زواج القاصرات، ظاهرة خارج المظلة القانونية …

1 442

زواج (الفاتحة) سقطت عنه الحصانة العرفية … وبدأت آلة القضاء ترافع لحصار الظاهرة ..
لم تقف حصيلة ضحايا الزواج المبكر او زواج القاصرات، او ما يصطلح على تسميته بزواج (الفاتحة) على رقم ثابت، فكثيرة هي الاسر التي تركها الجهل بين احضان تسعى الى اغتصاب طفولة بريئة، براءة الذئب من دم يوسف، لا تحبسوا انفاسكم حتى لا يرتفع الضغط فالظاهرة في ارتفاع رغم القانون، ومقاومتها تبقى خجولة في ظل دخول سماسرة محترفين على الخط. اذن فلا احد يستطيع فك شفرة ما يحدث بهذه المجتمعات الغربية الاطوار… فزواج القاصرات يختبئ وراء ستار من الغموض وضحاياه في تزايد…
يحض ديننا الحنيف على التكاثر والعفة والتحصين، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم ( تناكحوا تناسلوا فإني مباه بكم الأمم يوم القيامة ) ورغبة في العفة والحفاظ على الشرف وتحقيقا لأمل الآباء في رؤية أحفادهم، وكذا في تحقيق حلم الاحتفاء بالأولاد وتزويجهم والآباء على قيد الحياة، يقدم كثير من الشباب في المنطقة على الزواج في سن مبكرة.
ليس عيبا ما تقوم به ساكنة المنطقة التي تعيش في تجمعات سكنية عبارة عن دواوير وقصبات وقصور تحكمها علاقات اجتماعية خاصة، بل هذا حق طبيعي، لكن ما يستأثر بالاهتمام هو انتشار زواج القاصرات بل وحتى القاصرين مما يضع أكثر من علامة استفهام، هل ما تقدم من دوافع يعطي الحق للإقبال على زواج محفوف بالمخاطر؟ هل رغبة الأم في تزويج ابنتها منذ الفرصة الأولى وإعدادها لذلك يبرره تحصينها والمحافظة على شرفها؟ هل إقدام الأب على طلب يد فتاة صغيرة لم تنضج بعد لا يعد مغامرة غير محسوبة العواقب؟هل استطاعت مدونة الأسرة الجديدة الحد من الظاهرة أم لا زال هناك انفلات ومن المسؤول عنه؟ هل العادات والتقاليد ومستوى الوعي والمستوى التعليمي والثقافي للساكنة استحوذ على سلطة القرار؟ هل يسلم زواج القاصرات من تبعات وويلات تصل حد الطلاق ؟ هذه الأسئلة وغيرها غيض من فيض لأن زواج القاصرات بالمنطقة ظاهرة عمرت طويلا ولا زالت ولن تشيخ على ما يبدو ما دامت تجد ما يضمن لها الاستمرار. ليس حسدا في من يتزوج في سن مبكرة لكن خوفا مما يترتب عنه هذا الزواج من مشاكل. فما ذا يمثل الزواج بالنسبة لسكان المنطقة؟
يعد العرس حدثا تاريخيا في الأسرة حيث يتم الإعداد له لمدة طويلة ، ويسهر الأبوان على الإعداد الجيد للعرس وتوفير كل ما هو مطلوب طيلة المدة الفاصلة بين الخطبة والزواج، خاصة الأمهات اللائي يسهرن على شراء كل ما يلزم العروس وادخاره حتى قبل أن تتم الخطبة.
تعرف المنطقة بموسمين للزواج موسم عيد الأضحى وموسم العطل خاصة العطلة الصيفية حيث يجتمع الأهل والأقارب وسكان الدوار المتواجدين بالمدن للعمل أو المرتبطين بعمل في الوظيفة العمومية ليحضروا العرس ويتقاسموا الفرحة مع الآخرين.
تتميز الأعراس في المنطقة بالبساطة والعفوية في كل شيء، وليست شأن أسرتي العريس والعروس فقط، بل أهل الدوار كلهم معنيون يساعدون ويعتبرون العرس مناسبة لإظهار تلاحم الساكنة وما يربطها من علاقة جيدة، فينخرطون في العمل على إنجاح العرس وتقديم أحسن خدمة للضيوف والمدعوين ويتم التعبير عن الاحتفال بالغناء والمواويل والزغاريد واللوحات الفلكلورية الغنية. يعد العرس مكلفا لأسرتي العريس والعروس وفي نفس الاتجاه، تقديم صورة مشرفة عن الأسرة، ولا يقتصر الأمر هنا على ما يقدم من طعام وغيره، بل هناك أمور أخرى، أهمها الصداق الذي يعد ركنا مهما في الزواج. فإذا كانت بعض المناطق تولي مسألة الصداق أهمية بالغة تتجلى في تشديد المبلغ ومحاولة إثقال كاهل العريس، فإن ساكنة المنطقة تأخذ في موضوع الصداق بمبدإ التخفيف، ويبقى الصداق مسألة ثانوية حيث لا يشتكي العريس من غلائه ولا أهل العروس من قلته، وحتى ما يقدم من لباس للعروس يبقى متعارفا عليه ومحددا مسبقا، بل المثير أن أهل العروس يتحملون مشقة شراء فراش البيت الجديد وأثاثه كاملا مع ما استجد من تغيرات عرفتها الحياة المعيشية لسكان المنطقة.
تمر أعراس المنطقة في جو يسوده الفرح وتزينه طيبوبة الساكنة فيتم صلح ما أفسدته الأيام من علاقات وتسري من جديد روح التضامن والأخوة بين الناس. أليست هذه الأجواء مشجعة على الزواج؟ وهل هناك أعراف أخرى تتحكم فيه وتؤدي إلى زواج القاصرات؟
تعد العنوسة في المنطقة شبحا مخيفا يطارد كل الفتيات، ولم يحترم سن محدد ليطلق وصف العانس على الفتاة ولكن المعيار الوحيد والخاطئ هو زواج بنت تصغر الأخريات فهذا حكم بالبوار والعنوسة على الأخريات. تتفادى الأم بشتى الطرق أن تتزوج البنت الصغرى قبل الكبرى وقد حصل من العجائب والغرائب ما لا يقبله عقل حين كانت رؤية البنت المخطوبة أمرا مستحيلا خاصة إذا كان أهل العريس في دوار بعيد، فيتم استبدال التي تمت خطبتها بأختها التي تكبرها سنا وتزف ليلة الدخلة إلى عريس الغفلة. وكم من فتاة مسكينة تمت خطبتها وبعد ذلك تم التخلي عنها وفسخ الخطوبة بدعوى أنها متقدمة في السن وهي في الحقيقة لم تبلغ بعد العشرين بل هناك من النساء من تتأوه حين الحديث عن الزواج وهي تستحضر وجود بنت لها او بنات يصارعهن الزمن الذي يتقدم بهن، بل هناك من النساء من يحاولن إخفاء حقيقة سن بناتهن، وهكذا يعيش الأبوان والبنات تحت ضغط الزمن وحين يأتي أول طارق لا يشترطون ولا يعدلون عن خوض مغامرة الزواج.
كيف يحدد السن المناسب لزواج الذكر والأنثى؟ سؤال تجيب عنه عادات أهل المنطقة. البنت لا شرط في السن إذا كانت تحسن القيام ببعض الأعمال المنزلية من طهي وتنظيف وتصبين وأمور أخرى وهو ما تسهر الأم على تعليمه وتلقينه لابنتها منذ الصغر لتصبح ناضجة ومؤهلة لتزف إلى بعلها. أما الذكر فحذار أن لا تكون له أخت تساعد الأم، هذه الأخيرة التي تعمل على تزويج ابنها لتحل زوجته لخدمة الأسرة، كما أن الخوف من فقدان الولد الذي قد يتزوج ويستقل عن الأسرة.
الأهلية لا تعتبر شرطا أساسيا كما لا تعني سنا محددا، بل تختزل في الرغبة في الزواج والإعداد له، وهكذا يواجهك السكان بسؤال ما ذا ينقص ذاك أو تلك لتتزوج؟ إن حاولت استنكار زواج قاصر أو شاب لا يستطيع تحمل المسؤولية الثقيلة التي تنتج عن الزواج مثل توفير الشروط المادية والقدرة على مواجهة صعوبات الحياة اليومية والنضج لحل المشاكل والقدرة على تربية الأبناء…فكيف تطرقت مدونة الأسرة لقضية زواج القاصر؟
إذا كان مفهوم البلوغ يقصد به قدرة الجنسين على التناسل، فإن المشرع حدد البلوغ والأهلية في الزواج فسن 18 سنة للذكر والأنثى على السواء استنادا إلى المادة 19 من مدونة الأسرة. واستدرك المشرع في المادة 20 من المدونة حيث ترك لقاضي الأسرة الحق في الترخيص لمن دون سن 18 سنة بالزواج بقرار معلل يبرز فيه المصلحة والأسباب التي تخول الزواج للقاصر بعد الاستماع لأبويه أو نائبه الشرعي والاستعانة بخبرة طبية أو إجراء بحث اجتماعي، لكن هل توافرت كل الشروط والآليات لتنفيذ هذه المادة؟ هل استطاعت المادة 20 التحكم في الظاهرة وضبطها؟
ليس هناك من أرقام محددة تفصح عن حجم ظاهرة زواج القاصرات، لكن يبدو أن نزيف الظاهرة لا زال مستمرا في شكلين، شكل يرخص فيه القاضي الزواج وفق الشروط السالفة الذكر رغم انعدام الخبرات المطلوبة، وشكل يتم في الخفاء بزواج بديل يتم اللجوء إليه حين يتعذر الحصول على موافقة القاضي. ويلعب الإمام ( الفقيه) دور المنقذ حيث يكون بطل زواج الفاتحة مع شهود يؤازرونه، ويتم ذلك تحت طائلة أن الناس قد أعدوا للعرس وأن الخطبة قد تمت وأن وقت العرس قد حان ولا يقبل التأجيل وأنه أعطي وعد وعهد وأن…وكأن قانون سن الزواج نزل للتو من السماء، يتغافلونه فقط، وحين يصطدمون بقرار القاضي الذي يستنفذون معه كل الحلول والوساطات والوسائط لانتزاع ترخيص الزواج، يلجأون إلى الممنوع ولمحذور ومشاكل جمة من قبيل عدم الحصول على عقد الزواج لذي يمكن من الحصول على دفتر أو كناش الحالة المدنية لتسجيل الأولاد فيجدون أنفسهم مرة أخرى يلجون المحاكم لإثبات الزوجية وتسجيل الأبناء وغير ذلك من المشاكل. فلماذا حاولت مدونة الأسرة الحد من ظاهرة زواج القاصرات؟ هل هناك أسباب حقيقية وواقعية ومقبولة؟
تزف العروس إلى بيت زوجها، وبعد فترة من الزمن يستفيق الجميع على وقع معاناة ومشاكل بالجملة. فما ذنب القاصر إن لم تستطع التأقلم مع الجو الجديد؟ ما ذنب عائلة الزوج إن لم تستطع تفهم الوضع؟ وتنطلق شرارة المشاكل التي تؤكد أن الحياة ليست بسيطة كما تبدو للناس حين قرع الدف تتخلله الأهازيج والزغاريد مع البحث عن حلول لعقد قران يجرمه القانون .
يمر الإنسان من مراحل نمو لا يمكن القفز على بعضها وإلا أجهضنا نموا طبيعيا. حين يتم تزويج فتاة في سن 12 سنة أو 13 سنة أو 14 سنة فأنت تزوج طفلة لم تبلغ الرشد وليس مبررا ذلك بظهور علامات البلوغ فالمنطقة حارة والبلوغ عادة ما يأتي مبكرا، أين النمو العقلي في المعادلة؟ كثير من الفتيات في المنطقة يرغمن على ترك فصول الدراسة للزواج فيتم إجهاض تكوينهن فترتفع نسب التسرب الدراسي بل أن هناك من السكان من يؤمن بأن زواج البنت هو زواجه، فأي مجتمع متقدم ننشد ونصفه مهيأ فقط للزواج في أي حين ويفتقد التعليم والتكوين والوعي والتي هي شروط بل أسلحة للنجاح في الحياة.
تتحمل القاصر المسكينة مسؤولية أثقل مما تستطيع، خدمة الزوج وأبويه وإخوانه وأخواته والأبناء، من أين لهذه الطفلة المسكينة الدعم النفسي والمؤهلات العقلية والمعنوية والمادية لتدبر أمور الحياة القاسية وهي تعيش وسط مجتمع تقليدي يعيب على المرء الكسل والضعف والهوان ولا يقدر إلا من له القدرة على العمل. ليس الأمر سهلا تصطدم العقليات المختلفة الناضجة مع غير الناضجة ولا أحد يتفهم الموقف ينضاف إليها مستوى الوعي السائد في المنطقة.
تبدأ الشكاوى تتقاطر على بيت أهل الزوجة الذين لا يجدون عزاء سوى توبيخ ابنتهم ونصحها بالصبر وتقديم الكلام الطيب لأهل الزوج والاعتذار لهم. ليس هذا حكما عاما مطلقا على زواج القاصر بالمنطقة، فقد ينجح البعض في زواجهم وينجون من المشاكل، لكن الغالبية العظمى تفشل وتعاني وتصل إلى درجة الطلاق، وبالتالي يصبح وهم السعادة سرابا.
تحس القاصر أنها حرمت من طفولتها فتحاول تعويض ذلك بإظهار نوع من اللامبالاة وعدم إعطاء الأشياء والأمور قدرها في وسط اجتماعي تحكمه شبكة معقدة من الطقوس والبديهيات هيهات أن يستوعبها عقل الصغير، فتكبر الهوة بين تصرفاتها وما تطمح إليه عائلة الزوج، فتتعرض القاصر لنوع من الإقصاء وعدم القبول والتهميش وسط الأسرة ، ويتم النظر إليها على أنها طفلة لا يؤخذ برأيها ولا يعتد بكلامها. إن العزلة النفسية والضغط اللذان يمارسان على الزوجة القاصر يدفعها إلى الهروب إلى بيت الأب وإعلان عدم القدرة على مواصلة التحمل.
إلى جانب المعاناة النفسية تتعرض القاصر إلى معاناة جسدية تتمثل في لتعب الناتج عن مشقة الأشغال اليومية والحمل في سن مبكرة مما يهدد صحتها الجسدية، فيشحب الوجه وينقص الوزن وقد تتعرض للموت إذا لم تستطع تحمل مشاق الحمل والوضع ، في غياب رعاية طبية وشروط التغذية السليمة.
لم كل هذه المعاناة لأجل زواج ينتظره الفشل بنسبة كبيرة؟ لقد حاولت مدونة الأسرة كبح جماح الذين يقبلون على زواج القاصرات، و لا يمكن إلقاء اللوم على قضاء الأسرة الذي يتصرف وفق الهامش الذي ترك له، لكن أسبابا أخرى تعمل على استمرار الظاهرة، فكثيرا ما نبه قاضي الأسرة وبين مخاطر زواج القاصر فتصم الآذان وتعمى الأبصار وبعد الزواج يتخبط الجميع في مشاكل بالجملة وهناك عائلات شعرت بالندم وتذكرت تحذير القاضي لكن بعد فوات الأوان.
تعد ظاهرة زواج القاصرات في المنطقة شيئا عاديا، ويعتبر السكان ما جاء به القانون تضييقا عليهم، ولا أحد يعتبر بما يحصل بعد الزواج من معاناة نفسية ومادية وتخريبا للبيوت والعائلات وإفسادا للعلاقات وكثرة الطلاق والذي أصبح صعبا من حيث المبلغ المادي الذي أصبح من اختصاص المحكمة، ولكنه خلاص من المعاناة ومن لم يستطع الطلاق يبقى حبيس المعاناة. لم تستطع المدونة منع الظاهرة وبالتالي فالأمر يستدعي توفير وتفعيل القوانين الزجرية، وكذا العمل على توعية المجتمع والرفع من مستوى الساكنة الثقافي والتعليمي لتغير اعتقاداتها وأعرافها وتتفهم خطورة الظاهرة.

بلال الفـــــاضلي

تعليق 1
  1. عبد لكبير العلوي الصوصي. يقول

    حقا لقد لامست موضوعا اجتماعيا قانونيا شائكا في المغرب عموما وزاكورة خصوصا، لكن هل يغير العطار ما افسده الدهر.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.