صلاة استسقاء للنوايا والأفئدة !!

0 532

لاشك،أن مانعيشه في المغرب،وبغير كثير من الديماغوجية،هو جفاف العقول والقلوب،ثم تكلس في الطبيعة البشرية،قبل أي جفاف لخصوبة الطبيعة. أي أستاذ للجغرافية،في مدرسة نائية، يلقن لتلامذته المعلومة التالية :مناخ المغرب،يسري عليه مايسري على طقس بلدان البحر الأبيض المتوسط،حيث دورات قلة التساقطات أو انعدامها،بنيوية ومتواترة هيكليا،بالتالي،ليس بالشيء الميتافيزيقي المفارق،لفيزيقا وضعنا الطبيعي.
لاشك كذلك،أن التحدي الجوهري،الذي يتصدر راهنا قائمة برامج الأمم والشعوب،المؤكد حقا لطراوة ذكائهم وشساعة خيالهم وصدق إرادتهم،يتمثل في الهم الايكولوجي،نتيجة الاختلالات المصيرية التي صار يعيشها كوكبنا الأرضي،بعد المستوى المتقدم جدا، لما بات يعرف بنتائج الاحتباس الحراري.
لم تعد الطبيعة،ترابا وماء وهواء ونارا،وفق الفهم المتوارث الرتيب،المتحقق على نفس المعطى الفيزيائي الكلاسيكي،العلّي والسببي ،لكنها اليوم،الطبيعة الهلامية الشبيهة صنيعا بكائن شبحي،بوسعنا أن نصطلح عليها تقديرا بالفنتازية.من بوسعه في الظرف الحالي؟الاطمئنان لسكون الطبيعة،والعجز عن محاورتها، ليس حتى بلغة الحداثة لكن بمفاهيم ومواقف مابعد الحداثة حيث التجاوز اللانهائي.
في المغرب،الحدوثة محفوظة عن ظهر قلب،والسيناريو يأخذ منحاه على الوتيرة التالية :مع بداية الخريف،يبشر الإعلام الرسمي جموع المواطنين،بموسم جيد،نظرا لتساقطات مهمة ومنتظمة زمانيا ومكانيا،ثم ارتفاع نسبة مخزون السدود،وما يستتبعه الأمر من راحة وسياحة ومهرجانات شعبية وعصرية عربية ورومية شرقية وغربية،وولائم بحجم الجبال يمينا وشمالا… .
بالكاد،حين شهر أبريل أو ماي،وبسبب تغير مناخي مباغث ،أو بالأحرى بداية تشكل ملامح الصيف،فتهب رياح الشركي،مما يتسبب في ارتفاع مهول لدرجات الحرارة،يتم كذلك،بالسرعة ذاتها التراجع عن خطاب التبشير لصالح آخر منفّر.في السنة الموالية،يعاود الرسميون نفس النغم،الحافر على الحافر،ويترجل فريق الحكومة نحو قبة البرلمان، بتقنوقراطيه وخبرائه وأدمغته وخريجيه من “أعتى” المعاهد الفرنسية والكندية والأمريكية،فيجمعون جميعا،على أنه يستحيل وضع ميزانية للبلد،بغير التبلل بأولى المليمترات المائية.
قد يجود علينا المطر،بكرم فوق حاتمي،مشتغلا على الطريقة الاستوائية،فتغدق علينا السماء في ساعة واحدة،ما تتدبره أصلا طيلة سنة بأكملها،كما حدث مثلا في مراكش شهر أكتوبر الماضي،بيد أن هذا المطر،لايلقى في المقابل،أرضا رحبة،وكائنات على أهبة الاستعداد،لكي تخصب عمليا نعمة الخصوبة.هكذا،ينقلب الحفل إلى مطبّ،وتنكشف عوراتنا للجميع في واضحة النهار.لحظتها،لايخطر على بالنا قط الإسراع إلى صلاة للرب بطريقة من الطرق،على طريقة الاسترحام،كي يرفع عنا وطأة من لايخافون ضمائرهم،ولايرحمون مواضعها،لا ينامون ليلا ونهارا،ملاحقين ومراكمين شرورهم،فتغدو الطبيعة في ظلهم،عبثا في جحيم،سواء ابتسمت أو زمجرت واكفهرت.
بناء على المنظومة والحكومة “الثيولوجيين”،يفترض إذن مسوغ صلاة الاستسقاء،أننا أبناء الطبيعة البررة،الأبرياء والصادقين، الذين يتبنون عمليا ممارسة مجتمعية،تقتدي بتضمينات المزاج الأرضي والهوائي والمائي والناري :
الأرضي،من أجل وضع تصاميم عملية،تتوخى بدون مواربة، فضاء حداثيا ديمقراطيا.
الهوائي،يقتضي سياسيين محترفين، يحملون البلد نحو مشاريع نيتشوية،ذات آفاق واسعة تنتمي إلى القرن الواحد والعشرين،فيعود للسياسة عندنا خيالها الواسع،عوض حمولة الخردة التي نعاينها .
الناري، الصرامة المناسبة تنظيرا وتطبيقا،حيث تسليط سيف العدالة على من يغتصبون خصوبة البلد سواء في مواسم المطر أو الجفاف،فلا يتعبون من تجفيف منابع الحياة والآدمية.
المائي : لقد تحدثت فلسفات الماء،عن طهر وبياض وشفافية،حوريات الأنهار والبحار،بحيث أتمنى أن تصير عقول أصحاب شأننا،أخصب من ينابيع الماء،ودواخلهم أصفى من مرآة بحيرة نرجس … .
المعادلة المستحيلة،أننا باستمرار بلد مأزوم سقيا أو جفافا،صيفا أو شتاء،توافر حبّ السنابل أم ندر. حد الطبيعة لدينا،لا يغير شيئا،امتلأت الآبار،أو تبخرت السيول،لأن الأكف التي تتطلع من أجل استدرار مطر،ليست جميعها نظيفة،والرب يكره الخداع و سوء الطوية،ويريدك أن تكون صادقا مع نفسك،تلك هي عبادته الأولى وليست الصلاة بطقوسها الشكلية الجامدة.
أينما وليت وجهك،إلا وتبدت الطبيعة حزينة، مما صنتعه بها شراهة ودناءة البشر،مما يفرض علينا كل صبيحة،صلاة استسقاء أو بالأحرى صلوات،كي :
-تنعم علينا السماء،برجالات حكم لم يكتفوا فقط من تربيتهم السياسية، بثقافة التنابز بالألقاب والسخرية والتسخير والشتائم الرخيصة،كأنهم يعرضون سلعا رثة، في أسواق البراغيث.
-وزراء وزعماء أحزاب،يعرفون ماذا يقولون وكيف يقولون،بل يملكون قليلا جدا من الهرطقة،لكنهم في المقابل، يملكون كثيرا جدا من خصائص كرامة رجل الدولة،كما درسناه عند فقهاء القانون الدستوري.
-موظفون في الإدارة،يبتسمون ملء شفاههم حينما يشاهدونك قادما نحوهم،وليس جماعة من الناقمين يخلقون لديك عقدة،من كونك ولدت مغربيا ولست من كوكب آخر.
-جامعات للعلم،كالجامعات التي تقود العالم المتحضر،وليس مجرد بنايات إسمنتية تكتسي كسوة رمادية،لاروح فيها ولاحياة.
– مواطنون لا يلقون بالقمامة في الشارع،ومن خلف نوافذ سيارات رياضية،ثم يسحقون بعضهم بعضا،كذبا وبهتانا وأمراضا نفسية.
-مدارس ومعاهد،تفرز عقولا قوية،وليس أجيالا هشة، يُضحك عليها بشواهد كارتونية،ويُلقى بها كي تنهشها الذئاب.
مع كل هذا،مع المطر وبدون المطر،فالجفاف فينا وليس في وطننا.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.