السلالية، مواردها المالية و تثمينها. و هو ما يمكن تفسيره بأحد من الأسباب الأربع التالية:

الأول، أن السلطات بمدينة زاݣورة كانت تعلم بعمليات الترامي على هذا العقار و تغاضت عنها، نتيجة فساد بعض المسؤولين، أو تقصيرهم في القيام بمهامهم وفق ما يقتضيه التدخل لوقف هذه التراميات.

و الثاني، هو أن السلطات لم يكن لها علم بما يقوم به هؤلاء المترامين فوق مساحة عقارية تبلغ حوالي 10000 هكتار، رغم أننا نستبعد هذا المعطى، بناء على كون السادة نواب الجماعة السلالية الكعابة ما فتئوا يتقدمون لهذه السلطات منذ 2018 بالإخبار عن هؤلاء المترامين و يطالبونها للقيام بمعاينة لهذا العقار لجرد أسمائهم و تقديمهم إلى القضاء، بالموازاة مع كون السلطات المحلية، و كما هو معروف تتوفر على مجموعة من الأعوان يزوّدونها بكل كبيرة وصغيرة عن أي تغيير في المجال الترابي الموجود تحت نطاق نفوذها.

أما السب الثالث، و هو أن هؤلاء المترامين يتوفرون على تراخيص مزورة لإستغلال هذا العقار، لأنه من المستبعد أن تسمح السلطات بمدينة زاݣورة بإصدار هذه التراخيص، و هي تعلم علم اليقين أن هذا العقار خاص بالجماعة السلالية الكعابة، لكون الوثائق التي تم بناء عليها المصادقة على التحديد الإداري رقم 379 صادرة من عندها.

في حين يبقى السبب الرابع، هو أن هؤلاء المترامين يتوفرون على تراخيص وفق ما تقتضيه التشريعات و المقتضيات القانونية لتشييد هذه الضيعات الفلاحية و المساكن في عقار موضوع تحديد إداري آخر، و تم تحويلها و تشييدها فوق العقار موضوع التحديد الإداري عدد 379 الخاص بالجماعة السلالية الكعابة، خصوصا و أن هذا الأخير له حدود مع بعض التحديدات الإدارية الأخرى، و هو ما يسائل دور السلطة المحلية في تتبع كون هذه التراخيص قد تم تنفيذها في الأماكن المخصصة لها.

أيّا كان من هذه الأسباب التي أدت إلى تزايد المترامين على عقار كدية بوجنيبة، فهي تثبت مسؤولية السلطة الإقليمية المحلية بمدينة زاݣورة على ما آلت إليه أوضاع عقار كدية بوجنيبة موضوع التحديد الإداري عدد 379.

على خلاف ما سبق، فكلما تقدم ذوي حقوق الجماعة السلالية الكعابة الذين يعاني أغلبهم من الفقر و التهجير إلى مختلف مدن المملكة و خارجها للبحث عن لقمة العيش لأبنائهم، ممثّلين في نوابهم للسلطة بمدينة زاݣورة للإستفادة من هذا العقار، تتم مواجهتهم بأن التشريعات الجديدة لا تسمح لهم حاليا بذلك، فالأمر يتطلب أولا المصادقة على لائحة ذوي الحقوق، في ضرب صارخ لنص المادة الرابعة من القانون رقم 62.17 التي تنص على أنه “يمكن للجماعات السلالية أن تتصرف في أملاكها حسب الأعراف السائدة فيها و التي لا تتعارض مع النصوص التشريعية و التنظيمية الجاري بها العمل في هذا المجال، و ذلك تحت وصاية الدولة و حسب الشروط المقررة في هذا القانون”.

بل أكثر من ذلك، فعوض أن تسخر السلطة القوة العمومية و توجهها لإيقاف و ردع المترامين على عقار كدية بوجنيبة، عملت هذه السلطة على توجيهها ضد ذوي حقوق الجماعة السلالية الكعابة لترهيبهم بعد تنظيمهم لوقفات احتجاجية أمام مقر عمالة زاكورة في السنة الماضية، للمطالبة بحقوقهم المغتصبة في هذا العقار، إعتقال عشرة أفراد منهم، و توجيه إتهامات لهم من قبيل إهانة موظفين أثناء القيام بمهامهم، و رشق القوات العمومية بالحجارة..إلخ، و هم لازالوا متابعين حاليا في حالة سراح أمام محكمة الإستئناف بورزازات.

كما أن نواب الجماعة السلالية الكعابة كلما تقدموا لمطالبة السلطة المحلية للقيام بمعاينة ميدانية لهذه المساحة العقارية، المشار إلى ترسيماتها و علاماتها أعلاه، للوقوف و حصر لائحة المترامين الجدد عليها، تتملص و لا تنفذ ما يلزمها به القانون، متذرعة بمجموعة من الذرائع الشفوية الواهية، من قبيل أن هؤلاء المترامين قدامى، ما يطرح التساؤل معه ما موقف السلطة المحلية من المترامين الجدد ؟ أو أن الوضعية الأمنية الحالية لا تسمح بذلك، و كأن هؤلاء المترامين على هذا العقار أصبحوا يفرضون واقعا أمنيا في هذه المنطقة يتجاوز السلطة بمدينة زاݣورة، و لا يسمح لكل من ينتمي للجماعة السلالية الكعابة بمن فيهم نوابها الولوج لهذه المساحة العقارية، بما يوحي أن هذه المنطقة أصبحت خاضعة لمنطق العصابات، و ليس منطق الدولة، السلطة و المؤسسات، و ما يقتضيه ذلك من حماية للحقوق و تطبيق القانون على الجميع.

كان آخر هذه الذرائع التي تذرعت بها السلطة المحلية بقيادة ترناتة بعدما قدم لها نواب الجماعة السلالية الكعابة أواخر دجنبر الماضي طلبا للقيام بمعاينة لهذه المساحة العقارية للتأكد من صحة بعض الأخبار التي تقول بوجود عدد من المترامين الجدد، كون هذا العقار يعرف نزاعا معروضا على القضاء، و من ثم نتساءل مع هذه السلطة المحلية متى كان في أي تشريع في العالم على مر العصور كون نزاع عقاري معروض على أنظار السلطة القضائية يعد مسوغا للترامي عليه من طرف أشخاص جدد ؟ و يحد من سلطتها بصفتها ممثلة للسلطة الوصية على العقارات السلالية، للتدخل لتوقيف هذا الترامي ؟

إن هذا الوضع الذي أصبح يؤرق ذوي حقوق الجماعة السلالية الكعابة، و هم يرون تزايد أعداد المترامين على عقارهم، و الذين وصل بهم حد الإستهتار بالقوانين و التشريعات بحسب بعض الأخبار، بالتوجه نحو كراء مساحات شاسعة من هذا العقار لفلاحين من خارج إقليم زاكورة، مع بداية الموسم الحالي لزراعة البطيخ الأحمر، في حين أن السلطات المحلية و الإقليمية لا تحرك ساكنا و تستمر في منعهم من الإستفادة من حقوقهم في هذا العقار، الشيء الذي يتطلب من السلطة الوصية على الأراضي السلالية على المستوى المركزي التدخل لحماية هذا العقار من كل المترامين عليه، و تمكين ذوي الحقوق من الإستفادة منه، قبل فوات الأوان، و بروز تحركات من شأنها زعزعة السلم الإجتماعي بالمنطقة، الذي تبقى من أهم مرتكزاته حماية الحقوق و تطبيق القانون على الجميع، خصوصا في ظل كون منطقة زاݣورة تتميز بتركيبتها القبلية التي تجعل الدفاع عن الأرض في مرتبة الدفاع عن الشرف.

بتصرف، و بقلم : لحسن الحسناوي من ذوي حقوق الجماعة السلالية الكعابة.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.